لقد عظم الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وفضّله على سائر خلقه، وقد ورد في الحديث الشريف ما يثبت به تفضيل الله تعالى لنبيه فوق باقي البشر؛ روى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن الله فضّلني على الأنبياء”، وعند مسلم وأبي داود والترمذي واللفظ له: “أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلَا فَخْرَ”.
قال النووي في شرح مسلم: وهذا الحديث دليل لتفضيله صلى الله عليه وسلم على الخلق كلهم.
وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: “لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ”.
وإن كانت محبة جميع الرسل من الإيمان، لكن الأحبية مختصة بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكما في الدين الإسلامي فرائض وشرائع، هناك أوامر تختبر إيمان المسلم ومدى قربه من الله ورسوله حثنا الله عليها، بل وأمرنا بها وبيّن لنا فضلها؛ من بينها الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال تعالى في كتابه العزيز: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.
فلفظ الصلاة على النبي “اللهم صل وسلم على سيدنا محمد” هي تعظيم وتمجيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
والصلاة على النبي هي دعاء وتوجه إلى الله تعالى بالثناء على رسول الله في الملأ الأعلى وبين الملائكة.
جاء من حديث عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاص رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: “إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً، ثُمَّ سَلُوا الله لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ الله، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ له الشَّفَاعَةُ” رواه مسلم.
وكل من أراد أن يكون أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة فليكثر من الصلاة والسلام عليه، فقد أخرج الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أَوْلى النَّاسِ بِي يوْمَ الْقِيامةِ أَكْثَرُهُم عَليَّ صَلاَةً” أخرجه الترمذي.
وإن مجلسا لا يصلى فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، يكون على أصحابه حسرة وندامة يوم القيامة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَا جَلَسَ قَومٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكرُوا الله تَعَالَى فِيهِ ولَم يُصَّلُّوا عَلَى نَبِيِّهم فِيهِ إلاَّ كانَ عَلَيّهمْ تِرةٌ، فإِنْ شاءَ عَذَّبَهُم، وإنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُم” أخرجه الترمذي، وقال هذا حديث حسن صحيح.
وأينما كنا فإن صلاتنا تصل إليه، فقد أخرج النسائي وابن حبان والإمام أحمد بإسناد صحيح عن عبد الله بن السائب عن زَاذَانَ عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ” رواه النسائي في كتاب السهو.
ومن المستحب في السنة النبوية الإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، لما جاء عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إنَّ مِن أَفْضلِ أيَّامِكُمْ يَوْمَ الجُمُعةِ، فَأَكْثِرُوا عليَّ مِنَ الصلاةِ فِيهِ، فإنَّ صَلاتَكُمْ معْرُوضَةٌ علَيَّ” صحيح داود.
لقد تعددت صيغ الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله وعليه وسلم، ومن بينها صيغة المكيال الأوفى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد” رواه مسلم وأبوا داود.
وأختم بقول الإمام عبد السلام ياسين في كتاب الإحسان: “من أعظم الأذكار فضلا، وأجلها قدرا، وأوفاها بمقصود المريدين المحبين المتقربين الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم” (فقرة الأوراد وخصائص الأذكار).
هي شيخ من لا شيخ له، هي وسيلتنا إلى ربنا إذ هي ميثاق وفاء ومحبة، تلتقي صلاتنا عليه بصلاة الله عليه وصلاة ملائكته، فأي فضل أعظم من أن يكون موضوع صلاتنا مطابقا موافقا.