فــي دلالات وعِــبَــرِ الأمثال الشعبية: (11) “اَلْحَكْمة فـي سَحْـنُـونْ ماشي فـي النُّــون”.  

Cover Image for فــي دلالات وعِــبَــرِ الأمثال الشعبية: (11) “اَلْحَكْمة فـي سَحْـنُـونْ ماشي فـي النُّــون”.  
نشر بتاريخ

مــوافــقـــة لــطـيـفــة: تزامنت الحلقة الأسبوعية الحادية عشرة من هذه السلسلة مع عرض مشروع النموذج التنموي الجديد.
 

“اَلْحَـكْـمة فـي سحنون ماشي فـي النونْ” مثلٌ شعبي يواجَه به من يـدّعـــــي الإلـمام بأمر وإتقانه، فتفضحه الـممارسة والتجربة الـميدانية. ولهذا الـمثل قصص تلتقـي فـي الـمضمون، وإن اختلفت فـي الأحداث والـوقائع الـمؤسسة للمثل، ومنها أن رجلا صالحا ورعا تقيا يُـدعــى “سحنون” يَـتبـرّك الناس بدعواته، ويلتمسون رقيته، حيث يعمد عند الحاجة إنجاز تميمة ورقية صغيرة يَطلب من ملتمسها أن يتجنب وضعها فـي أماكن غير طاهرة. فكان أن ذاع صيته، وكثر حُساده من محترفــــــي الشعوذة، وسعيا منه لاكتشاف سر نجاعة التمائم السحنونية، لجأ أحد الحُساد إلـى فتح إحدى التمائم، فلم يجد غير حرف النون “ن” مرسوما فـي التميمة. ودون فعالية ونتيجة، اعتمد الـمشعوذ ذات الطريقة فـي تمائم زبنائه، فقيل له: “ليسَ السِّـرُّ في النـّون، إنمَـا السـّر فِـي كَـفِّ سَحْنـون”.

ظاهر الـمثل ومنطوقه ينصرف للتمييز بين أهل الصنعة واللمسة الاحترافية فـي أي مجال، الناجحيـن الـمبدعيـن فـي تخصصاتهم وما يمارسون من مهن أو حرف، وبين الـمتطفلين الدخلاء علـى هذه الحرفة أو التخصص أو الـمهنة. فإذا كان الناجحون الـمبدعون أسسوا لتميزهم بما بذلوا من الجهد تعليما وإلـماما معرفيا بما يزاولون من أنشطة، جاء التدريب الـميداني تحت عين الخبير الحاذق لتحويل الـمعارف النظرية إلــى ممارسة سليمة يبلورها حب ما يمارس من نشاط ويباركها الصدق؛ فإن الـمتطفلين أشبه بقطاع الطريق يطلبون النجاح دون عناء، ومن أقصر السبل، وبأقل جهد، يسرقون جهد الآخرين، مراهنين علـى استغفال الزبائن، لكن سرعان ما ينكشف سرهم وتنفضح ألاعيبـهم. وكما يقال: “حبل الكذب قصير”.

تطفّل تمأسس فتناسلت الشركات والـمؤسسات التي تقدم منتوجا مغشوشا، فــي الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية والصناعية، مرورا بالـمجال الحِـرفـيّ الذي يعتبر أكثر القطاعات تضررا بهذه الظاهرة.   

غير أنه ولغياب آليات الـمراقبة وتعطيل مساطر الـمساءلة ومع اختلال منظومة القيم الـمجتمعية توفرت بيئة موبوءة لـتنامــي ظاهرة التطفل في الحرف كما فـي الـمهن وسائر التخصصات، فلا يكاد يخلو مجال من متطفلين، يشوشون علـى أهل الصنعة والحذاقة الذين صاروا قلة قليلة، وأضحى الناس ومصالحهم مهددة بالغش. 

مستوى آخر لتنزيل مضمون الـمثل، إنه الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدول، حيث تلجأ الحكومات أو الحكام لاستنساخ “تمائم” تنموية من مؤسسات مالية دولية؛ “تمائم”/مخططات نجحت فـي توطين التنمية والدمقرطة والعدالة فـي بلدان قطعت مع الريع والـمحسوبية وتوافر لها عاملان حاسمان أسس عليهما سحنون نجاعة رقيته وتمائمه: صلاح فـي ذات القائم على صناعة التميمة، وطهارة بيئة التنزيل واستعمال التميمة/مخطط التنمية، فاستنساخ الـمبادرات لا يحقق النتائج الـمتوخاة دون توفـر الشرطين السحنونين، فتهدر الثروات والفرص.

فاللهم مُنَّ على بلداننا اللاهثة وراء سراب التنمية بسحنون بقوة وأمانة يوسفية (نسبة لسيدنا يوسف عليه السلام) يداوي أدواءنا الـمزمنة، وخلّصنا من “الـمشعوذين” الجاثمين علــى صدور العباد والبلاد.

والحمد لله رب العالـمين.