طَرَقَتِ الباب وهي تَصيحْ: يا جارة افتحي، أريد من الأجوبة الفصيح.
فهروَلْتُ إلى الباب مُسرعَة، فطريقتها كانت حقاًّ مُفزِعَة، وفتحتُ لها الباب، وطلبتُ منها الدخول ثم ننظر في أمر الجواب. فَلمَّا دخلَتْ، جلسَتْ في أقرب مكان، ثم سأَلَت: أصحيح أن العاقبة للإخوان؟؟
فأجبتُها بسؤال المندهش الحيران: أي عاقبة؟ وأي إخوان؟
فردَّتْ بثبات: قالت لي إحدى الصديقات، أنها سمعت أخريات، يتحدثن بما سمعن في إحدى القنوات، يَنقلْنَ خبرا مُخِيفاَ، ويزعمنَ أنّ القول حديثا شريفاَ، مفاده أن آخر الزمان، سيكون الحكم فيه للإخوان.
فتبسمتُ وقلتُ: إن كنت تقصدين الخلافة الراشدة، والبشارة الواعدة، فذاك وعد المصطفى العدنان.
فقامتْ وما قعدت، و بكَتْ حظَّها ونَدَبَت، وصارت تجولُ في الدار وتصول، ولم أفهم جُلّ ما كانت تَقول، اللهم بعض الوَلْوَلَةِ والحوْقلَة، وكذا الاستعاذة والبسملة، وكأنها تصرعُ الجانَّ بآي من القرآن. وأنا جالسة في مكاني أتساءل ما بها، فلم أدْرِ ما دهاني ولم أدر ما بها، وما الأمر حتى الآن. فلما سكتَت، التفتَتْ إلي ثم نطقت: إذن فأنتِ تؤكدينَ هذا الكلام، فالحكم يومئذ للإخوان. فاقترَبْتُ منها ومسكْتُ بيدها مهدئة من روعها، وتبسّمتُ قائلة لها: حتى وإن كان، ألسنا في الدين، يا حبيبتي، كلنا إخوان؟ فنفَضَتْ يدي عن يدها وقالت: أعوذ بالله من الشيطان. ألم تشاهدِي قنواتهم؟؟ ألم تسمعِي فتواتهم، وكلام هؤلاء الإِخْ_وان؟؟؟ فليس منهم إلا كفَّارٌ لعّان، فكل فَنَّانٍ عندهم فاجر، وكل معارضٍ لهم كافِر، ومن على يمينهم فسقَة، ومن على شمالهم مرتزقة، والباقون مطرودون من جنة الرحمان. فرفَعَتْ عينيها للسماء وقالت: ماهذا يا رب الأديان؟؟ أما ارتضيت لنا من خلقك غير الإخوان؟؟
ثم أردفَتْ تقولْ: أتدرين لوْ صحَّ هذا الكلام، وكان لهم ذاك المقام، فسيطبِّقون علينا أحكام الشريعة يا أخت الإيمان، شريعة الحدود والقصاص والعدوان، أجل، أجل، فقد سمعتُ هذا البيان من بعض المثقفين الأجلاء الكرام، ومن بعض أهل الإعلام، جزاهم الله عنا خيرا وجعلهم لنا سندا وذخرا، في الدنيا والأخرى، يا رب يا رحمان، فقد قالوا لنا محذّرينْ، بأنهم يقطعون أيادي السارقين، وأنتِ خير العارفين، فحينها ثُلثَي البلد سيصير بلا يدين، وسيرجمون الزناة الفاسقين، وأنت تدرين، فالعين تزني والأذن تزني وَ..وَ..وَ.. فكُلُّنا إذن زان، وسيجلدون المخمورين والمارقين، ويعاقبون كل الفاسدين وكل الخاطئين، فحدود الله لا تعطَّل لديهم مهما كان. فإن صار هذا فلن يُبْقوا على إنسان، ولن يحيى سواهم في هاته البلدان.
أما فيما يخص المرأة يا جارتي المُتَعَقِّلَة، فستصير حتما خيمة متنقِّلَة، فالخمار فرضٌ وإلاّ فأنا سافرةٌ ومُرتدَّةٌ وسافِلة، ثم نأتي الآنَ لما هو أفجع وأفظع، حق الرجل في التمتع بأربع، وطبعا فعلى الزوج أن تطيعَ وتسمع، فهذا الدّينُ وهذا ما شرَّع، وحتى إن أَتَمَّ العدَد، وأراد زيادةً في المددِ والولد، فحقه محفوظ فيما ملكت الأيْمان، ولا يجب أن نثيرَ زوبعة، فالقصد ليس شهوة أو متعة، بل هي طامة مُفزعة، إيه ورب الأكوان، فالتعدد في الأصل جاء، حماية لنا معشر النساء، فمَن لتلك العانس المسكينة؟ أولتلك المطلقة والأرملة الحزينة؟ فلولا التعدد ما كان لهن نصيب ثان. فبالله عليك أليس التكاثر أمر نبينا؟ أفيعصوه ويأتمروا بنا؟ فحاشاهم وكلا ولا حدث هذا ولا كان. ثم تعالي إلى هنا، وخبريني من نحن أساساً حتى نثير هذا الهرَج؟ ألسنا مجرد ضلع به عَوَج؟ وجسدنا عورة وصوتنا عورة ومن صفتنا النقصان في الدين والبيان، وعند الشهادة يَعْدِل الرجل امرأتان، شأنها شأن الإرث في الميزان. كل هذا وتسألينني ما الأَمْر، فما هذا إلا بعضه، وما خفي كان أدهى وأَمَر.
فإن كان هذا في حق من نطق بالشهادتين، فما جزاء من اختار غير الإسلام دينا؟؟ فالسيف حينها، يا عزيزتي، خير فقيه وأفصح لسان، وتقوم حينها حرب الأديان بين الأوطان، ويقتل الإنسان أخاه الإنسان…
أوَ تقوم حينها الساعة؟؟ ويلنا، ما هذا يا جماعة؟؟ فربما، لهذا نعتوه بآخر الأزمان؟؟
وبعدما تكلَّمَتْ من الزمن ساعَة، رفَعَتْ أكف الضراعَة، داعية بكل بلاغة وبراعَة: اللهم إنا نحمدك على التلفاز والإذاعة، فلولاهما ما كشفنا هؤلاء المكارة الخدَّاعة، تجار الدين، فيا رب قد اتخذوا من دينك بضاعة، وهل يصح أن يكون لك في الأرض باعة؟؟ فاللهم بين لنا فيهم العلامة والحجة والبرهان، الآن الآن الآن، وانصر باقي عبادك المسلمين في كل مكان، خصوصا منهم الإعلاميين وكل من ساهم معهم في نشر الدين، من علمونا أن المرء لا يوزن باللحية ولا بالقبقاب، ولا بالخمار ولا بالجلباب، وحتى الأخلاق والصلاة ليست بميزان، ولو كنتَ لصا أو سكيرا أو زانيا لا عليك، مادام لك قلب إنسان، ولكن إياك ثم إياك أن يكون لك قلب مثل قلب الإخوان. فاللهم آمين.
فلما انتهتْ من الندب والشجب، والثورة و الهيجان، قلتُ لها: يا جارة الحي، يا من أوصى بك النبي، ولو كنت في سابع مكان، فلو كان الأمر كما يدّعي الإعلام ويقول، وكان حقا حكم الإخوان حكم المَغُول، فلا أعادَ الله علينا حكم الإخوان.
فأمّنتْ ثم سألتْ: وهل كان المغول أيضا من الإخوان؟؟ يا لطيف، فما كان هذا في الحسبان.
فقلت وبالقلب حرقة ونار: أتدرين ماذا قال يوما أحد الأحرار، وقد أسلم بعدما كان من “الكفار”: نحن لسنا بالكفار، بل إننا مسلمون بالانتظار. ينتظرون من يبلغ لهم رسالة الإنسان، يبلغ لهم الإسلام وجمال الإسلام ورحمة الإسلام، وهذا طبعا سيلزمه وقت من الزمنْ فلن أؤاخذك بما تقولين الآن، ففي الأمر شركاء متشاكسون، مزيج ما بين إرث التاريخ الذي ينيخ الركاب، و طوق مكر الأعداء بالرقاب، وزلات بعض الإخوان تزيد من الصعاب، فلم ترجح بعد كفة الميزان، وعندما ينكسر القيد، وتتحرر إرادة الفرد، حينها كل منا حر في اختياره، بعدما حُرِّرَ من اضطرارِه، فمضطرٌّ وحرٌّ لا يستويان، فلا تعْجَلِي وتُصدري أحكاما الآن، فاختيار الإنسان الحر، قد يصدمنا في كثير من الأحيان.
ثم ما ظنك ببشارة العدنان؟ فلن تكون إلا على ما كان، إذ بعد النبوة الرحمة والخلافة الراشدة انكسار يعلوه العض الغدار والجبر المكار، تأتي الخلافة الثانية المرضية ستملأ الأرض عدلا بعد جور، وحقا بعد زور، ويرضى بها أهل السماء والأرض، ويفتح الله بها بركات الوجود حتى يرضى كل موجود.