في الجلسة الخامسة تدارس الباحثون والحاضرون موضوعا هاما هو “نظرية المنهاج النبوي: مفاهيم وقضايا”، عرض فيها المتدخلون قراءاتهم لما عرضه الأستاذ عبد السلام ياسين في قضايا ومفاهيم عديدة ومتكاملة ضمن نسق نظريته التغييرية المنهاجية النبوية.
أول مداخلة تطرق فيها الباحث السعيد المعتز بالله من جامعة القاهرة بمصر لـ”توظيف النص القرآني في نظرية المنهاج النبوي”، واعتبر نظرية المنهاج النبوي نظرية تربوية حياتية تروم تربية الأفراد وإحياء الأمة، كما ألمح إلى خاصية الشمولية التي يتميز بها المنهاج النبوي من خلال آرائه ونظراته واقتراحاته في التربية والسياسة والمعرفة والاقتصاد، وأشار إلى فكرة التوازن التي ميزت رؤية الرجل في إدارة العلاقة بين العديد من الثنائيات الفكرية والعملية.
ومن خلال بحثه “مفهوم الفقه الجامع في فكر الأستاذ ياسين” قال الدكتور جمعة محمود الزريقي، مستشار المحكمة العليا بطرابلس في ليبيا والمتخصص في القانون المقارن والفقه الإسلامي، وجدت نظريته تعتمد على قراءة معمقة لمجموع التاريخ الإسلامي، وتقسيمه للفقه ولمسيرة الفقه تنسجم مع التقسيم التاريخي الذي تحدث عنه النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث الخلافة. وهذا الفقه يطرح كيفية الاستفادة من التراث الفقهي، ويطرح الرجل فكرة الاجتهاد الجماعي وهو ما تدعو له الآن المجامع الفقهية، ويرسخ قيمة قبول الاختلاف والرأي المخالف وعدم التعصب للرأي الواحد. كما تطرق لقراءة الأستاذ ياسين للتاريخ ولـ”الانحراف الخطير” الذي انقلب بموجبه الحكم من خلافة راشدة إلى ملك عضوض فجبري.
في المداخلة الثالثة تطرق الدكتور مصطفى شكري، الباحث في الفكر الإسلامي والأدب من المغرب، لـ”مفهوم العلم ووظيفة العالم في نظرية المنهاج النبوي”، وميز الباحث في طرح الرجل بين العلم وهو العلم بالله والخشية بالله، فالعلم نور يقذفه الله تعالى في قلب من يشاء، وبين العلوم التي أنتجها العقل ووصلت إليها البشرية والذي يلزم الاستفادة منها ما وافقت الشرع. كما عرض للتربية الإيمانية ومركزيتها وأولويتها في نظرية المنهاج النبوي، والتي لا تتحقق إلا بالصحبة الصالحة الدالة على الله وسط جماعة المؤمنين الصادقين. وخلص إلى ما اعتبره صلب البحث وهو “علم المنهاج النبوي” وهو علم تجديد الإيمان وعلم كيفية التغيير وعلم كيفيات تربية جند الله وتنظيمهم والسير بهم نحو التغيير.
الدكتور أحمد بوعود أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي من المغرب طرح أهم أفكاره الواردة في بحث “القرآن والعقل في نظرية المنهاج النبوي”، واعتبر أن العلاقة بين العقل والنقل قضية قديمة لكنها طرحت اليوم في زمن العقلانية حيث لا حكم إلا للعقل، وألمح إلى تأثر البعض بهذه الهيمنة، وقدم تعريف وتوصيف العقل والقرآن، وأبرز أصول العقلانية وكيف استوردها المسلمون، ووصل إلى أهم إشكال يطرح وهو سؤال العلاقة بين العقل والقرآن، ليعرض أهم خلاصاته ومنها أن: القرآن هو الفرقان والبرهان والإحسان، والأستاذ ياسين يفرق بين العقل المعاشي المشترك والعقل المؤمن المتتلمذ للوحي وهنا يدعو الرجل إلى الجمع بينهما معا، وطرح رؤية المنهاج النبوي للعقلانية العلمية التجريبية التي تقبلها والعقلانية الائيكية المعادية للدين والغيب والتي ترفضها وتحذر منها.
وتحت عنوان “العقل والوحي في نظرية المنهاج النبوي” تطرق الأستاذ أحمد الفراك، باحث في الفلسفة في جامعة السلطان المولى سليمان – المغرب، لمجموعة من الأفكار التي عرضها الأستاذ ياسين، منها أن القرآن الكريم هو المصدر المطلق في بناء المعرفة واتخاذ المواقف والآراء، واعتبر أن نظرية المنهاج النبوي استمدت أساسها وصلبها من القرآن الكريم باعتباره مصدرا مطلقا، وألمح إلى أن القرآن يحرر الإنسان من العقلانية الملحدة ومن الاجتهادات التاريخية المنحرفة. ورأى أن الأستاذ عبد السلام ياسين يشدد على أن العقل والوحي لا يتعارضان، وشدد الباحث في الأخير على أن الرجل يؤكد على حاجة العقل للمنهاج النبوي.
من جهته الدكتور حامد أشرف همداني الأستاذ بجامعة بنجاب في باكستان، والذي قدم بحث “القرآن الكريم مصدر المعرفة عند الأستاذ عبد السلام ياسين”، رأى أن الأستاذ عبد السلام ياسين حمل القرآن باعتباره السلاح الأوحد لإمكانية مواجهة التحدي الحضاري للأمة، واعتبر أن الأستاذ ياسين يعتمد على القرآن الكريم باعتباره المرجعية العظمى، وتأكيدا لذلك ألمح إلى استعماله للمصطلحات الأصيلة كالعمران بدل الحضارة والقومة بدل الثورة، كما أشار إلى تحكيمه للقرآن في كل القضايا. وشدد على أن الرجل يعتبر أن المعرفة الكبرى هي الوصول إلى الله ومحبته والتعلق به سبحانه وتعالى وهي المعرفة الإيمانية، ومن جميل احتفائه بالقرآن كثرة اقتباسه من الذكر الحكيم في كل كتاباته، وشدد ختاما على أن الأستاذ عبد السلام ياسين رجل قرآني.
بعدها تحدث الأستاذ محمد ياسين العشاب الباحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية بطنجة- المغرب عن “التأصيل المنهاجي لاقتحام العقبة”، وتطرق لمفهوم اقتحام العقبة عند الأستاذ ياسين ورأى أن له بعدين إحساني سلوكي وعدلي جهادي، وقدم العقبات التي يلزم أن تقتحم وهي الأنانيات الفردية والذهنية الرعوية والعادات الجارفة، وأكد على أن لاقتحام العقبة منهاج غايته تحقيق التزكية وإحياء الأمة، ورأى أن الخصال العشر وشعبها التي وضعها الرجل هي المنهاج النبوي لاقتحام العقبة عروجا عبر هذه الخصال وصولا إلى خصلة الجهاد التي يندرج فيها التربوي بالعمراني…
وتحت عنوان “محورية النص القرآني في الاستدلال على مسائل العلم في المنهاج النبوي” تطرق الدكتور عبد الرزاق لكريط الأستاذ في جامعة سيدي محمد بن عبد الله من المغرب، واعتبر أن أهمية الموضوع تتجلى في “طرحه للأبعاد العميقة للمشروع الفكري الإسلامي لعبد السلام ياسين، الكفيل بإخراج الأمة الإسلامية من هذيان الجاهلية ونظرياتها الإيديولوجية، لأن انطلاق التفكير العلمي من إطار المفهوم الإيماني يجعل الطريق مفتوحا دائما أمام تجدد المناهج العلمية وتطورها، كما أنه يضفي على النفس الاطمئنان والثقة اللازمين لمواصلة البحث والتأمل وينقذ العلماء من التخبط في التيه بلا دليل ولا برهان. كما أن للموضوع أهمية فكرية تحمل قيمة مضافة للتراث الإسلامي، من خلال نظرية فكرية إيمانية تقدم أجوبة دقيقة عن إشكالات الأمة الإسلامية في العصر الراهن…”.