هل ينتصر منطق التوافق على منطق التصامم والتنازع في العلاقة بين التيارين الديمقراطيين 1 اليساري والإسلامي بالمغرب؟ 2
يعكس تصديرنا لهذا المقال بسؤالنا هذا، تأكيدا على أن هذه العلاقة بين التيارين الديمقراطيين اليساري والإسلامي بالمغرب تعرف تأرجحا بين نزوح نحو مسار توافقي حينا وبين نزوح نحو مسار تنازعي حينا آخر، وأن هذا النزوح كلما كان توافقيا كلما أثمر نتائج على مستوى تعزيز صف النضال من أجل الحرية والكرامة، وقد نلمس هذا الأمر جليا ولو في معارك نضالية جزئية من مثيل المطالبة بإطلاق سراح معتقلين سياسيين أو معتقلي الرأي (لجان التضامن)، أو من أجل التنديد بقرار مجهز على الكرامة والحرية (قضية دانيال)، أو في قضايا الأمة، أو في المجال الحقوقي (الائتلاف الحقوقي الواسع). إلا أن هذه العلاقة النضالية لم ترتق إلى المنشود وهو الوصول إلى توافق سياسي تاريخي يثمر قطبا نضاليا وسياسيا وديمقراطيا ممانعا يقود معركة تحرير الإرادة الشعبية والحرية والكرامة.
فهل ثمة إمكانية للوصول إلى هذا المنشود؟ وماهي عقباته؟ ولماذا لم تتطور هذه العلاقة خصوصا مع إطلاق شرارة تظاهرات الحراك العشريني نحو بلوغ هذا التكتل التاريخي؟ هل للاختلاف الفكري المستعصي على إيجاد أرضية حوار مثمر في الآفاق والتطلعات النضالية؟ هل للاختلاف في الأسقف النضالية؟ هل للأحكام المسبقة المسجلة بين الأطراف، بعضها ضد بعض، في غياب تفعيل قنوات للتواصل الفكري والسياسي؟ سنحاول الوقوف على هذه الأسئلة تشخيصا لواقع هذه العلاقة واستخلاصا لخلاصات تأسيسية لاستشراف واعد لعلاقة تكتلية ونضالية مثمرة وإيجابية لمعركة الإصلاح الديمقراطي.
أولا: في تشخيص العلاقة الراهنة بين التيار اليساري والتيار الإسلامي بالمغرب
عرفت هذه العلاقة راهنا مدا وجزرا من حيث درجة تقاربها أو تباعدها ويمكن الوقوف عند المحطات التالية:
– أثناء انطلاق الحراك العشريني حصل نوع من التوافق الموضوعي بين الأطراف الداعمة للحراك الشعبي العشريني حول المطالب التي أعلنت عنها حركة 20 فبراير، وهي مطالب تمكنت أن تجمع كل القوى المناضلة حولها إسلاميين ويساريين.
– تطور هذا التوافق الموضوعي إلى توافق مؤسساتي لتدبير ودعم هذا الحراك متمثل في تأسيس المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير.
– سرعان ما سيعرف انكسارا بفعل تعدد المبادرات التي تسعى إلى تجميع المشترك وهذا التعدد أضر فعليا بتوحيد الجهود نحو توافق سياسي وكتلوي يزخم الحراك ويبوتق المجهودات في إطار جامع، هكذا سنشهد مبادرة الائتلاف المغربي من أجل ملكية برلمانية، وبيان التغيير الذي نريد وكلها مبادرات انتهت إلى الإعاقة ولم تستطع تحقيق المراد التكتلي المنشود.
– وفي تقديري كان بإمكان مبادرة مثل المجلس الوطني للدعم أن تتطور في الأفق وفي المهام لتصبح نواة أساسية لقطب تاريخي وديمقراطي ممانع المنشود في مرحلة الحراك.
– مما جعلها تكتفي بمهمة التنسيق الميداني دون توسيعه إلى مستوى تفعيل آلية الحوار لنقاش الآفاق ولتجسير الطريق نحو انبثاق تكتل سياسي ممانع بتفاهمات تاريخية لتدبير مرحلة الحراك ومابعد الحراك، في خلاصة توقف الوعي التكتلي عند مستوى التدبير الميداني واليومي للحراك السياسي والاجتماعي دون أن يتطور إلى تدبير استراتيجي.
– وستعرف حتى مبادرة مأسسة التنسيق الميداني للحراك انحصارا في الفعل النضالي الزاخم بعد انسحاب إحدى مكوناته الأساسية.
– ثم ليستكمل المسلسل التراجعي بتصاعد الخلافات الثانوية إلى الواجهة سواء في الإعلاء من شأن بعض القضايا (قضايا الحريات الفردية) على حساب قضايا الإصلاحات الدستورية ومحاربة الفساد العمومي ومحاسبة المفسدين والجلادين وناهبي المال العام.
– ولتصطبغ هذه الحركية النضالية بعدها بلون إيديولوجي واحد بل وبلون سياسي واحد.
– وستعرف العلاقة بين القوى اليسارية والإسلامية المناضلة والمدعمة للحراك السياسي والاجتماعي توترا إضافيا بفعل المواقف المتباينة مما جرى في مصر وتصفيق جزء من اليسار للانقلاب على الشرعية الديمقراطية التي أسهم فيها الكل (الانتخابات الرئاسية والنيابية)، بل وصمته عن مجازر الانقلاب العسكري بمصر، لتظهر في الواجهة أسئلة مرتبطة حتى بمدى اقتناع هذا الجزء من اليسار بديمقراطية صناديق الاقتراع وما تفرزه من نتائج في ظل انتخابات نزيهة وحرة وديمقراطية كالتي شهدتها مصر بعد ثورة 25 يناير.
– هذه المواقف المتباينة كانت أيضا في تفاعل مع ما يجري في تونس ومسلسل الاغتيالات التي طالت بعض المعارضين اليساريين، إلا أن الأمر في تونس نحى منحى إيجابيا بفعل التدبير الناضج للنخبة السياسية هناك للمرحلة وميلهم نحو التوافق عوض التنازع وإشعال فتيل الفتنة بين الفرقاء السياسيين.
على قاعدة التذكير بهذه المحطات نستطيع أن نقف على أهم المعيقات التي تحول دون تجسير علاقات إيجابية ونضالية مشتركة بين هذه القوى الحية وهي في تقديرينا كالتالي:
1- غياب التواصل مما يؤسس مصاحبة أحكام قيمة غير علمية ولا موضوعية على الأطراف بعضها ببعض.
2- رهان بعض الأطراف على الاصطفاف الإيديولوجي بدلا من الاصطفاف الديمقراطي الممانع.
3- اختلاف في آفاق النضال وسقفه بين من يؤكد على ضرورة تسقيفه سياسيا وبين من يريده مفتوحا.
4- الإعلاء من شأن بعض المطالب النضالية الذاتية لأطراف معينة والإصرار على وضعها ضمن قائمة المطالب الكبرى المرتبطة بالتناقض الرئيس المتمثل في مركب الاستبداد والفساد والتبعية.
يقودنا هذا التشخيص إلى تكثيف الأسئلة الجوهرية التي فرضتها المرحلة لاستشراف علاقة إيجابية بين تيارين عريضين في المجتمع ونجملها في التالي:
ماهي الديمقراطية التي نريد؟ هل هي ديمقراطية صناديق الاقتراع؟ أم ديمقراطية التوافق المجتمعي القبلي؟ أم هما معا؟ ما طبيعة الدولة التي نريد؟ وما هو شكل النظام المنشود؟ كيف نتصور الدستور الديمقراطي؟ هل يمكن أن نتغاضى عن دمقرطة شكل صياغته لصالح دمقرطة مضمونه؟ وما هو الشكل الأنسب لدمقرطته شكلا؟ هل هو المجلس التأسيسي أم الحوار الوطني أم هما معا؟ هل للدين مكانة في تصورنا لقضايا الشأن العام؟ وما هي نسبة حضور الدين في هذه القضايا؟ وما هو تصورنا لهذا الدين الذي ينبغي أن يحضر بنسبة معينة في قضايا السياسة والشأن العام؟ أين يتجلى الخطر الحقيقي للتحول الديمقراطي؟ هل في معيق الاستبداد أم في قوى قد يعتبرها البعض معادية للديمقراطية؟ هل النضال من خلال سياق الحراك السياسي والاجتماعي شرط كاف للنضال الديمقراطي الراشد؟ وهل النضال من داخل النسق السياسي شرط كاف للنضال الديمقراطي الراشد؟ أم إن المزاوجة بينهما هو الشرط الأساسي والكافي لتفعيل استراتيجية النضال الديمقراطي الراشد؟
أسئلة قد تكون فرشا لنقاش الآفاق وكل أملنا أن نواجه الأسئلة الصحيحة قبل أن نبحث عن الأجوبة الصحيحة.
[2] المداخلة المكتوبة التي كنت سأشارك بها في ندوة مركز ابن رشد حول العلاقة بين الإسلاميين واليسار أية آفاق يوم الأحد 06 أبريل 2014، وتعذرت مشاركتي لأسباب تقنية مرتبطة بمنظمي هذه الندوة.\