محمد القاديري
همسة في أذن كل أب وكل أم..
هل علمت أن ابنك / بنتك لم يعد ذاك الطفل الصغير المذلل، الذي يبكي بين يديك إن خاف أو تضايق أو انفعل لأمر ما ألم به؛ ذاك الطفل الصغير الذي إن أمرته لا يردد في طاعتك سواء اقتنع أم ضجر؛ تقسو عليه أحيانا فلا تنتظر منه إلا الاستسلام ولا تتوقع منه أي رد فعل تجاهك، إنه الأن لم يعد طفلا وعلامات ذلك لا تخفى عليك، إنه في جسر خطير من جسور حياته سيمر منه إلى الرشد والبلوغ والرجولة، إنه في أصعب مراحل حياته البيولوجية والنفسية، فهل وعيت وفهمت خصائص مرحلة ابنك/ ابنتك، واستوعبت متغيراتها النفسية والانفعالية. والأهم من مجرد الفهم والاستيعاب؛ هل سايرت بمعاملتك له مرحلته العمرية وعاملته بما تقتضيه من رفق وتؤدة وصبر؛ لكيلا تزيده حملا إلى أحمال وضغطا إلى ضغوط.
فمعظم معيقات التواصل بين الآباء وأبنائهم المراهقين، ترجع إلى عدم إدراك الآباء أن أبناءهم لم يعدوا أطفالا، فيستمرون في معاملتهم كأطفال بعنف وقسوة، إما لعدم فهمهم خصائص المراهق، أو لضعف خبراتهم التربوية، فيعطون الأوامر بالشدة والعنف في غياب تام للحوار المقنع.
من هو المراهق؟
ترجع كلمة “المراهقة” إلى الفعل العربي “راهَق” الذي يَعني: الاقتراب من الشيء، فراهَق الغلام فهو مُراهِق؛ أي: قارَب الاحتلام، ورَهقْت الشيء رهقًا؛ أي: قَرُبْت منه، والمعنى هنا يشير إلى الاقتراب من النُّضج والرشد والبلوغ وليس الوصول إليه؛ قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: “الراء والهاء والقاف أصلان متقاربان، فأحدهما: غَشَيان الشيء الشيءَ، والآخر العجلة والتأخير؛ فأمَّا الأول، فقولهم رهَقه الأمر: غَشِيه… قال جل ثناؤه: وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ 1
وراهق الغلام فهو مراهق، إذا قارب الحلم ويقال غلام راھق. كما قال بان منظور في لسان العرب.
وفي اصطلاح علماء النفس النمو وعلماء التربية لها تعاريف تكاد تكون متقاربة مع اختلافات بسيطة في الصيغ والعبارات ويبقى المضمون واحد: اخترت منها تعريف الدكتور أكرم رضا (المراهقة هيِ الاقترّاب من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي”، ثم أورد ملاحظة هامة وهي أن النمو لا ينتقل من مرحلة إلى مرحلة فجأة، ولكنه نمو تدريجي، وأَّنه ليس بلوغ الفتى أو بدء مراهقته تعني أنه يمكن الاعتماد عليه ومحاسبته كرجل) 2
فالمراهقة إذن مرحلة من المراحل العمرية التي يمر بها جميع الأطفال، وهي تقع بين مرحلة الطفولة ومرحلة الشباب، لذلك نرى الأطفال فيها يتصفون بصفات من المرحلتين. لكن تتميز هذه المرحلة بصعوبة التعامل مع المراهق، نظراً للتغيرات النفسية والجسمية التي تطرأ عليه، حيث يكون قد اقترب من النضج النفسي، والعقلي، والاجتماعي، والجسمي، لكنّه لم يصل إليه. حيث تطرأ مظاهر المراهقة على الشاب بالتدريج، فلا ينتقل من الطفولة إلى مرحلة المراهقة بين ليلة وضحاها. وأغلب الخطأ الذي يقع فيه معظم الآباء والأمهات ينجم عن عدم استيعاب دقة المرحلة، فمنهم من يعامل المراهق معاملة الأطفال، فيواجهه بالعصبية والرفض والتحدي والعناد لإثبات الذات وتحقيق الاستقلالية، ومن الآباء من يستعجل فيعامل المراهق معاملة الرجال والبالغين فيطالبه بالنضج الكامل في السلوك والمواقف.
أدبهم لسبع وحاورهم مدى الحياة..
يعد الحوار من المهارات المهمة في العلاقات الإنسانية عموما وفي فنون التربية والعلاقات الأسرية بالتحديد، التي ينبغي على الوالدين والمربين العمل على اكتسابها والحرص عليها؛ لأنها مفتاح التعامل الإيجابي مع الشباب والمراهقين، وهي أساس بناء علاقات جيدة مفعمة بالود والتقدير معهم، إذ التعامل مع المراهق يحتاج الكثير من الصبر والحلم والتؤدة، متى تم الضغط عليه لإقناعه وتعديل سلوكه، سيقاوم بشدة، وسيشعر بالغضب والانفعال، مما يعكر صفو العلاقة به؛ لذلك كان تعلم الحوار والعمل به أمرا حتميا لا مناص منه في التعامل معه.
للأسف الشديد معظم الآباء والأمهات إما لغفلة، أو لعدم تقدير، أو لضعف في خبراتهم التربوية، يعطي الأوامر لأولاده باستمرار وهي غير قابلة للنقاش: لا يحاور، لا ينصت، لا يراجع مواقفه ولو كانت مجانبة للصواب. والحقيقة لو علم الأب أو الأم قيمة الحوار مع الأبناء؛ لوجدوا أن المربي الناجح ليس الذي يأمر ليطاع، بل الذي يُقنع ليحب، إنك إن أقنعت أولادك بشيء، تبنوا طول حياتهم، وطبقوه نصاً وروحاً، أما إذا أمليته عليهم أمرا، وكنت قاسياً عليهم، طبقوه شكلاً فقط في وجودك، هذا أن كان عندهم نصيب من الاحترام لك، فإن لم يكن واجهوه بالرفض والعناد واللامبالاة.
يؤكد الدكتور عمرو علي أبو خليل -أخصائي الطب النفسي-: أن مفتاح التعامل مع سن المراهق هو الحوار والتفاهم فيقول: يجب أن تعلم أن ابنك البالغ من العمر (14) عاماً، لم يصبح هذا الطفل الذي كنت تتعامل معه بالأمس، وأنه في مرحلة جديدة، يريد فيها أن يثبت أنه بات رجلاً، وأن يعبر عن نفسه، وهو عندما يرفع صوته فإنما يريد أن يقول: ها أنذا. لذا فإنه من الأفضل أن تقدم له الطريق الطبيعي لإثبات ذاته، من غير أن تضطره لرفع صوته؛ فتشعره أنك تحترم رأيه، وتقدر ذاته، بأن تأخذ رأيه في كل ما يخصه، وتجعله يشعر من خلال الحوار أنه هو صاحب القرار، وأنه إذا كان هناك رأي يخصه، فنقدمه على رأينا، حتى ولو كان رأينا هو الأفضل، حيث يشعره ذلك بالثقة في نفسه، وبأننا نحترمه ونقدره، ولا نفرض رأينا عليه.
لذلك يجب علينا نحن الآباء والأمهات أن نخصص وقتا ولو في زحام انشغالاتنا اليومية للجلوس مع أبنائنا لنعيد لأسرنا لمتها ودفأها، فالوقت الذي نجلس فيه مع أولادنا وقت ثمين نتقرب به إلى الله، وقت نستثمره لمستقبلنا ومستقبلهم، وقت نتحاور فيه معهم في شؤونهم وشؤون الحياة عموما وذلك أدعى لتوطيد العلاقات معهم.
لماذا نتحاور مع أبنائنا المراهقين؟؟
– من أجل التقارب منه والتعارف على حاجاته النفسية والعاطفية وبناء علاقة ودية معه.
– بالحوار سنشرك الابن في التعليق على الأحداث المتفاعلة حوله؛ أسرية كانت أو اجتماعية أو سياسية؛ مما يجعله يتقبل نفسه ويقدر ذاته ويحب الآخرين ويحترمهم بدرجة كبيرة ومعقولة.
– لإشراكه في الوصول إلى حل مناسب لما يعترضه من مشكلات قد لا يتمكن من حلها لوحده، دون أن نملي عليه حلولا جاهزة.
– لإقناعه بتبني اتجاهات فكرية معتدلة وقناعات فكرية معينة، أو تصحيح المفاهيم الخطأ.
– حتى نخفف من آثار ما يعانيه من الضغوطات النفسية المصاحبة عادة لمرحلته العمرية.
– لتزويده بالمعلومات والمعارف والمهارات الحياتية التي يحتاجها.
– لنساعده في إنضاج آرائه، وتوسيع مداركه.
– من أجل المساهمة معه في تعديل سلوك معين، أو التحلي بفضيلة من الفضائل الأخلاقية.
– من أجل غرس قيم الخير والفضيلة في قلبه.
– عموما لأن الحوار يدرِّب الابن على مواجهة ضغوط الحياة اليومية واكراهاتها.
كن ايجابا في حوارك مع ابنك المراهق..
الحوار الإيجابي يقتضي أن تصغي لابنك جيدا، وتستمع وتنصت أكثر مما تتكلم.
الحوار الإيجابي يعني أن تعطي ابنك فرصة لإبداء آرائه وإن خالفت وجهة نظرك.
الحوار الإيجابي يعني أن تستخدم لغة المدح والتشجيع والثناء، وتجنب لغة اللوم والتأنيب والعتاب.
الحوار الإيجابي يعني أن تستخدم قواعد التحفيز والدعم لأي سلوك إيجابي مهما كان بسيطا، والتغاضي والتغافل عن الزلات والهفوات.
الحوار الإيجابي يعني التركيز على القضية موضوع الحوار، والتعبير عما يشعر به الأب أو الأم بوضوح.
كن لابنك حامل مسك لا نافخ كير..
امتلاك مهارة الحوار مع ابنك المراهق ممكن جدا بخطوات بسيطة متى تم الحرص عليها:
– عليك بالرفق وإياك والعنف؛ لأنه يولد عنفا مضادا ويؤدي إلى الابتعاد والتنافر، وتنمية الاتجاه العدواني لدى المراهق، والحقد على المجتمع.
– تجنب العنف وأساليب العقاب؛ لأنه قد يجر المراهق إلى الخوف الشديد والإحساس بالغربة عاطفيا وعقليا وإن كان قريبا منك جسديا.
– اللوم المستمر أثناء الحوار: يجعله يحس أنه متهم؛ مما يدفعه إلى العناد والعدوانية ويتحاشى الحوار.
– احترامك له وتقديره ينمي لديه الشعور بالاحترام: احترامه لذاته، واحترامه لمن يقف أمامه.
– ابتعد ثم ابتعد ثم ابتعد عن المقارنة بينه وبين غيره من إخوته وأقرانه.
– اجعل هدفك في محاورته تغيير السلوك، وليس تغيير الشخصية مع الكثير من المرونة في ذلك، ولا تكن قاضيا يصدر الأحكام ولا واعظا يلقي دروسا.
– صاحبه وصادقه وانقل مشاعرك الطيبة نحوه، ولا تتحدث عن نفسك كثيرا، بل حدثه عن نفسه هو وانفعالاته، وامنحه الفرصة ليتحدث عنها.
– احترم أسلوب المراهق في التفكير؛ ولا تنتظر أن يكون نسخة طبق الأصل منك سلوكا وتفكيرا، لأن ذلك يسهل عليك مهمة الإقناع، ولا تطرح الأسئلة الكثيرة المتتالية، حتى لا يتخيل المراهق أنه يجلس أمام شرطي محقق، وليس أمام أب حنون وأم رؤوف.
– تكلم معه بأطيب الكلمات وتجنب الأقوال السلبية، التي اعتاد كثير من الآباء والأمهات قولها وتهوي في النفوس كالصواعق المدمرة مثل: (لن يمكنك فعل ذلك أبدًا) أو (تعلم من أخيك فهو خير منك) أو (لا أجد حلًا معك)، (أنت ميؤوس منك) هلا قلت بدلا منها: (أنا واثق في قدرتك على ذلك) أو (أنا فخور بك) أو (يدهشني ذكاؤك).
– حافظ على التواصل البصري (انظر في عينيه وابتسم) والتعبيرات الودية (اللمسة الحانية) والكلمة الطيبة أثناء الحديث.
ختاما
الدعاء مخ العبادة وصلب التربية
مما يعين على تربية الأبناء: وحسن صلاحهم؛ كثرة الدعاء لهم بالهداية والصلاح والتوفيق، وهذا دأب الأنبياء، فهم أكثر الناس دعاء لصلاح أبنائهم مع أنهم أفضل الخلق قدوة وعلماً وأخلاقاً، فهذا إبراهيم الخليل عليه السلام يقول: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ 3 ويقول: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ 4 ويقول وإسماعيل عليهما السلام: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ 5
وهذا نبي الله زكريا عليه السلام يقول الرب جلّ وعلا في شأنه: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ 6
وقد وصف الله تعإلى المؤمنين: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاما 7
الدعاء دليل الحرص على الاهتمام وتمام الرعاية، وإن دعوة الوالدين لأبنائهم دعوة مستجابة، قال عليه الصلاة والسلام: (ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ) 8. فعلى الوالد ألا يحرم ولده هذا الفضل وأن يمنحه كل دعوة صالحة تكون سبباً في هدايته واستقامته، ومن باب أولى ألا يدعو عليه بالسوء ولو مزاحا، فإن دعوته مستجابة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.