من آفات النضال عندنا اندفاع بعض المناضلين السهل والسريع نحو تخوين إخوانهم ورفاقهم في النضال من دون رَويّة ولا تبصر، حيث يكفي أن تضيق حويصلة أحدهم عن استيعاب المسارات المخالفة والممكنة حتى يُشهِر سيف التخوين والعداوة في وجه مخالفيه.
إنّ الخط النضالي ليس أطروحة جامدة في عقول أصحابها، بل هو اجتهاد قابل للتغيير باستمرار. وإذا كانت المبادئ الكبرى الرافضة للاستبداد وللفساد شرطا لازما لا جدال حوله في الخط النضالي، فإن الآليات والأساليب قد تتغير مع تنوع وتراكم التجارب، ومع اختلاف وعي الأفراد الشخصي. فلا نستغرب حدوث تغيير على هذا المستوى، ونؤوله بالضرورة خيانة ونكوصا.
نعم، على الجبهة النضالية ألا تقف متبلدة أمام ما يحاك حولها من دسائس، وأن تكون فطنةً لكل إمكانيات الاختراق، يقظةً لمحاولات تمييع وتحريف بوصلة مناضليها عبر توظيف أصوات داخلية جبنت وانتكست وباعت ضميرها للمفسدين، لكن، هل يبرر لنا هذا الحذر المشروع – بل الواجب – رمي كل من اختلفنا معه بالخيانة والنكوص؟!
إن جبهة المناضلين في حاجة إلى كل فرد حر غيور على بلده، وإلى كل صاحب ضمير حي، وهي في حاجة أيضا إلى تمتين روابطها الداخلية، ولن يتأتى لها ذلك إلا بسريان ثقافة قبول الاختلاف بين صفوفها، وتفهم الأعذار المشروعة، وعدم الدخول في معارك خاطئة، وفي تطاحن داخلي يُفني بعضها بعضا.
أحيانا يُخطئ المناضل التقدير، أو نخطئ نحن التقييم، فلا نتسرع في إصدار الأحكام، وإذا اقتضى الأمر توجيها فليكن بالأسلوب الملائم، ولا نطلق ألسنتنا في التخوين حتى يتبيّن لنا بما لا شك فيه أنه كذلك، وبأنه ليس مجرّد ظنٍّ جعله ضَيْق أفقنا وقلة اتساع صدرنا خيانةً ثابتة وغدرا بيّنًا. ثم لا يكون فضحنا لمن خان وانتكس إلا بمقدار ما يلزم لاتقاء شره.
إنّ مهمة جمع الكلمة وتوحيد الجهود مع تنقية جبهة المناضلين من الشوائب ليس بالمهمة السهلة التي يحسنها الجميع، إذ تتطلب عزيمة صارمة على الالتزام بالمبادئ، مع نظرة وخبرة واسعتين قادرتين على التمييز بين الصديق المخالف (أو الصديق المخطئ أو الصديق المقصر..) وبين العدو الخائن.