في حوار مع البوابة.. ذ. ياسين: مشروع قانون الإضراب يتسم بعدم التوازن ويغلب عليه هاجس التحكم

Cover Image for في حوار مع البوابة.. ذ. ياسين: مشروع قانون الإضراب يتسم بعدم التوازن ويغلب عليه هاجس التحكم
نشر بتاريخ

أعاد الأستاذ هشام ياسين، عضو المكتب الوطني للقطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان تأكيد موقف القطاع من مشروع القانون التنظيمي لممارسة الإضراب 97.15، القاضي برفضه التام منهجية وشكلا ومضمونا، وبسحبه من البرلمان، وإعادته إلى طاولة الحوار الاجتماعي لصياغته بمنهجية تشاركية، تضمن حماية حقوق الشغيلة وحرياتها النقابية.

الأستاذ ياسين، كشف، في حوار أجرته معه بوابة العدل والإحسان استيضاحا لموقف القطاع من مشروع القانون، أن تصور القطاع النقابي للجماعة يتجاوز منطق الصراع المنتصر للمصلحة الخاصة إلى منطق التعاون لتحقيق المصلحة العامة لكل الأطراف، لكنه يصطف ويساند الشغيلة المغربية التي يعتبرها الطرف المستضعف، نظرا لاختلال موازين القوى وغياب دور الدولة الحامية.

فيما يلي نص الحوار:


صادق المجلس الوزاري سنة 2016 على مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، وأحيل حينها على مجلس النواب وبقي منذئذ دون مناقشة، وفي الحوار الاجتماعي الأخير المنعقد في أبريل 2024 تم الاتفاق على التفاوض حوله، وهو اليوم محط جدل بين الحكومة والنقابات. فكيف تفاعلت النقابات مع تجديد محاولة تنزيل هذا المشروع؟

أولا نشكركم في بوابة العدل والإحسان على اهتمامكم بالموضوع، وإتاحتنا فرصة بسط ملاحظاتنا وتقييمنا لمشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب. وجوابا على سؤالكم، فقد خلف هذا المشروع ردود أفعال مختلفة، حيث اعتبرته بعض النقابات مشروعا مرفوضا، وعبرت عن ضرورة سحبه من البرلمان باعتباره يتعارض مع حقوق الشغيلة وينتهكها، ومن النقابات من ظلت تصريحاتها تتدحرج بين مسايرة تصور الحكومة لهذا المشروع، ولا تريد في نفس الوقت أن تتورط في قبول نص تراجعي بخصوص هذه الحقوق، ومنها من ترفض بالأساس النقاش حول تنظيم الإضراب على أرضية هذا المشروع، وتعتبر أن هناك ما يكفي من نصوص تنظيمية وتشريعية لتنظيم ممارسة الشغيلة المغربية للحق في الإضراب.

في هذا السياق، عقد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عدة جلسات إنصات لمختلف الأطراف المعنية بشأن هذا المشروع، وخلص إلى ضرورة مراجعة شاملة للمشروع على مستوى الشكل والمضمون، واعتبر أن أي مبادرة تشريعية لتنظيم ممارسة الحق في الإضراب تقتضي استحضار المرجعية الدستورية في شموليتها، والالتزامات الدولية للمغرب ذات الصلة، كما تقتضي الأخذ بعين الاعتبار الطبيعة التنازعية لهذه الممارسة لأنها تهم حقوق ومصالح فردية وجماعية ومجتمعية، اقتصادية واجتماعية، لأطراف مختلفة.

أصدرتم بيانا يرفض هذا المشروع، وانتقدتموه جملة وتفصيلا، وطالبتم بإعادته إلى طاولة الحوار الاجتماعي لصياغته بمنهجية تشاركية، ما هي أبرز الدفعات التي استند عليها هذا الرفض؟

مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 يتسم بعدم التوازن، ويغلب عليه هاجس الضبط والتحكم، فقد جاء منحازا بشكل كبير للمشغل، وجعل كل السلطات في خدمته، واعتمد المشروع على تعريفات ومفاهيم مبهمة وغير مكتملة وبلغة بعيدة عن البعد الحقوقي، وهيمن عليه الطابع الزجري، حيث تم إدراج عقوبات سالبة للحرية، وقيد بشكل كامل ممارسة حق الإضراب وقلص من مجالاته، وجعله جد محدود وبدون تأثير…

وبالرجوع إلى نص مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 والتدقيق في بعض مواده نجده، يستثني مجموعة من الفئات ويحرمها من ممارسة هذا الحق الدستوري، ويمنع الإضراب لأهداف سياسية، في مخالفة لما نصت عليه منظمة العمل الدولية التي تعتبر كل أشكال الإضراب مشروعة بما فيها الإضراب السياسي والتضامني مادامت تحافظ على الطابع السلمي.

كيف ترون تأثير هذا القانون على حقوق الشغيلة في المغرب؟

أكيد أن لهذا المشروع تأثير مباشر على الشغيلة، فحين تفرض شروط معقدة وشاقة تسبق الإضراب؛ من تبليغ وعقد جمع عام بالشروط المنصوص عليها، إلى التفاوض والمصالحة والتحكيم… فالدعوة إلى إضراب “قانوني” تصبح مستحيلة، هذا بالإضافة إلى أن المشروع سمح بمزيد من التماطل والتسويف والتحايل وهدر زمن حقوق العمال، ومنع المضربين من الاعتصام بمحيط المؤسسة، وكرس سلطة الإكراه، وغلب عليه البعد الزجري بدل إطار تشريعي الغاية منه أساسا هو تنظيم حق الإضراب وإحاطته بالضمانات القانونية الضرورية لممارسته. ولم يكتف المشروع بالغرامات والعقوبة الحبسية، بل فتح المجال لإعمال المقتضيات الجنائية الأشد المنصوص عليها في القانون الجنائي، وكان الأحرى بالحكومة أن تعتمد إلغاء ومراجعة التشريعات والمقتضيات القانونية التي تنتهك حرية ممارسة العمل النقابي، ومن ضمنها إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي، والذي يتم بموجبه اعتقال ومحاكمة المسؤولين النقابيين بدعوى عرقلة حرية العمل.

تحدثتم في بداية البيان وفي نهايته عمّا وصفتموه بالسياق التراجعي الذي جاء فيه، ما هو هذا السياق؟

الحقيقة أن هناك سياقات عديدة تداخلت وأثرت في تنزيل هذا المشروع، فباستقراء السياق التاريخي نجد أن تنظيم حق الإضراب في المغرب شهد مجموعة من التشريعات والخطابات الرسمية، ابتداء من ظهير 19 يناير 1946 ووصولا إلى دستور 2011 الذي أكد بجلاء هذا الحق  ضمن الفصل 29 وربطه بقانون تنظيمي يحدد شروط وكيفيات ممارسته، وبعد مضي 5 سنوات صادق المجلس الوزاري في شتنبر من سنة 2016 على أول مشروع قانون تنظيمي يُنظم هذا الحق في المغرب، وضعته الحكومة بشكل انفرادي، وبقي معلقا في أروقة البرلمان ولم يتم بعد مسطرته التشريعية.

وباستحضار السياق السياسي/الاجتماعي، فإن تنزيل هذا المشروع ومحاولة فرض مسطرته، يأتي في ظل استمرار مسلسل الانتهاكات للحقوق والمكتسبات، حيث تصر الدولة على التبعية الخانعة، وتتمادى في رهن البلاد والعباد لتوجيهات اللوبيات المالية العالمية، وتستمر في سياسات ضرب التوازنات الاجتماعية واستهداف الخدمات الحيوية، وتمعن في التضييق الممنهج على الحريات.

في هذا السياق تسعى العائلات النافذة وبعض الشركات الأجنبية، التي استفادت من اقتصاد الريع والتوزيع غير العادل للأراضي والثروات والامتيازات لتقنن الإضراب وتكبل حق ممارسته، مستفيدة من واقع سياسي تطبعه عودة التسلط المطلق، وتعاظم التحالف النفعي بين السلطة والمال.

ما هو موقف القطاع النقابي لجماعة العدل والاحسان من هذا المشروع؟ وهل أنتم مع التقنين أساسا أم لا؟

بالنسبة لموقف القطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان، فقد عبر عنه مكتبنا الوطني بجلاء في بيانه الأخير بالرفض التام لمشروع القانون التنظيمي لممارسة الإضراب 97.15 منهجية وشكلا ومضمونا، معتبرا إياه مشروعا مقيدا للإضراب ومعرقلا له حد المنع في الكثير من الحالات، ويطالب بسحبه من البرلمان، وإعادته إلى طاولة الحوار الاجتماعي لصياغته بمنهجية تشاركية، تضمن حماية حقوق الشغيلة وحرياتها النقابية.

أما فيما يخص التقنين، فلابد أن نذكر أولا بأن القطاع النقابي له تصور منهاجي يضبط مبادئه ويحكم مواقفه، ووفقه نسعى دائما للحفاظ على التوازن بين قوة العمل وسلطة المشغل والدولة، ونسعى للجمع بين مصلحة الأمة كلا ومصلحة المستضعفين عضوا حيويا في الأمة، ونشجع التفاوض والضغط المعنوي القانوني، ونرفض العنف والتخريب، فتصورنا يتجاوز منطق الصراع المنتصر للمصلحة الخاصة إلى منطق التعاون لتحقيق المصلحة العامة لكل الأطراف. لكن في ظل اختلال موازين القوى وغياب دور الدولة الحامية، والحالة هاته، نصطف ونساند ونقوي الطرف المستضعف، وندافع على حق الشغيلة في ممارسة الإضراب، تشهره عند الحاجة من أجل التصدي لتعسفات الباطرونا التي تنتهك على الدوام مقتضيات قوانين الشغل على علاتها.

وعليه، فالإضراب حق ووسيلة للدفاع عن حقوق الشغيلة في مواجهة طبقة مستبدة ومسيطرة، ويظل القوة التعويضية الوحيدة للعمال في علاقة التفاوض غير المتكافئة مع أرباب العمل، وهو عامل بالغ الأهمية في أي نموذج تنمية يركز على حقوق الإنسان والعمل اللائق. ولا يكمن الإشكال في تنظيم الإضراب بآلية توفر الضمانات لممارسته وتحمي الحقوق والحريات، ولكن الإشكال في عرقلته وإجهاضه وإفراغه من محتواه بمثل هذه المشاريع الفوقية الانفرادية.

الحكومة ماضية في فرض سياسة الأمر الواقع، وتستبق الأحداث لاستكمال المسطرة التشريعية، فماذا تقترحون لمواجهته؟

لا نريد تكرار نكسة الإصلاح المقياسي لصناديق التقاعد، فالحق في الإضراب هو أحد أهم الركائز الأساسية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، وهو أحد مظاهر حرية الرأي والتعبير، ووسيلة للحصول على الحقوق المسلوبة، فلا يمكن بحال من الأحوال التفريط في هذا الحق.

وواجبنا في الجسم النقابي أن نفضح المشروع وخلفياته، ونحتج عليه، ونعبئ نقابيا وحقوقيا وسياسيا وإعلاميا للتصدي له، لذلك توجهنا لكل الفاعلين المجتمعيين وفي مقدمتهم الهيئات النقابية، ودعوناهم إلى تحمل المسؤولية في تجميع الذات في جبهة موسعة وموحدة ومناضلة قادرة على تعبئة الصفوف من أجل التصدي لكل المخططات والمشاريع الرامية إلى التطاول على ما تبقى من حقوق الشغيلة ومكتسباتها العادلة والمشروعة.  فاللحظة تقتضي أن يكون الجميع في الموعد، فالعمل الوحدوي المشترك بديل واقعي للخروج من عقم العمل النقابي المشتت، وكفيل بتوحيد الجهود وإرجاع الثقة للعمل النقابي وبناء حركة اجتماعية قوية وفعالة في مواجهة كل التحديات.