أكد الأستاذ حسن هاروش، المحامي بهيئة الدار البيضاء، أن السبب وراء توقف المحامين عن أداء مهامهم يعود إلى قرار جمعية هيئة المحامين بالمغرب، احتجاجًا على مشاريع القوانين التي طرحتها الحكومة. لافتا إلى أن هذه المشاريع تمس حقوق وحريات المواطنات والمواطنين، ناهيك عن أنها لم تأخذ بالمقاربة التشاركية التي نص عليها الدستور، منبها إلى “خطورة” ما تتضمنه مضامين هذه القوانين، التي تشكل “تراجعًا واضحًا عن المكتسبات الحقوقية”.
وانتقد هاروش ما وصفه بـ”انفراد” الحكومة بصياغة عدة مشاريع قوانين، من بينها مشروع قانون المسطرة المدنية ومشروع قانون المسطرة الجنائية، بالإضافة إلى مشروع القانون المنظم للإضراب. معتبرا أن هذه القوانين تستهدف حقوق المواطنين وحرياتهم، دون إشراك كافة الأطراف المتدخلة في المنظومة القانونية.
وبينما أكد أن قرار التوقف عن العمل “غير مسبوق وينطوي على مخاطر وأضرار على الحقوق والحريات”. أكد في المقابل أنه جاء بعد سلسلة من الإجراءات الهادفة إلى تنبيه الحكومة لخطورة ما تقوم به، بدءا من حمل الشارات الإنذارية، ثم بالتوقف المؤقت لعدة ساعات، ثم ليوم أو يومين، لكن بعد انسداد أفق الحوار ووصول الحكومة للمرحلة النهائية من طرح هذه المشاريع في البرلمان دون الاستجابة لدعوات الحوار “لم يجد المحامون بدًّا من اتخاذ هذا القرار التصعيدي”.
وشدد هاروش في إجابة عن سؤال يربط سبب الأزمة بـ “دفاع المحامين عن مصالحهم المادية” على أن ذلك هو مجرد مغالطة تروجها الحكومة، التي تزعم أن المحامين يدافعون عن مصالح فئوية. معتبرا أن المحامين لهم قانون ينظم مهنتهم وسيحين وقت نقاش هذا القانون.
وفي وقت يرى المحامي بهيئة الدار البيضاء أن المسطرة المدنية والجنائية، هي قوانين لتنظيم عملية التقاضي، وهي أدوات لضمان حقوق الناس أمام القضاء، شدد في المقابل على أن المواطنين والمواطنات تربطهم بالدولة علاقة تعاقد اجتماعي، وبمقتضى هذا العقد يتنازلون عن حقهم في اقتضاء حقوقهم بوسائلهم الخاصة مقابل ضمان الدولة للأمن القانوني والقضائي، لكن مع هذه التعديلات، نجد أن المشروع الحالي يضع حواجز أمام حق التقاضي.
ولخص المتحدث أهم ملاحظاته على التعديلات المقترحة التي يرى أنها تشكل خطرا على حق الناس في الوصول إلى قضاء عادل في أمور أساسية، قائلا إنه لم “لم يعد من حق المواطنين والمواطنات الولوج إلى القضاء بشكل يسير ومستنير”، بحيث لا يستطيعون عرض دعاواهم على القضاء بمختلف مستوياته.
وأشار إلى أن المحكمة الابتدائية وفق هذا المشروع مختصة ابتدائيًا وانتهائيًا في حدود ثلاثين ألف درهم، وعندما يتوجه المتقاضي لتقديم طلباته المتعلقة بمطالبة بأداء مبالغ مالية أقل من ثلاثين ألف درهم، فإنه لم يعد يحق له الاستئناف، وسيكون الحكم ابتدائيًا ونهائيًا، ولو شابه خطأ أو خالف القانون، ولا يمكنه فعل شيء.
ولفت هاروش إلى أن هذا التشريع لعموم المغاربة ولا يستثني طبقاتهم الاجتماعية أو التفاوتات الجغرافية بين المدن والأرياف والمناطق النائية وحتى في المدن الصغيرة، التي يُعتبر فيها مبلغ ثلاثين ألف درهم ثروة كبيرة.
أما بخصوص الطعن بالنقض، يقول المتحدث إن المادة 375 من المشروع تنص على أنه لا يحق للمواطنين والمواطنات الطعن بالنقض إلا إذا تجاوزت قيمة دعاواهم ثمانين ألف درهم، بمعنى إذا كانت قيمة الدعوى أقل من ثمانين ألف درهم فإن القرار الصادر عن محكمة الاستئناف لا يمكن الطعن فيه أمام محكمة النقض، التي تعتبر الجهة الرقابية على تطبيق القانون.
وهذا يؤدي وفق المحامي بهيئة الدار البيضاء إلى عدالة موجهة للأغنياء وليس للمواطنين البسطاء الذين تخلوا عن حقهم في اقتضاء حقوقهم بوسائلهم الخاصة وفقًا للعقد الاجتماعي، لأن الدولة تُعتبر ملزمة بتحقيق العدالة، لكن مع هذه التعديلات فإنها ستتنكر لهذا الالتزام، حيث يُقال للمواطن: إذا كانت مطالبتك أقل من ثلاثين ألف درهم فلا يمكنك الطعن بالاستئناف، وإذا كانت أقل من ثمانين ألف درهم فلا يمكنك الطعن بالنقض.
وذكر المتحدث مفارقة اعتبرها غريبة مرتبطة بالمدعي، وهي أن المواطن حتى إذا ذهب إلى القضاء وفق هذا المشروع فإنه إذا “ثبت أنه قدّم دعواه بسوء نية، فسيتم الحكم عليه بغرامة قد تصل إلى عشرة آلاف درهم”. والأمر الذي اعتبره “أكثر غرابة” ارتباطا بالمدعى عليه، هو ما تضمنته إحدى المواد بقولها إنه “إذا تقدم المواطن بدفوع في مواجهة المدّعي، وتبيّن بعد ذلك أنه كان سيء النية في تقديم هذه الدفوع، سيُحكم عليه بغرامة تصل إلى عشرة آلاف درهم لصالح الخزينة العامة.”
يمكنكم مشاهدة الحوار كاملا في هذا الفيديو: