في سياق سلسلة “حوارات في الفكر والأدب” مع ثلة من رجال الفكر والأدب والفن، يسر “بوابة العدل والإحسان” أن تستضيف الشاعر حسن الوفيق، أستاذ العلوم والتقنيات الإلكترونية، للحديث معه حول تجربته الإبداعية في الشعر، عن دور الشعر، ومهمة الشاعر، وعن أعماله ورسالته كشاعر.
بداية، ماذا نقصد بالإبداع؟ ومتى يكون الشاعر مبدعا؟
بسم الله الرحمن الرحيم، بارك الله فيكم على الدعوة والحوار. الإبداع حسب التعريف، هو الإتيان بشيء جديد وذي قيمة. جديد، غير مألوف، فيه ابتكار. وذي قيمة، ذي فائدة، ينفع الناس. (فأما الزبد فيذهب جفاء. وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، سواء كان الإبداع ماديا أو معنويا.
ويكون الشاعر مبدعا، حين يأتي بشعر جديد ومؤثر. شعر جديد في لغته وأسلوبه، وروحه وفكره، وتناغمه. وشعر مؤثر، يثير الشعور والتفكير، ويحدث تغييرا في المواقف والأفكار والتصورات. باختصار: شعر إبداعي يلهم المتلقي.
وفي الواقع، كل شاعر يكتب شعرا، يعتبر مبدعا، لأن كل عمل فني يعبر عن رؤية شخصية تعكس قدرا من الإبداع، والإبداع درجات.
ماذا يمثل الشعر للأستاذ حسن؟ وكيف بدأت علاقتك بالشعر؟
ماذا يمثل الشعر لي؟
الشعر حسب التعريف، تعبير عن تجربة شعورية إنسانية، بصورة جمالية مؤثرة. وهو كذلك بالنسبة لي. حين أتأثر بشيء، سلبا أو إيجابا، يدفعني للتعبير عن مشاعري، ونقل هذه التجربة إلى الآخرين، مع ما تحمله من رؤى وأفكار.
وأعتمد الشعر خاصة، للتعبير عن معاناتي، باحثا عن الصفاء والسكينة، باحثا عن المعنى، عما هو أسمى. لذلك أحتفي بالجمال في كل شيء، وأحتفي بالمواقف الإنسانية النبيلة، والنماذج المشرقة في الأمة التي تعيش لأجل الأمة.
يا أيها الشعر ما أبهاك تتسق ** كالوحي تسري إلى روحي كما العبقُ
إليك آتي تداويني تذكّرني ** بالله ربا علا إن ضاق بي الأفق
أو مسني ويحه الشيطان من شرر ** أو رد نفسي هوى يجتاحني القلق
إليك آتي لترويني وتكتبني ** شعرا أغنيه للذكرى وأنطلق
وهي مساهمة متواضعة في الشعر الإسلامي، تعكس تجاربي كإنسان مؤمن عادي، يقاوم العقبات، مرة يتعب وأخرى ينهض، متفائلا بالجميل.
أما كيف نشأت العلاقة؟
الشعر آسر. جمال لغوي، معانٍ عميقة، عاطفة قوية، وتناغم وانسجام. وحين يتأثر الإنسان بعمل إبداعي شعري، يسعى للسير على منواله.
هكذا بدأ شغفي بالشعر، أناشيد وأبيات جميلة، نحفظها ونوظفها. ثم انتقلت إلى الكتابة بالعربية والفرنسية، دون معرفة نظرية بالقواعد. بدأت من الإعدادي كتابة نصوص بسيطة، تأملية حالمة. أذكر منها على سبيل المثال:
Je rêve et je tiens
à rêver de rien
des choses sans lien
et surtout du bien
وابتعدت عن الشعر، بسبب الدراسات العليا والتدريس في الوقت نفسه. وبعد نهاية الدراسات العليا 1996، في معالجة المعلومة، عدت للبحث في أمور كانت تشغل بالي في الدراسات القرآنية، والصوفية، والنفسية، حول طبيعة الإنسان، مع العناية بالشعر.
في مجال الشعر، بدأت بالحد الأدنى من علم الأوزان، وشرعت في الكتابة. وتبين لي أن الأمر، رغم صعوبته في البداية، لا يحتاج إلى موهبة خارقة كما ظننت. وتابعت الكتابة، مركزا على الجانب العملي، لا أعود إلى النظري إلا عند الحاجة.
في البدايات كنت مترددا، فرأيت في المنام، أني ألقي قصيدة جميلة في حب الله تعالى، لا أدري كيف كتبتها. كنت عازما في حلمي على تدوينها عند اليقظة. ولكن عند اليقظة، ما تذكرت منها شيئا. وعلى كل حال، كان لها دور في استمراري.
صف لنا أسلوبك الشعري؟ هل تميل إلى الشعر التجريبي أو التقليدي؟ ولماذا؟
عن أسلوبي الشعري:
الجواب يستدعي دراسة وافية لما كتبت من الشعر، يحتاج تقييما نقديا.
عمليا، أحاول كتابة الشعر الغنائي. ويمكن إيجاز الغنائية في البساطة والانسياب. لتحقيق ذلك، أستخدم لغة بسيطة واضحة، مع الحرص على الترابط والتكامل. وهي عناصر أساسية، في تحقيق التدفق والسلاسة. هذا على المستوى الأسلوبي.
وعلى المستوى الفني، أهتم بالإيقاع لتعزيز التدفق والانسياب والتأثير الموسيقي. أساس الإيقاع الخارجي هو تناغم الوزن والقافية. وأساس الإيقاع الداخلي هو تناغم الحروف والكلمات والعبارات، باستعمال تقنيات التوازي والتكرار.
وهي مسألة ذوقية في الحقيقة، المعول فيها على التجربة الحسية. والمعرفة النقدية تأتي بعد ذلك، للحديث عن تجليات الإيقاع في النص الشعري.
وأما عن الشعر الذي أميل إليه:
أغلب ما كتبت ينتمي إلى الشعر التقليدي العمودي، كما كتبت الشعر التجريبي الحديث، وأقصد الشعر الحر. وأميل إلى الشعر التقليدي، لأن الشعر الحر يحتاج إلى عمق فكري أكبر، وتصوير فني مكثف يغطي على ضعف الإيقاع.
وفي مسألة التجريب نحو مزيد من التحديث والتجديد: من حيث الشكل، لست مع التحرر المطلق من الوزن والقافية. ومن حيث الأسلوب، لست مع الإغراق في الرمزية والصور الشعرية، لأن الشيء إذا زاد عن حده، انقلب إلى ضده.
ومن حيث المضمون، الشعر الإسلامي نقيض الشعر الحداثي المادي، الذي يلغي الدين ويركز على العقلانية التجريبية مصدرا للمعرفة. الشعر الإسلامي يستمد إلهامه من الدين، ويعكس شعور المؤمن وتجربته الإنسانية في ظل الإيمان.
هل لديك عادات أو تقنيات معينة تتبعها عندما تكتب الشعر؟
التفاعل العميق مع الموضوع، هو مفتاح الإبداع الحقيقي. حين يغوص الشاعر في التجربة بصدق وعمق، ويصبح أكثر ارتباطا بها وأكثر فهما لأبعادها، ويتمكن من التعبير عنها، بشكل مبتكر ومؤثر، يناسب تلك التجربة الفريدة.
فالغوص في المديح النبوي، والصفات النبوية الشريفة، هو الذي ألهم شوقي وارتقى به للقمة في عالم الشعر. يقول شوقي رحمه الله:
فما عرف البلاغة ذو بيان ** إذا لم يتخذك له كتابا
مدحت المالكين فزدت قدرا ** فحين مدحتك اقتدت السحابا
والحب الإلهي السامي هو الذي ألهم الرومي، والمقاومة الفلسطينية الأسطورية هي التي ألهمت درويش، والواقع المر هو الذي ألهم الشاعر مطر.
بعد التفاعل، يأتي دور التقنيات المساعدة. من أهمها البيئة الهادئة بعيدا عن التشويش، وكل ما يساعد على التركيز والتأمل. ولاستدعاء الإلهام، أعود أحيانا إلى الأعمال الشعرية الرائعة التي أتجاوب معها، كأعمال الرومي وإقبال والأميري…
وأعتمد تقنية التغنّي بالشعر، حتى ألمس نقاط القوة والضعف في القصيدة على مستوى الإيقاع والمعنى واللفظ. وأحاول اختيار الألفاظ والبنيات المناسبة، حتى يستقيم التدفق الطبيعي للقصيدة، مستعينا بالمعاجم على النت.
والتغني بالشعر تقنية عريقة، اعتمدها الشعراء قديما. يقول سيدنا حسان ابن ثابت رضي الله عنه، في نصيحته للشعراء:
تغنّ بالشعر إما كنت قائله ** إن الغناء لهذا الشعر مضمار
كيف ترى دور الشاعر في المجتمع؟ هل تعتقد أن الشعر يمكن أن يؤثر في التغيير الاجتماعي؟
دور الشاعر في المجتمع:
دور الشعر والأدب والفن عموما هو التأثير على الناس. حتى الفن الفارغ له غاية، هي تعزيز العقلية السطحية، وإشغال الناس عن القضايا الأساسية.
ودور الشاعر الإسلامي، أن يعزز القيم الإنسانية والقرآنية في المجتمع، أن ينمي الحس الفني والجمالي لدى الناس، وأن يسلط الضوء على الأحداث الجارية والقضايا الأساسية في المجتمع، بهدف التنوير والتحفيز على التغيير الاجتماعي.
ودور الشاعر الإسلامي، بالمنظور القرآني، هو الانتصار للحق، في مواجهة الباطل. (وانتصروا من بعد ما ظلموا). والباطل حرب ناعمة منظمة، تؤثر بسهولة على الناس. وقد تكون أخطر، وأكثر فعالية حتى من القوة العسكرية نفسها.
هل يؤثر الشعر في التغيير؟
لا شك أن الشعر مؤثر، الشعر الإبداعي طبعا. لأنه يثير المشاعر والأفكار، ويجعلنا نشعر ونفكر بعمق، وصولا إلى تغيير المواقف والأفكار والتصورات. وهذا ما نحتاجه في التغيير الاجتماعي والسياسي: تنوير الناس، وتحفيز الناس.
عن هذا التأثير الكبير للشعر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل)، على أن الجهاد العملي، أجدى من الجهاد القولي طبعا. يقول أبو تمام في هذا المقام:
السيف أصدق أنباءً من الكتبِ ** في حده الحد بين الجد واللعبِ
ذلك أن دور الشعر والأدب والفنون عموما، مهما كان مؤثرا، يبقى تكميليا. المعتمد عليه في التغيير الاجتماعي، هو تغيير الإنسان. وهو التغيير الحقيقي، والمدخل الصحيح. قال تعالى في ذلك: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
ويمكن للشعر أن يساهم في التغيير على مستويات عديدة. من خلال دعم الاحتجاجات والمقاومات، وتوعية الناس وتحفيزهم على المشاركة الفاعلة.
نذكر في هذا الإطار، كلمات الشابي، والتي لا تزال مؤثرة:
إذا الشعب يوما أراد الحياة ** فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي ** ولا بد للقيد أن ينكسر
وقد كان للشعر والنشيد الإسلامي كما رأينا في فلسطين، دور كبير في تعلق الشباب، بالقيم الجهادية، والتمسك بالقرآن، وحب الله ورسوله، والجهاد في سبيله، إلى ما هنالك من المعاني الإيمانية، التي حاول أعداء الأمة تغييبها.
هل ترى أن الشعر بمقدوره أن يكون وسيلة لنشر وتعزيز القيم الأخلاقية؟ وكيف؟
التغيير الحقيقي كما سبق، يأتي عبر تغيير الإنسان. ويقتضي تربية مستمرة على شعب الإيمان، التي جاءت في حديث: (الإيمان بضع وسبعون شعبة).
ويمكن للشعر أن يساهم في تعزيز هذه المعاني الإيمانية الأخلاقية، من خلال تضمين الشعر في الخطاب التربوي التعليمي والاجتماعي السياسي. ومن خلال القنوات الإعلامية والفنية، لأن الغناء يجعل الشعر أكثر انتشارا وتأثيرا.
وقد كان للشعر الإسلامي، دور كبير في ترسيخ القيم الإيمانية والأخلاقية، في الوعي الجمعي للأمة. يقول الشاعر أبو تمام، في هذا المعنى:
ولولا خِلالٌ سنّها الشعر ما درى ** بُناة العلا من أين تؤتى المكارمُ
ما هي أكثر القضايا التي تشغل بالك وتظهر في أعمالك الشعرية؟
يقولون “الشاعر ابن بيئته”، يعكس في شعره قضايا مجتمعه من خلال ذاته. وهي بالذات، القضايا التي تشغل بالي، وتظهر في أعمالي الشعرية.
وقد تناولت في شعري أربعة محاور: الأول في الشعر الذاتي التأملي. الثاني في المقاومة؛ بطولاتها ورموزها. الثالث يتناول الأحداث والأزمات التي تمر بها الأمة. والرابع في المنهاج النبوي التغييري عند الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله.
ويمكن التمييز بين مرحلتين في مسيرتي الشعرية. مرحلة أولى يطغى عليها الحزن والأسى. حزن في جزء منه مفهوم، لأن الفرح في حياتي نادر وعابر، وفي جزء آخر لا تفسير له، وقد كان باعثا لي للبحث في حقيقة النفس البشرية.
ومرحلة ثانية مختلفة، حين تعرفت على المنهاج النبوي التغييري عند الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله. تعرفت عليه من خلال كتاباته وكلماته الناصعة، ومن خلال جماعة العدل والإحسان، التي تعمل وفق المنهاج النبوي التغييري.
هل لديك أعمال شعرية مفضلة قد كتبتها؟ وما الذي يجعلها مميزة بالنسبة لك؟
عموما، لست راضيا على ما كتبت، ولا أرى فيه إبداعا حقيقيا. العمل الإبداعي، الجميل والمؤثر، يتطلب قدرات فنية عالية، وتجربة إنسانية حقيقية، وروحا وفكرا.
لذلك اشتغلت بصياغة أعمال إقبال والرومي المترجمة، صياغة شعرية موزونة، تحافظ على المعاني العميقة ما أمكن، وهي من الأعمال الجميلة التي أفضلها.
كما أفضل بعض القصائد، التي تيسرت لي بطريقة نادرة. منها قصيدة “سلاما”، في رثاء الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، والتي تحولت إلى كليب “سلاما”. حين بدأت في كتابتها، سرح ذهني بعيدا، أفكر في الإمام رحمه الله، ثم استلقيت على ظهري، ونمت طرفة، رأيت خلالها رؤيا معبرة، كانت كالتالي:
(صلينا على الإمام رحمه الله صلاة الجنازة، في مسجد قرب البحر، وخرج الجمع من باب، وخرجت من باب آخر، حاولت أن ألحق الموكب لكن دون جدوى، فقلت في نفسي، لقد فات الأوان. ثم وجدتني أسير على الشاطئ، وفجأت سمعت رجلا يسير بجانبي يقول لي: وحي الله لا ينقطع إلى الأرض. أفقت حينها، وعلى لساني شعر كثير، هرعت لتدوينه حتى لا يتفلت مني. وهكذا جاءت قصيدة “سلاما”).
مطلع القصيدة كان كالتالي:
سلاما أيها الرجلُ ** وأنت اليوم ترتحلُ
تلاقي ربك الأعلى ** بنور القرب تكتحل
تغيب بوجهك الصافي ** كبدر حين يكتمل
وتبقى مطلق الروح ** بعين القلب تتصل
**
سلاما أيها الرجل ** وأنت اليوم ترتحل
لأجلك تدمع العين ** وحزن القلب يعتمل
من الأقصى إلى الأقصى ** بكاك السهل والجبل
تركت الأرض خاشعة ** تودعك وتبتهل
وأفضل بعض القصائد النبوية والإلهية، أعود إلى قراءتها، أسترجع أجواءها. أتمنى أن تصبح أعمالا غنائية. وأفضل بعض الأعمال الذاتية.
كيف يمكن للقراء أن يفهموا ويقرؤوا شعرك؟ هل تهدف إلى ترك تأويلات مفتوحة للقراء أم لديك رسائل معينة قاصدة؟
الذائقة الشعرية اليوم، تفضل الأعمال القصيرة، الواضحة، والرسائل القاصدة، دون إهمال للقيم الجمالية والفنية الضرورية لإثارة المشاعر.
وهذه العناصر، تلتقي مع طريقتي الغنائية، والتي يمكن اختصارها كما قلنا في البساطة والانسياب، الوضوح في اللغة، والتناغم في الإيقاع.
وفي بعض الأحيان، أجنح إلى الصور العميقة، المستمدة من التجارب الواقعية، ما يجعلها واضحة وسهلة، وتفتح للمتلقي مجالا للخيال والتأمل.
وغالبية أعمالي تعتمد هندسة المقاطع المترابطة، في إيصال الرسائل. وأعبر عن الأشياء، من خلال نظرتي الذاتية، ما عدا في الأعمال المترجمة.
وعلى هذا الأساس الإبداعي التجريبي، يمكن قراءة أعمالي الشعرية.
هل لديك نصائح للشباب الذين يشقون الآن مسيراتهم الإبداعية الشعرية؟
أقول للشباب المبدعين، انطلاقا من التجربة:
1- الإبداع الشعري كأي إبداع آخر، يأتي من الممارسة الدؤوبة، بعد معرفة المبادئ اللازمة. يقول الأستاذ ياسين رحمه الله: (من المحاولة المتكررة يكون الإبداع). فالإبداع بهذا المعنى مهارة، يمكن التدرب عليها، يمكن تحسينها بطريقة منهجية.
2- لا إبداع من فراغ. ضروري قراءة الأعمال الأدبية الراقية، من الناحية الفنية والفكرية والمعنوية، لأن التفاعل معها فكريا وعاطفيا، ينمي القدرة الإبداعية. وكذلك الإدمان على قراءة القرآن، بكونه مصدر المعرفة الصحيحة واللغة السليمة.
3- المواظبة على الدراسة والممارسة من أجل الوصول. فهذا سيد قطب رحمه الله، الذي أصبح مرجعا في الأدب والفكر والنقد، حسب النقاد، كان بسيطا في البدايات، حين أصدر ديوان “الشاطئ المجهول”، وتألق فيما جاء بعده من أعمال.
أعود معك سيدي في الختام إلى المحاور الأربعة التي قلت إنك تناولتها في شعرك، هلا وضعتنا أمام نماذج منتقاة منها؟
أختار لكم بعض النماذج المتيسرة، وأسأل الله تعالى أن تفي بالغرض.
– في الشعر الذاتي:
عجز اللسان عن الكلام وما نطقْ ** والعين جفت والفؤاد قد احترقْ
يا ويح عمري قد مضى في سكرة ** وبقيت ذكرى بيت شعر في ورق
ومنها، في تأمل القضاء والظروف:
أهو الزمان من ابتدا وجفاني ** أم أنني ضيعت حب زماني
شر أريد بمن على وجه الثرى ** أم أنه شر من الإنسان
إني اكتويت من الظروف ولفحها ** والحزن أثقل كاهلي ولساني
حتى ظننت بأنني أشقى وما ** ذنبي سوى أن الشقاء رماني
– وفي شعر المقاومة:
من قصيدة “يا أجمل الفرسان”، إلى السيد السنوار رحمه الله، قبل استشهاده:
يا أجمل الفرسان في هذا الزمانْ ** متوشحا بالسيف في صدق البيانْ
إنَّا نحبك لا لأنك خارق ** أبدعت في سوْق الطغاة إلى الهوان
وكشفت للناس العدو الحاقد ** من صاب كل الأرض بالعدوى وشان
وجعلت أمّتك التي قد غُيِّبت ** أملا يعيد إلى الورى قيم الأمان
**
إنَّا نحبك لا لأنك خارق ** أفنيت عمرك في العطاء بلا توان
ووهبت روحك لا تهاب منيَّة ** يومُ الشهادة ذاك من أسمى الأمان
يا أيها الجنديُّ في سوح الوغى ** ومهندس الطوفان داهية السِّنان
أعددت للحرب الطويلة مبدعا ** مددا وأعدادا أعدت للتفان
– وفي شعر الواقع:
من قصيدة “ابحث لنفسك عن وطن”، جاءت في إطار التوظيف المشروط بالسن:
أنت المواطن قد عفا عنك الزمنْ ** ما عدت تصلح للوظيفة والوطنْ
من حقنا نمحو ونكتب ما نشا ** ونقول للقانون كن أو لا تكن
من حقنا ندني ونبعد من نشا ** للبرلمان وما سواه بلا سنن
لا من رقيب أو حسيب عندما ** نعطي لمن ومتى نشا أرقى المهن
إلا لكم ولأنكم مِنْ زُمرة ** لا تستحق سوى الشقاء بلا ثمن
ستظل رقما تافها في حكمنا ** إن لم تقل كل الذي فينا حسن
هي حكمة مأثورة في عرفنا ** أنسيت أنا وحدنا نحن الوطن
– وفي شعر المنهاج:
من قصيدة “الإيمان والعمل الصالح”، مستمدة من كتاب “المنهاج النبوي”، للأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، حول الخصال العشر:
من علّم الشورى مجردة الهوى** حتى يعالج نزعة الطغيانِ
من علّم الإنصاف في توزيعه ** وقضائه بالقسط والميزان
من علّم المسؤول خدمة شعبه ** بمحبة وتواضع وتفانِ
من قبّل الكفّ العفيف لعامل ** مثل النبي المصطفى الإنساني
* *
ماذا تمثل دولة في ذاتها ** من دون قلب عامر الإيمان
من دون تربية ودون شريعة ** والظلم رأس الظلم في الكفران
ماذا تمثل دولة في ذاتها ** من غير معنى للوجود الفاني
دنيا بلا دين وإن صلحت وإن.. ** ستؤول في الأخرى إلى الخسران
**
المنة العظمى نفوز بربنا ** عبر الجهاد بهمة الفرسان
لنعيد للدنيا بشارة رحمة ** نبوية بالعدل والإحسان
نعم الطريق لدولة دينية ** مدنية لا فرق في العنوان
يرضى عليها الله في عليائه ** والناس تُرضي مبدع الأكوان
ونختم بقصيدة في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم “عين العطاء”:
هذا الربيع الأجملُ
شمس الضحى
نور تجلى للدّنا
هذا المثال الأكملُ
وحي يسير على الثرى
يتمثلُ
بين الأنام بلا تعالْ
رجل بسيط يأكلُ
وهو السلامُ إذا دنا
بدر السنا
يتهللُ
هذا السراج الموصلُ
وإذا قضى
فهو الإمام العادلُ
حتى الحصى
يهفو إلى إكسيرهِ
والجذع والجبلُ الذي
من عشقه يتململُ
المصطفى
ترياق من يرجو الدواءْ
عين العطاءْ
هذا الشفيع به السماءْ
والأرض في أزماتها تتوسلُ
هذا النبي الوالدُ
هذا الحبيب محمدُ
صلى عليه الله ما رفع النداءْ
والشوق هام مع الدعاءْ
يتخيّلُ