1. السياسة شأن كل المغاربة:
كانت هذه العبارة من أبرز مضامين الخطاب السياسي الرسمي قبيل انتخابات شتنبر 2007. ومن الواضح أنها سعت إلى إحداث تعبئة جديدة تسمح بتحقيق مشاركة واسعة.
تطلع الخطاب السياسي الرسمي إلى صدى في أنحاء المملكة السعيدة، وفي سائر المؤسسات الاجتماعية والسياسية والدينية.
تطلع الشعب وتطلعت العبارة.
كان ممكنا أن تجد تطبيقا صحيحا لها لو كانت البنية الدستورية والسياسية المغربية تسمح للمغاربة بالمشاركة الفعلية والحقيقية في تدبير الملفات الكبرى والمصيرية، وفي صيانة الثروات الوطنية والأموال العمومية.
كان ممكنا أن تجد تطبيقا صحيحا لو كانت الحياة السياسية المحلية تمكن الأحياء من الحفاظ على حياتهم في ظل الاستبداد المخزني ومصادرة الحريات الأساسية وضرب قيمة الرأي العام، كما هو الشأن في أرجاء العالم العربي، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
لم تكن “عبارتنا” جميلة فقط، بل كانت أيضا صحيحة، ولم يكن ثمة خلاف في صحتها المنطقية والشرعية والتاريخية كما شهد بهذا تاريخ الشورى والديمقراطية وحقوق الإنسان في عالم بني آدم منذ وجد على كوكبنا الأرضي. وإنما كان الخلاف وما زال في “الماصدق”.
2. بعض الإسلاميين ليسوا من المغاربة:
لم يكن الخطاب السياسي الرسمي يحب يوما أن يتبنى “التمييز” في حق المغاربة، لولا أن بعضهم سارع إلى نزع ثياب الطاعة والخضوع، وإعلان خطاب جديد يرى اللعبة السياسية “قسمة ضيزى”، ويدعو إلى بناء حياة نظيفة بجميع مفرداتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والروحية.
ولم يكن هؤلاء المغاربة المتمردون على “سياسة النعمة والفضل” سوى المنتسبين إلى جماعة العدل والإحسان، الذين ظلوا أوفياء لخط الرفض والغضب في العهدين القديم والجديد؛ ولنقل: في العهد السياسي المعاصر بوجهيه القديم والجديد.
لقد كان حريا بهؤلاء المردة الأوفياء لمرجعيتهم الدينية والسياسية، أن يخرجوا من جلودهم أسوة بمن سبقهم من الاشتراكيين واللبراليين والإسلاميين الذين رأوا في سماء البلاد ما لم يره سائر المغاربة، وقالوا موقنين: “هذا عارض ممطرنا”، واجتهدوا في إقناع مواطنيهم بالخير الآتي. فماذا كانت النتيجة؟
جاء اليوم الوطني 7 شتنبر ليعلن كذب نبوءة السياسيين جميعهم، وتظهر الحقيقة جلية، حقيقة وجود “العدل والإحسان” في صف المغاربة اليائسين من السياسة الواقعية بجميع عناوينها. وحقيقة العائق البنيوي في المشهد المغربي.
3. عائق بنيوي:
من الحتمي أن يكون للشعب آلياته المشروعة في التعبير عن آرائه ومواقفه من القضايا العامة والخاصة التي تشغل باله، وفي تحديد السياسات الكبرى الواجب اتباعها في الحياة العامة الداخلية، كما في العلاقات الخارجية مع الدول والحكومات والشعوب..
من الطبيعي أن يكون لكل شعب مؤسساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحظى بالمصداقية وبالشرعية القانونية والقيمية. وتستمد تلك الشرعية من حرصها المتواصل على رعاية حقوقه وطموحاته وآماله، لا من مواقعها الرمزية والمادية التي تتمتع بها، ولا من أدوات القمع التي تمتلكها لإرهاب البلاد والعباد..
من الطبيعي كذلك أن يهب كل شعب يملك تلك المقومات، إلى دعم مؤسساته المنتخبة في كل ما تقوم به من مبادرات إيجابية ومشاريع فعالة في الميادين كافة.
وفي الحالة العربية عموما، والمغربية خصوصا، يكون من غير الطبيعي أن يهب المغاربة إلى دعم مؤسسات لا تملك من مقومات العمل والتنفيذ ما يسمح بتحقيق التطلعات المشروعة، أو تفويضها في الشأن العام، وهي في حقيقة الأمر لا تعدو أن تكون واجهة صورية لا غير.
والمطلع على البنية السياسية والدستورية للنظام المغربي يدرك هذه الحقيقة الجلية، وهي محورية المؤسسة الملكية بما تملك من صلاحيات وإمكانات في العمل والتأثير، تظهر معها كل المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية الأخرى مجرد أدوات ليس في مقدورها سوى الاستجابة الفورية للتعليمات والأوامر..
وقد ظلت القوى السياسية والحقوقية، المعارضة في وقت سابق، تلح على أسبقية النظر في تصحيح هذه الاختلالات البنيوية إلى أن حدث تغير فعلي في عقلية وسقف تلك القوى بدل أن يحدث في كيفية اشتغال المؤسسة الملكية كما كان مطلوبا.. ولم يبق في طليعة المطالبين بهذا التغيير الجوهري سوى جماعة العدل والإحسان. ولهذا كان الثمن باهظا وما زال متمثلا في إغلاق “الأبواب المفتوحة” ومصادرة الممتلكات وتشميع البيوت ومحاكمة كل من ثبت ضلوعه في تكذيب الخطاب الرسمي بأن “السياسة شأن كل المغاربة”. والله المستعان على ما يصفون.