في زيارتي الأولى للإمام.. أجوبة لأسئلة لم تطرح

Cover Image for في زيارتي الأولى للإمام.. أجوبة لأسئلة لم تطرح
نشر بتاريخ

في مارس 1989/شعبان 1409، كنت في أول زيارة للإمام عبد السلام ياسين رحمة الله عليه، ضمن وفد طلابي من أكادير. كان شوقي للقاء الإمام المرشد كبيرا، ومعي بعض الهيبة من لقاء رجل رباني عالم ومجاهد يرى بنور الله. طوال الرحلة من أكادير إلى سلا وأنا مشغول باللقاء كيف سيكون وما هي المواضيع التي ستطرح فيه وكيف هو شكل الإمام ومنظره وحجمه إلى غير ذلك من الهواجس والتخيلات.. قبل انطلاقنا، أوصانا أمير سفرنا أن نتهيأ للزيارة وأن نعد كل ما يشغلنا من الأسئلة والقضايا لطرحها على المرشد في اللقاء بدون خطوط حمر. فكرت أن أطرح حزمة من الأسئلة حول قضايا متعددة، تشغل طالبا متحمسا مثلي، حول الجماعة وفكرها ومستقبلها ومنهجها التربوي ورؤيتها السياسية وغيرها من قضايا الساحة الطلابية..

لم أشعر كيف مرت الرحلة، فقد سافرت مرتين في سفر واحد: سفر حسي عبارة عن انتقال من مكان إلى مكان، وآخر معنوي أحاول فيه الانتقال من الغفلة إلى الذكر، وما يزال مستمرا إلى اليوم، أسأل الله أن يوفقني لاستكمال هذا الانتقال قبل الرحلة الأخيرة إليه.

وصلنا البيت في الوقت المحدد. امتلأ الصالون عن آخره بالزوار من مناطق عديدة، وحضر الإمام في تمام الساعة المحددة. كان المجلس مهيبا في ظل أجواء ربانية، وما أن وقعت عيناي عليه حتى هدأت واطمأننت. وبعد حديثه الطيب إلينا، أحسست بقلبي وقد سكن وارتاح بالي. لقد أجابني عن أسئلتي كلها دون أن أطرحها. عجبت من ذلك أيما عجب. لما فتح باب الأسئلة، غمزني رفيقي أن أطرح ما عندي لكن لم يكن يعرف أن الأمر قد قضي، يلح علي كلما التقت عينانا، أما أنا فلم يبق لي أي مسألة أطرحها، حاولت جاهدا أن أبحث عن أي سؤال لأطيب خاطره فلم أجد. حديث الرجل كان شافيا وكافيا وواضحا يسلك القلب بدون استئذان، بلسم ودواء. لقد انتهى كل شيء بالنسبة لي وتأكدت أنني أمام رجل استثنائي فعلا تبدو عليه كل علامات الأولياء، وتبين لي يومها بلا أدنى شك أنه إمام مرشد باستحقاق وأنه أحق بالصحبة وكفى.  

وفي علاقة مع ما يجري بسوريا اليوم، أتذكر أنه أخبرنا في بداية ذلك اللقاء بوفاة العالم السوري الداعية سعيد حوى في تلك الأيام، قائلا إن الأمة فقدت رجلا عظيما وعلما كبيرا برحيله، وذكرنا ببعض مناقبه وبفضله وعلمه وجهاده وما أسداه للدعوة علما وعملا، كما أشار إلى شجاعته ومقاومته للنظام البعثي السوري وتحمله للأذى والاعتقال في سبيل الله. تحدث عن بعض كتب حوى الكثيرة في مختلف صنوف العلم وما يستفاد منها. وقد كان في حديثه استحضار لمعاناة الشعب السوري تحت قهر النظام المستبد من جهة، وجهود الحركة الإسلامية للتحرر من جهة أخرى. عموما، فقد أثنى على الراحل كثيرا ودعا له بالرحمة والمغفرة.

أما أنا فكلما تذكرت زيارتي الأولى للإمام استحضرت فضل الله علي وفضل الصحبة المباركة، وتذكرت شهادة الإمام الكبيرة في حق العالم المجاهد سعيد حوى رحمه الله وغفر له. شهادة رجل عظيم في حق رجل عظيم. إن غرس سعيد حوى ومن معه قد أطلق ظلاله في سوريا اليوم. لم تذهب تضحيات الحركة الإسلامية في سوريا سدى، وها هي اليوم تساهم في الإطاحة بالنظام الطاغوتي البعثي المستبد. رحم الله سعيد حوى بما قدم، ورحم الله الإمام بما علم ودعا وذكر. نسأل الله ألا يخيب ظنهما وأن يبشرهما بما كانا يرجوانه من إقامة شرع الله على أرضه. أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ الزمر الآية 36.