في 14 ديسمبر/كانون الأول 2008، ألقى الصحفي العراقي منتظر الزيدي حذاءه على الرئيس الأمريكي ‘جورج دبليو بوش’ خلال مؤتمر صحفي في بغداد، لم يصب الرئيس بوش، وحكم على الزيدي بالسجن 3 سنوات وخفف إلى عامين. وفي 15 سبتمبر/أيلول 2009، بعد 9 أشهر من الحبس، تم الإفراج عنه مبكرًا لأنه ليس لديه سجل جنائي سابق.
المواطن الفرنسي داميان تاريل (28 عاما)، المتهم بصفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، (سنة 2021( يحاكم بـ4 أشهر سجن نافذة (و14 شهرا موقوفة التنفيذ) بتهمة ارتكاب “أعمال عنف، لم تتسبّب بعجز، ضدّ شخص يتولّى سلطة عامة”.
الدولة بقوتها وسلطتها تعتبر نفسها كبيرة ومترفعة تجاه سلوك من أحد مواطنيها وتعتبره طائشا، وتترك للقضاء بكل أريحية معالجة التصرف بالحد الأدنى الذي يوقع الجزاء ولا يجعل السلطة تبدو في مظهر المنتقم الحاقد على المواطن.
وفي المغرب يتم الحكم على النقيب السابق للمحامين، ورئيس حزب سابق، السيد محمد زيان بـ5 سنوات سجنا نافذا، بتهمة اختلاس أموال الحزب؛ بعدما تمت محاكمته قبل عامين بالسجن 3 سنوات بتهمة إهانة رجال قضاء وهيئة منظمة.
وتتم محاكمة مدونين عبّروا سلميا عن آرائهم بنفس المدة السجنية.
ويتم تصيد أي سبب تافه لمحاولة إسكات المعارضين بمحاكمات صورية فارغة كما وقع اليوم في ملف مسؤول الشبيبة في جماعة العدل والإحسان الدكتور أبو بكر الونخاري الذي تم رصده متلبسا بخروج عادي وحضاري ومسؤول من السفارة السعودية، ومراع لكل الأعراف التواصلية والدبلوماسية، ليحاكم بعد مارطون من اللغو السلطوي بـ10 أشهر سجنا موقوفة التنفيذ.
ولكن الواضح أن ما وراء هذه التهم كلها هو التعبير الحر السلمي بدون عنف عن رأي سياسي، والمطالبة بكشف الحساب عن مصير خيرات الوطن المستخرجة من باطن الأرض المغربية ومن ظاهرها ومن بحرها.
محمد زيان يُحكم عليه بـ5 سنوات نافذة لأنه كما جاء في الاتهام “اختلس” مليون درهم، أي 100 مليون سنتيم، وهو الاتهام الذي علل الدفاع في مرافعات مطولة افتقاده للحجج المادية القانونية.
وسنة 2016 يتم الحكم على مدير صندوق الضمان الاجتماعي بـ4 سنوات موقوفة التنفيذ بعد التثبت يقينا باختلاس 115 مليار درهم! حوالي 12 مليار دولار! 11500 مليار سنتيم! والتي كانت تشكل وقتها 80٪ من الديون الخارجية للبلد! فما نسبة التهمة – مجرد تهمة لا سند لها ولا اختصاص لها إذ الأمر موكول للمجلس الأعلى للحسابات – أقول ما نسبة هذه التهمة المتهافتة للأستاذ زيان في اختلاس 100 مليون سنتيم، مقابل الواقعة الواضحة والتي لا غبار عليها وأقرتها اللجان البرلمانية والبحث القضائي في اختلاس 11500 مليار سنتيم، فيحاكم الأستاذ زيان بـ5 سنوات، والذي ابتلع خزينة الدولة بالسجن الموقوف التنفيذ!؟
عندما تقارن بين هذه الحالات وحالة السيد زيان وأمثاله من الذين حوكموا بأحكام قاسية يبدو وكأننا نعيش فعلا في عصور غابرة لا مسؤولية فيها ولا عدالة منصفة، وأن الحاكم يتصرف بكل السلط كيف يشاء.
هذا الأمر وما سبقه من أحكام في حق مدونين عبّروا عن رأيهم ضد التطــبيع بـ5 سنوات أيضا، والأحكام السابقة ضد صحفيين ومطالبين بحقوق اجتماعية بسيطة، يشير إلى:
– أن الأحكام بالسجن مكدّسة في رفوف السلطة وتوزع يمينا ويسارا على كل من سوّلت له نفسه تعكير مزاج السلطة “المرهف جدا” والعاجز عن تحمّل أي تعبير عن رأي مخالف.
– الحكم بهذه الطريقة يقول للمواطنين إن هذه السلطة خائفة ومرعوبة جدا، وأن الكلمة الحرة والصريحة تهزها هزّا، وأنها لم تعد تحتمل أي حديث عن حقوق الإنسان وعن حقوق الناس رغم أنها، ويا للمفارقة العجيبة، تترأس المجلس الأممي لحقوق الانسان!
مع موجة الغلاء المستمرة، والتراجع المستمر الذي يعبر عنه تصنيف البلد في مؤخرة الترتيب في مجمل مؤشرات التعليم والصحة والتنمية، تبيّن مثل هذه الأحكام أن هذه السلطة ليس لديها ما تعطي للشعب في المجالات الحيوية للتقدّم والحياة الكريمة للمواطن، وأنها لبطالتها في مجالات الإبداع والابتكار والاهتمام بالملفات الاستراتيجية الحقيقية “بقات بلا شغل” وتترصد فقط كلمات وتدوينات وآراء مواطنين عزّل لتنهال عليهم بأحكام قاسية جدا وبروح انتقامية غريبة وغير مبررة، ملغية لكل مقومات المحاكمة العادلة.
قالها ابن خلدون ونقولها ونكرّرها: “الظّلم مؤذن بالخراب”، وأنتم تذهبون بالبلد إلى متاهات الله وحده يعلم مآلاتها؛ فهل غاب العقل إلى هذه الدرجة من الإجهاز على رجل تجاوز 81 من عمره لأنه عبر عن مجرد رأي؟!
إنني أصارح مهندسي هذه الأحكام الظالمة الجائرة، أن للحق ربّا يحميه، وأن الظلم قد حرّمه الله على نفسه وجعله بين الناس محرّما، وأن من بين دعوات الشر والخزي والخسران والمصائب العظمى التي تلاحق صاحبها في الدنيا قبل الآخرة؛ هي دعوات المظلوم. وفي الآخرة خزي عظيم وغضب من الجبار القهار.
فويحكم! توبوا إلى الله ولا تطغيكم سلطتكم ولا جاهكم، واعتبروا بمن سبقكم، فإن الأرض لله يورثها من يشاء والعاقبة للمتقين، والحمد لله رب العالمين.