لما عمَّ أهلَ الأرض العمى عمَّ خُلقوا له، بعث نوح لجلاء أبصار البصائر، فمكث يداويهم “ألف سنة إلا خمسين عاما” (العنكبوت: 14)، فكلُّهم أبصرَ، ولكن عن المحجة يتعامى، فلاحَ للاحي (= اللائم العاذل) عدم فلاحهم، فولاهم الصّلا (= وسط الظهر؛ أي: أعرض عنهم) إياسا من صلاحهم، وبعث شكاية الأذى في مسطور “إنهم عصوني” (نوح: 21) فأذَّن مؤذن الطردِ، على باب دار إهدار دمائهم “أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد ءامن” (هود: 36) فقام نوح في محراب “لا تذر” (نوح: 26) فأتته رسالة “أن اصنع” (المؤمنون: 27) ونادى بريدُ الإعلام بالغضب “ولا تخاطبني” (هود: 37)، فلما انهار كثيب الإمهال، وانقطع سِلكُ التأخير، غربت شمس الانتظار، فادلهمّت عُقاب (= الحرب) العِقاب، فلما انسدلت الظُّلمة، وفات (= ذهب) النور “وفار التنور” (هود: 40)، فقيل: يا نوح! قد حان حِيْنُ الحين (= الهلاك)، فاحمل “فيها من كل زوجين اثنين” (هود: 40) فتخلّف خلفٌ (= بسكون اللام: الولد الذميم) من ولده، فمد يد الحُنُوّ ليأخذه بيده “يا بني اركب معنا” (هود: 42)، فأجاب عن ضمير خائض في المساوري: “سَئاوي” (هود: 43)، فرد عليه لسان الوعيد: “لا عاصم” (هود: 43).
فلما انتقم من العصاة بما يكفي، كفَّ كفُّ النجاة كفَّة الأرض بقسر “ابلعي” (هود: 44)، وقلع جذع (= ساق النخلة) جزع (= نقيض الصبر) السما في وكف دمعها (= سيلانه) بظُفر “أقلعي” (هود: 44)، ونوديت نجوةُ الجودي جودي، بإنجاء غرقى السير، وزُوِّد الهالكون في سفر الطَّرد زاد “وقيل بعدا” (هود: 44).