في مداخلته ضمن “نصيحة الوفاء”.. د. بالقاري يتناول أهمية ربط الأساس الإيماني بالعمل الجهادي

Cover Image for في مداخلته ضمن “نصيحة الوفاء”.. د. بالقاري يتناول أهمية ربط الأساس الإيماني بالعمل الجهادي
نشر بتاريخ

اعتبر الدكتور عبد الإله بالقاري أن ثنائية الأساس الإيماني والعمل الجهادي عظيمة في ديننا الحنيف بوصفها استفراغا للوسع والطاقة في جميع الجبهات والواجهات وبهما “نحيا الحياة الحقيقية أفرادا وجماعة وأمة”، حيث إنه بدون إيمان تجف أرض القلوب وبدون جهاد نعيش الذلة والمهانة.

ارتباط العمق الإيماني بالسلوك التدافعي

الباحث في علوم القرآن وأصول الفقه، وفي مداخلته في “نصيحة الوفاء” هذه الليلة ضمن فعاليات الذكرى الثانية عشرة لرحيل الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، والتي تناول فيها تفسير قوله تعالى إنهم ‌فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا، أكد أن هذه الآية تأتي في هذا السياق الإيماني التدافعي الجهادي.

ولفت إلى أن ارتباط العمق الإيماني والسلوك التدافعي بفتية شببة هو “تعليم قرآني وهدي رباني عميق يلفت نظرنا إلى الضرورة الملحة للاعتناء بالشبـاب احتضانا وتربية وتعليما وتدريبا، فهم عماد بناء الجماعة المؤمنة ونصـرة الدعـوة وبناء الأمة ومن خدامّ مستقبلها المشرق بإذن الله تعالى”.

واستدعى عضو لجنة التربية والنصيحة في هذا الصدد ما عاشته وتعيشه الأمة هذه السنة في فلسطين وجنوب لبنان من تدافع بين الحق والباطل، موضحا أن مشاهد بطولة الشباب المؤمن بربه المجاهد في سبيله مدهشة للغاية، سائلا الله تعالى أن يبارك جهاد وصنيع هؤلاء الشباب، ذلك أن جهادهم يعد حلقة منيرة مباركة في سلسلة سنة التدافع بين الخير وروح الشر، بين الحقّ والباطل.

الفتيان هم الجامعون بين صفتي الشجاعة والتواضع

واستنادا إلى هذه الآية، يقول المتحدث إن الحق سبحانه وتعالى شهد لهؤلاء الشباب بالفتوة وهي عند أهل التربية “مقام رفيع جدا”، وأورد أقوال أهل الله وأهل التربية في هذا المقام، ومن ذلك قول الأستاذ عبد السلام ياسين في المنهاج النبوي: “نقصد بالفتوة كرم النفس الذي يدفع المؤمن للاستعلاء على الطاغوت، فيكسر الأصنام، ويبذل روحه في سبيل الله. ونقصد بها إلى جانب هذا الرفق مع المؤمنين، وخدمتهم، وتوطئة الكنف لهم. الفتيان هم الجامعون بين صفتي الشجاعة والتواضع أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ“.

وأشار بالقاري إلى أن الإمام ياسين رحمه تحدث عن أنواع الفتوة، ومنها فتوة الشجاعة التي يكون بها الفتى قادرا على كسر الأصنام والاستهانة بالنفسه ثمنا لإبطال الباطل وإحقاق الحق. وفتوة البناء التي تحتاج الصبر والخلق الجميل، وتستغني عن الشح والأنانية والأثرة. وفتوة الخدمة التي يكون بها الفتى خادما لإخوته كما أتى الله النبوة عبده يوشع بعد أن شرفه بخدمة رسوله موسى عليهما السلام.

الجماعة المؤمنة محضن تربية الرجال القائمين

وفي معاني الآية الكريمة أيضا، اعتبر المتحدث أن هذه الجماعة كما تكونت لأولائك الفتية باعتبارها بيئة منيرة منورة بالإيمان “هي محضن تربية الرجال القائمين لله عز وجل، ومدرسة تأهيل الدعاة إلى الله تعالى”، لافتا إلى أن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عمد بعد بعثته إلى بناء النواة الأولى لجماعة المؤمنين التي كان أكثرها من الشباب لأنهم أقبل إلى الحق وأهدى للسبيل ممن شاخ وعتى في الباطل.

وعلى هذا الأساس خص الإمام المرشد الشباب “بخطاب فيه تبشير وتذكير وتحذير”، ونص على ذلك في المنهاج النبوي بقوله: “إننا بحاجة لبناء أمة، والشباب يكوّنون في مجتمعاتنا المفتونة جيشا من العاطلين الذين أسيء تعليمهم وتربيتهم… يجب أن نعدهم إعدادا جادا ليكونوا جند التحرير والبناء.”

وفي قوله تعالى (وربطنا على قلوبهم) أشار المتحدث إلى أن ذلك يعني إلهامهم الصبر وإثبات القلوب لما سيأتي بعد وهو قوله (إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا)، وأورد كلاما لابن كثير يقول فيه: “توافقوا كلهم على كلمة واحدة، فصاروا يدا واحدة وإخوان صدق”، وهذه الوحدة القوية التي صنعها الله ومنّ بها سبحانه على هؤلاء الفتية الصادقين المؤمنين أثمرت بتوفيق الله وحدة الشعور ووحدة السلوك ووحدة الولاء لله تعالى، يقول بلقاري.

مفتاح الفتوة الأعظم

وفي حديثه عما اعتبره “مفتاح الفتوة الأعظم” أورد كلاما مهما لأهل العلم في تعريف الفتوة، إذ إن سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رحمه الله عرّف حقيقتها بصفاتها وخصالها حين سُئِلَ عَنْها، فقَالَ كلاما طويلا جاء فيه أنها “الْعَقْلُ وَالْحَيَاءُ، وَرَأْسُهَا الْحَافِظُ، وَزِينَتُهَا الْحِلْمُ وَالْأَدَبُ، وَشَرَفُهَا الْعِلْمُ وَالْوَرَعُ، وَحِلْيَتُهَا الْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَوَاتِ، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةُ الرَّحِمِ…”

وذكر الباحث أن بِشر الحافي رحمه الله عرفها بالمتصف بها مثل الإمام أحمد رضي الله عنه الرجل القدوة، موضحا أن الفتوة هي قبل كل شي “اقتداء وتأسّ واتباع للربانيين المجاهدين”، وفي ذلك أورد قولا للأستاذ عبد الكريم العلمي: “وصحبنا ورأينا فتى رحمة الله عليه بكل هذه المعاني، متوقّدا مشتعلا لا يعرف نهائيا معنى للعجز والكسل همّة عالية، أعطانا الله تعالى هذه القدوة، فحين يحس الإنسان في نفسه ومن نفسه تخاذلا… عليه أن يرى ويستحضر هذا المثال يرى القدوة”.

وختم الدكتور بالقاري حديثه بالحديث عن الجماعة وما يسري فيها من هذه المعاني والخصال العظيمة، مشددا على أن مثل هذه المواضيع ينبغي أن تكون منطلقا وبداية لا أن تكون من المواضيع الفكرية، ومعنى ذلك أخذ المعاني والتقاط الإشارات. وفي ذلك حياة للقلوب أفرادا من أجل الترقي في مدارج الإيمان الإحسان، وجماعة للنهوض من أجل خدمة أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوة ومدافعة للباطل وأهله.