في سياق وطني موسوم بأزمة اجتماعية خانقة، جراء سوء السياسات الحكومية وتوالي سنوات الجفاف، والمناخ الدولي المتوتر، وتفاقم حالة العبث السياسي التي يعيشها المغاربة مع تجريف الحقل السياسي والنقابي وطغيان الفساد والريع، نشرت جماعة العدل والإحسان وثيقة سياسية من حوالي 200 صفحة تضمنت 777 مقترحا وإجراء عمليا.
في المحور السياسي تناولت الوثيقة الأحزاب والنقابات والجمعيات. فبعد أن ذكّرت بأدوار العمل النقابي المتمثلة في الدفاع عن حقوق الشغيلة ضد الجور والظلم والاستغلال والإقصاء الاجتماعي والإسهام في تحقيق السلم الاجتماعي والتعبئة الاقتصادية والحفاظ على التوازن بين قوة العمل والقوة الضاغطة للمشغل، بين مؤسسات الدولة (برلمان وحكومة) المسؤولة عن إرساء وتطبيق القوانين التي تخدم الصالح العام، بسطت أهم عوامل الإضعاف والإفساد.
مرمى هذه المقالة الوقوف عند هذه العوامل وتفكيكها، ومن ثم إغناء النقاش حول مقترحات الحلول التي تطرحها الوثيقة.
1- نظام سياسي استبدادي يقمع ويضعف ويفسد العمل النقابي
تسعى الدولة لتعميم الهشاشة في القطاع العام، بعد القطاع الخاص، وذلك من خلال ضرب الوظيفة العمومية وتشجيع شركات المناولة وتقليص كتلة الموظفين، وهي بذلك تقضي على العامل الأساس للتنظيم النقابي.
إذا أضفنا لذلك القمع المسلط على المناضلين، وفض الاعتصامات بالقوة، وتفعيل الفصل 288 من القانون الجنائي، والاقتطاع من الأجور من دون سند قانوني، ومشروع قانون الإضراب الذي يعد مقننا له حدا يقترب من المنع، نكون بصدد الحظر العملي لكل حركة نقابية احتجاجية مطلبية خارج عباءة المخزن وأدواته السياسية.
2- خنق حرية العمل النقابي
الإطار الأممي المنظم لهذا الحق هو الاتفاقية 87 للمنظمة الدولية للشغل التي ما زال المغرب متملصا من توقيعها، مع ما يسجل سنويا من انتهاكات للحقوق النقابية على مستوى المقاولات والعديد من الإدارات، من خلال إغلاق المعامل وطرد وتسريح العديد من العمال والعاملات، بسبب الانتماء والنشاط النقابيين، وتحيز السلطة للمشغلين وتدخلها ضد العمال والعاملات، بتعنيفهم واعتقالهم ومحاكمتهم خلال النزاعات الشغلية.
3- استقطاب النقابات وإضعافها
عمق أزمة العمل النقابي تلخصها أرقام المندوبية السامية للتخطيط التي تحدد نسبة التبطيق في صفوف الشغيلة المغربية في حدود 4 في المائة.
هذه النسبة هي نتيجة لسياسات مورست في المجال عبر سنين طويلة، وهي على بساطتها أفرزت نقابات تتعرض لحملة استقطاب وتدجين وإضعاف حادة بسبب هواجس النظام من بروز أية حركة نقابية جادة ومتجذرة.
حصيلة هذا الإضعاف والاستقطاب نراها عيانا في بروز إطارات نضالية أحدثت رجة كبيرة في المشهد الاحتجاجي المطلبي (التنسيقيات)، واستعراض النظام عضلات استبداده؛ عبر تمرير مدونة الشغل، والتغطية الصحية، وميثاق التعليم، وإصلاح أنظمة التقاعد، وفي الطريق مشروع قانون الإضراب المكبل لهذا الحق، ومشروع قانون النقابات… والبقية تأتي.
4- غياب الديمقراطية الداخلية
وهذا مرده إلى غياب استقلالية القرار عند أغلب النقابات والتبعية للفاعل السياسي أو الخضوع لقرارات وتعليمات الحاكمين، ولا أدل على ذلك من موقف المركزيات من حراك ودستور 2011 وتوقيعها على اتفاقات الحوار الاجتماعي آخر لحظة بعد أن يكون رفضها وتهديدها ووعيدها قد بلغ الآفاق.
5- التعامل بانتهازية مع المطالب العمالية
نصل لأهم نتيجة لقمع الكفاءات النقابية الجادة، وإضعاف النقابات، وتغييب الديمقراطية الداخلية المتمثلة في بروز ممارسات انتهازية على المستوى القطاعي والمركزي وفي الأجهزة التنفيذية والتقريرية للمركزيات النقابية وفي صياغة الملفات المطلبية والتعامل مع المطالب العمالية والمهنية.
ومما عمق أزمة العمل النقابي اشتغال الحكومات على سياسة التشتيت والتفريق داخل القطاع الواحد، كل ذلك أنتج سخطا كبيرا وسط الشغيلة المغربية والسعي للبحث عن بدائل نضالية.
لتجاوز عوامل الإضعاف والإفساد المذكورة آنفا، تؤكد الوثيقة على مبادئ تجديد روح الحركة النقابية عبر: “وسائل الضغط والتفاوض وتجنيب الفعل النقابي وسائل التخريب أو شراء الذمم، وندعو لتجاوز منطق الصراع المنتصر للمصلحة الخاصة إلى منطق التعاون لتحقيق المصلحة العامة لكل الأطراف، الأمر الذي يفرض ضرورة تنسيق الجهود بين النقابات والدولة والقطاع الخاص في إطار حوار اجتماعي حقيقي وعادل وممأسس ومنتج. ونرى من الضروري تنويع وتطوير مجالات الاشتغال النقابي لتشمل، إلى جانب المجال المطلبي دفاعا عن المصالح المادية والمعنوية للطبقة العاملة، المجال التكويني تنمية للوعي السياسي والقانوني، والمجال المهني تحسينا للأداء وتأهيلا للذات، والمجال الاجتماعي والتواصلي، دون نسيان المجال الأخلاقي القيمي”.