قراءة في كتاب: “جماعة المسلمين ورابطتها” للأستاذ عبد السلام ياسين (3)

Cover Image for قراءة في كتاب: “جماعة المسلمين ورابطتها” للأستاذ عبد السلام ياسين (3)
نشر بتاريخ

الفصل الثالث: جماعة المسلمين

جعل تحت هذا الفصل تسع فقرات، (من فارق الجماعة) ذكر الكاتب بعض الأحاديث التي يساء فهمها والتي تتعلق بلزوم جماعة المسلمين وإمامها، واستنبط منها معاني تصحح الفهم وتقومه، نذكر منها قوله بأن الفقهاء أجمعوا على واجب إقامة إمام المسلمين ومن ثم وجوب بناء جماعة للمسلمين) 1 .

(العالمية والقطرية) في هذه الفقرة أجاب الكاتب عن إشكال أرق العاملين للإسلام من دعاة وحركات إسلامية، بل شوش على ذهن العامة والخاصة، ومفاده لماذا هذا الاختلاف في المناهج الفكرية والتربوية والتنظيمية، لو أن هذه التنظيمات والمناهج الدعوية اجتمعت في تنظيم عالمي عوض العمل القطري، اعتبر الكاتب هذا الوقف سذاجة معها طيبوبة) 2 وذكر أن العلماء والمربين انقسموا حول هذه القضية إلى فريقين: فريق يريد البناء من فوق فيذكر بعالمية الدعوة، وعموم الرسالة، وفريق يطرح المصاعب العملية ويشير ببدء البناء من تحت، من الركائز القطرية ليقام عليها بعد صرح الإسلام وقبته) 3 .

وذهب الكاتب مع المذهب الثاني، وذكر جملة مصاعب للبناء من فوق، منها إعجاب البعض بنموذجه وفرضه على الأمة بحجة أسبقية التصدي، وهو رأي الشيعة في إيران في إيران يقول الشيعة إن ولاية الفقيه ملزمة للأمة كلها ويقولون إن الفقيه صاحب الولاية هو أسبقهم للتصدي أي الذي سبق فبرز في الأمة قائدا وانتصر) 4 .

ورد الكاتب على هذه الدعوى بقوله: واعتباره النموذج الأوحد مما يتنافى مع الشورى والإجماع، خاصة وللمذهب الشيعي وعقيدته وعاداته من الخصوصيات ما لا نقبله بوجه نحن أهل السنة والجماعة سواد الأمة) 5 . وذكر الكاتب أنه كلما حصلت حركة: على إجماع الأمة كان منهاجها هو المنهاج وأمرها هو الأمر، بعد أن تنضم إليها قوى الأمة الحية وتنضم هي إليها) 6 عوض العصبية وفرض الرأي الاجتهادي والمنهاج الحركي السياسي التربوي التنظيمي.

لكن الكاتب رغم أنه يتبنى رأي العمل القطري إلا أنه يقترح خطة عمل تصب في طريق العالمية، كأنه رأي توفيقي بين المذهبين يقول: عالمية واحدة ممكنة وواجبة في انتظار الإجماع المرتقب نضجه إن شاء الله، وهي عالمية التنسيق والتآزر والدعم وتبادل المعلومات والرأي وتوحيد الأهداف الجزئية وتقريب الشقة. وواجب كل قطر سبق للتحرر أن يخصص كل فضول ماله وقوته وحيلته لنصرة المسلمين المجاهدين) 7 .

(من هم جماعة المسلمين؟) بعد أن ذهب الكاتب مذهب القائلين بالعمل القطري ولكي لا يتبادر إلى ذهن القارئ أن الكاتب يدعوا إلى التجزئة قال: معاذ الله أن نكون ممن يرضون بالتجزئة، فأحرى أن ندعو إليها باسم قطرية العمل في مراحل التحرير) 8 . ثم أكد على مشروعية سؤال: من هم جماعة المسلمين؟ وناقش مبدأ الخلاف في تاريخ المسلمين أنه كان مع سيدنا عثمان رضي الله عنه، لما سمح للمهاجرين وللعلماء المسلمين بالتفرق في البلاد والأمصار، وانقطع إليهم الناس فكثرت الآراء واختلفت، فشكل كل عالم من علماء الصحابة نواة جماعة علمية ودعوية تربوية) 9 ، عكس ما كان عليه الأمر في عهد عمر بن الخطاب حيث منعهم من الخروج من المدينة: إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة انتشاركم في البلاد) 10 . وفي إطار ذكر الكاتب لمشروعية هذا السؤال يدعوا القارئ للتأمل في الأمراض التي دخلت على الأمة في تاريخها، لينتهي للتساؤل عن جماعة المسلمين: مر بذهنك على هذه القرون وفتنها، وما دخل على الأمة من وهن، وما توالد من مدارس، وما نشأ من خلاف، وما حدث من لعب السياسة بالدين، وما طرأ من خمول وموت على الهمم، ثم حط رحلك مع المتسائل من إخوانك عن جماعة المسلمين التي تقدر ويحق لها أن تعيد للوجود دولة القرآن) 11 .

وفي (فقه المسألة) تابع الكاتب موضوع الإجابة عن السؤال الذي طرحه قبل، أن المتصدر للإجابة عن هذا السؤال يحتاج فقه دقيقا، ونقل عن الإمام الشاطبي مذاهب الفقهاء في تعريف الجماعة الناجية في كتاب الاعتصام، مختصرا منه خمسة آراء في المسألة، الرأي الأول: أنها السواد الأعظم من أهل الإسلام، والثاني: أنها جماعة أئمة العلماء المجتهدين، والثالث: جماعة الصحابة على الخصوص، والرابع: هي جماعة أهل الإسلام، والخامس، أنها الاجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة.

لكن الإمام الشاطبي بعد ذكره لهذه الآراء خلص إلى رأي جامع وافقه عليه الكاتب وزاد عليه في قوله: ونحن بعد ستة قرون من زمان الشاطبي رحمه الله، نتصفح معه آراء أئمة الفقه في موضوع الجماعة الناجية، فنتفق معه في منطوق اجتهاده من أن جماعة المسلمين هم العلماء المتصدرون لقيادة العامة، وأن الاعتبار لهم أولا والسواد الأعظم لهم تبع، وخلف هذا المنطوق المشترك نفهم غير ما يتوقع أن يقصده من كان في مثل ملابسات ذلك الزمان، نلتمس من وراء هذا المنطوق المشترك سنة تنافي البدعة والضلالة منافاة شاملة في ميادين الحكم كما تنافيها في ميادين الاقتصاد والقسمة، كما تنافيها في العقيدة والتعبد، ونلتمس جماعة يقودها علماء مجتهدون ومجاهدون جامعون مجندون كما كان المهاجرون والأنصار جامعين مجندين) 12 .

(النواظم الثلاث للجماعة) افتتح هذه الفقرة بقوله: لا يصح إطلاق اسم جماعة المسلمين واسم أمير المومنين إلا عندما يتأتى إجماع علماء الأمة المهاجرين الأنصار، ومن ورائهم سواد الأمة موافقا مؤيدا، على هيئة إسلامية ولو تعددت في إطارها التنظيمات) 13 . يؤمهم إمام واحد وبهذا يكون الانتماء لجماعة المسلمين المنجي من الميتة الجاهلية هو انتماء الولاء، وانتماء التهيؤ، وانتماء تركيز الجهود للوصول إليها.

وأن على كل منتمي في أي تنظيم عليه أن يعمل لمستقبل وحدة جماعة المسلمين، ثم ذكر الكاتب النواظم الثلاث في الطريق إلى وحدة جماعة المسلمين بقوله: 1- الحب في الله والبغض في الله، هذا هو المعنى القلبي للولاية. 2- الشورى وإجماع الرأي والاتفاق على الخطة العامة، وهذا معناها العقلي، ولا ينقدح الخلاف في الفروع والأسلوب بين تنظيمات العاملين في الإجماع المطلوب على الخطة العامة. 3- الطاعة للقيادة، وهذا معناها وشرطها العملي التنفيذي الجهادي) 14 .

ثم يقترح الكاتب ثلاث قضايا للتنسيق بين التنظيمات الإسلامية في أفق المستقبل: قضية تهذيب النفوس، وترفيع الهمم، وتصقيل القلوب، لنحب كل مجاهد ونتوق إليه، ونعتاد اعتباره عضوا من جسمنا، ثم قضية ترفيع الفهم، وتحرير العقل من عوائق الطائفية والمذهبية، ليتفاهم جند الله المنبثين في أرض الله على كلمة سواء، ثم قضية كسر الحواجز النفسية التي تحجب عنا أننا أمة واحدة من المحيط إلى المحيط، بل في الأرض جميعا خلفاء لله، وتنسينا عظمة الإسلام، وضرورة توحيد دار الإسلام تحت راية واحدة وإمام واحد في دولة القرآن) 15 . ويرجع الكاتب مرة أخرى ليعطي للقارئ مبررات العمل القطري بأن أهل كل قطر أدرى بشعابه وأقدر على مخاطبة الناس بلسانهم.

(الجماعة القطرية) وفي هذه الفقرة يؤكد الكاتب أن الدعوة إلى العمل في شكل الجماعة القطرية أو الرابطة القطرية المؤلفة من تنظيمات متعددة ليس مناقضا لوحدة جماعة المسلمين إلا أن تكون القطرية حلا دائما، وكيانا يراد له البقاء في التجزئة) 16 . ويضيف أن الدعوة إلى ذلك لما يحققه العمل بهذا الأسلوب من سهولة التنظيم القطري في التعاطي مع الأحداث بالمرونة والسرية، والتي قد لا يحققها التنظيم والعمل العالمي، كما أنه لا يمكن بل من الصعوبة تحرير كل الأقطار الإسلامية مرة واحدة، بل لا بد من التدرج في ذلك.

وعلى هذا ينبغي أن تتكون الجماعة القطرية أو الرابطة القطرية المؤلفة من تنظيمات، وتكسب ثقة الشعب ليجيء بعد ذلك أسلوب القومة الذي يرجع في خطوطه الكبرى إلى اتحاد الشعب على مواجهة دولة الباطل إما بالإضراب العام، أو الفوز في الانتخابات.

(الجماعة الواحدة والتعدد) ذكر الكاتب أن توحيد التنظيمات داخل القطر قي تنظيم واحد أو في رابطة تنظيمات متعددة مطلب ملح 17 فإن تعذر التوحيد فالمطلوب مساندة التنظيم الأكثر نجاحا وتوفيقا.

ثم يؤكد الكاتب على أنه بعد القومة ينبغي الإيمان بالاختلاف والتعدد سواء داخل الصف الإسلامي أو خارجه، يقول الكاتب بخصوص الإيمان بالاختلاف مع المخالف خارج الصف الإسلامي: فالموقف الأذكى الموافق للشرع الإسلامي هو إفساح المجال لمن خالفنا في الرأي ليطرح ما عنده) 18 . ويقول بخصوص المخالف من داخل الصف الإسلامي: ومن ثم فهي مرحلة يحتمل فيها التنظيم المتصدي الوجود الأخوي لزملائه في الجهاد، وجودا يسمح لهم بالتعبير، والتحرك، والمشاركة في اختيار رجال الشورى والحكم، في انتظار توحيد حزب الله القطري في رابطة إسلامية تستقل في إطارها التنظيمات وتتعاون) 19 .

(المعارضة المخربة) يقول الكاتب أن الديمقراطية الجاهلية إذا كان من مميزاتها إعطاء حق التعبير للجميع، فإن للشورى تفوقا حاسما إذ أن النظام الشوري أول ما يفرض هو الحق في التعبير، بل يفرض على كل مسلم أن يمارس حقه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ويؤكد الكاتب أن حرية التعبير لا تعني فتح الباب للمفسدين والمعارضين للحق والعدل: لا بد من تطويق عمال التخريب وأجراء الهدم، ويبقى الصادقون ممن لهم سابقة جهادية أو ممن لحقهم بإيمان، فلهؤلاء الحق في إبداء رأيهم، ونقد الحكومة، وطرح برامجهم البديلة داخل تنظيم الجماعة القطرية أو الرابطة القطرية، يتألفون إلى داخلها من أبواب الولاية الثلاث: التحاب في الله، والتفاهم مع حرية الاجتهاد، ثم الطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر) 20 .

(الإسلام دين جماعة) يقصد الكاتب أن الإسلام يدعو إلى الاجتماع والألفة وجمع الكلمة، ويتجلى ذلك من تشريعاته كالصلاة والجمعة والعيدين والحج… وزاد الكاتب هنا عما ذكره في المنهاج النبوي عن عضوية الجماعة وشروطها ومراتبها من التربية والتنظيم والزحف، أن الجماعة أو الرابطة القطرية بعد توليها الحكم، ينبغي أن تجند الشعب في اتحادات، تربط بين الجماعة الأم والسواد الأعظم بأعضاء ذوي السابقة: فمن خلالها ينتشر في الشعب حتى قواعده تأثير الجماعة وتربيتها وتجنيدها) 21 .


[1] ص: 68.\
[2] ص: 69.\
[3] ص: 69.\
[4] ص: 71.\
[5] نفسه.\
[6] ص: 72.\
[7] ص: 72.\
[8] نفسه.\
[9] ص: 74.\
[10] القولة لسيدنا عمر ص: 73.\
[11] ص: 74.\
[12] ص: 78.\
[13] ص: 79.\
[14] ص: 80.\
[15] ص: 82.\
[16] ص: 83.\
[17] ص: 85.\
[18] ص: 86.\
[19] ص: 87.\
[20] ص: 88.\
[21] ص: 89.\