قصة قصيرة: ألو…من؟

Cover Image for قصة قصيرة: ألو…من؟
نشر بتاريخ

رن محمولي والساعة تشير إلى السابعة صباحا من يوم الأحد، فتحركت في سريري وتناولته بحركة متثاقلة وتكلمت:

الحسين – ألو ، من؟

المهدي – أنا؟ أنا صديقك وزميلك في الكلية بالبيضاء، المهدي.

الحسين – عفوا. ذاكرتي ضعيفة. لقد مضى على تخرجنا ما يزيد عن سنة…

المهدي – أنا من الجديدة ، ألا تذكر كرة المضرب يا بطل؟

الحسين – كرة المضرب؟ أنا بطل؟

المهدي ـ وتخميني لا يكذب . أنسيت المجهود المضني الذي كلفتني يومها ؟

الحسين – نعم نعم. كيف لا أذكر وقد كانت المرة الوحيدة التي أمسكت فيها المضرب في حياتي. ألست أنت الذي…

المهدي ـ نعم أنا الذي حاولت طويلا يومها أن أجعلك تمسك المضرب في خفة ومرونة، ووعدتك أن اجعل منك بطلا في تلك الرياضة.

الحسين – وفي النهاية تبادلنا أرقام الهواتف لكي نبقى على اتصال.

المهدي ـ نعم وتبادلنا أيضا عناويننا. الحمد لله، ها قد عرفتني. كيف الحال يا أخي . ما أخبارك؟

الحسين ـ الحمد لله . لقد اشتغلت مع أبي في قوارب الصيد لأني لم استحمل البطالة.

المهدي- أما أنا فقد اشتغلت بأحد مراكز التجارة بالهاتف.

الحسين ـ مبروك…

المهدي- اسمع أيها الطيب، لن أطيل عليك. أنا الآن في عطلة وقد برمجت رحلة إلى الجنوب سأبدؤها بمدينة أكادير. عنوانك، هل هو الذي معي ؟ فأنا مشتاق لاسترجاع ذكريات الجامعة معك، الحقيقة إني اشتقت إليك.

الحسين – ولكن…

المهدي – لا تتعب نفسك بالكلام سننهي حديثنا حين أصل في المساء. فقط قل لي ألم تغير العنوان الذي أعطيتني يوم كرة المضرب؟

الحسين – لا. ولكن…

انقطع الخط . كنت أريد أن أقول له بأني أعمل غدا وبحاجة إلى النوم مبكرا. لكن لا بأس. فأنا كما قال. رجل طيب وكما يقول المثل الشعبي : “الضيف غير ضيف، واخا يكلس شتا وصيف”. مضى اليوم بالسرعة التي تمر بها أيام الأحد . وقبيل المغرب، استأذنت والدتي في الغياب عن مائدة العشاء، تأهبا مني لاستقبال هذا الزميل، واصطحابه إلى أحد المقاهي لاحتساء قهوة أو مرطب ما. والحقيقة أني أخجل من نفسي أن يكون هناك شخص مشتاق لرؤيتي في الوقت الذي لم اعد أنا أتذكر حتى قسمات وجهه، لندرة المرات التي تبادلنا فيها الحديث . ولكنها فرصة كما قال لاسترجاع ذكريات الجامعة . يعجبني في مدينتي أني استطيع أن أضع كرسيا بالباب، وأتمتع برطوبة الجو بعد يوم حار، وبنسائم البحر تغزو خياشيمي وتبعث في كياني انتعاشا يهبني الإقبال على أسبوع العمل بنشاط وحيوية. وجلوسي هذا أمام الباب لا يثير انتباه احد على عكس ما يحدث في بعض المدن الأخرى. جلست وبدأت أجتهد لكي أتذكر وجه المهدي واسمه العائلي لكن بدون جدوى. لازلت كذلك، فإذا بسيارة أجرة كبيرة تتوقف أمامي عند الرصيف، إنه المهدي، ولكن صاحب السيارة يحمل معه أناسا آخرين، كما يفعل أغلبهم سامحهم الله، يحملونك ويتوقفون في كل حين ليقلوا زبونا أو ليضعوا آخر، وكأنك في حافلة. نزل المهدي من السيارة وهو يعلق حقيبة على كتفه وقد عرفته الآن حين رأيته، فأسرعت بالاقتراب منه لاستقباله، وأنا انتظر أن تتحرك السيارة، لنذهب إلى المقهى. إلا أن السائق نزل منها، وفتح الصندوق الخلفي للسيارة وطفق يخرج منها مجموعة من الحقائب. في نفس الوقت، فتح صديقي البوابة الخلفية الموالية للرصيف، فنزلت منها امرأتان متقدمتان في السن وشابة في مقتبل العمر على نصيب من الجمال. ركب السائق سيارة الأجرة التي أفرغها ببابي، وضغط على البنزين منصرفا من الزقاق، وأنا أتبعه بنظراتي غير مصدق لما يحدث… فإذا بالمهدي يوقظني من شبه غفوتي قائلا: – هذا صديقي الطيب: الحسين. وهذه أمي الحاجة الطاهرة، وزوجتي دلال، لقد نسيت أن أخبرك بأني احتفلت بزواجي منذ أسبوع، وهذه أمها…الحاجة طامو. بالأحضان ياأخي…