قصتي مع “طوفان الأقصى”.. رجال الطوفان فخر الأمة وأبطالها

Cover Image for قصتي مع “طوفان الأقصى”.. رجال الطوفان فخر الأمة وأبطالها
نشر بتاريخ

تأملات

بتاريخ السابع من أكتوبر 2023 صحوت والعالم على العملية البطولية المفخرة التي شنتها المقاومة الفلسطينية، والتي تعتبر أكبر ضربة موجعة للكيان الصهيوني الغاشم في تاريخه، دخل أولئك المجاهدون الشجعان من غزة الأبية إلى الأراضي المحتلة على حين غرة من العدو وبطريقة سريعة مدروسة وغير متوقعة، أربكت حسابات جيش الاحتلال، تلك القوة التي نعتوها بأنها لا تقهر وهي أوهى من بيت العنكبوت، تبجحوا بالتكنولوجيا والأسلحة المتطورة، هذه الأخيرة التي خذلتهم أمام فصيل مقاوم للظلم والطغيان بأبسط المعدات، وإيمان قوي وتوكل على القاهر الجبار، شعارهم الدائم “لن نركع ولن نرحل”.

ما أشبه اليوم بالأمس

منذ بدايات اندلاع الحرب الشرسة وردة فعل العدو التي هدفها الإبادة الجماعية بدليل استهداف الضعفاء من الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين  العزل، كنت أترقب وأتابع الأخبار أولا بأول، وكل يوم أجده أشد وطأة من سابقه على إخوتنا وأهلينا هناك، نترقب النصر الموعود ونصلي وندعو رحمة وشفقة على هذا الشعب الأبي الأعزل الذي أذاقه جيش الاحتلال شتى أصناف العذاب والتضييق على مدى عقود من الدهر ليركعه ويذله ولكن هيهات هيهات.

هو إذن عدوان صهيوني ممنهج، وقوى غير متكافئة، وحرب إبادة. عدو متغطرس متجبر يجعل بنك أهدافه أطفالا يرتقون إلى السماء كل يوم بأعداد مهولة، كل يوم غارات أغلبها بالليل والناس نيام ليظهر خبث النية والغدر المتجذر، يجبرون الأهالي على التوجه إلى مناطق على أساس أنها آمنة ليذهبوا إليها ثم يشنون عليهم غارات شعواء ومجازر جماعية، فترى أشلاء متناثرة هنا وهناك، أو أجساد متفحمة وأخرى متحللة، ومنها القابعة تحت الأنقاض، كل هذا وذاك للقضاء على جيل فلسطيني بأكمله؛ إما قتلا أو تجويعا أو تهجيرا أو اعتقالا.

الحدث الجلل

أيام عصيبة مرت وتمر علي إثر تلك الأحداث التي يشيب لها الولدان، مرة تسيل العبرات وأخرى يجافي المآقي النوم، صور بشعة دامية تمر على مخيلتي كأنها كوابيس، وتارة يصيبني اليأس والكآبة من هول ما أرى على الشاشات أو في مواقع التواصل الاجتماعي، مشاهد مؤثرة تنحبس لها الأنفاس، وتتسارع دقات قلب لا يستطيع تحمل هول  المنظر، نحن نرقب من بعيد، سلاحنا الدعاء والصلاة والمقاطعة الاقتصادية حتى لا تتلوث أيدينا بدماء إخواننا، نشهد الوقفات والمسيرات التضامنية، ونساهم في التعريف بالقضية التي يحاولون طمسها، علّ أصواتنا وحناجرنا وشعاراتنا المنددة للظلم والعدوان على أقصانا ومقدساتنا تشفع لنا عند الله يوم القيامة وهو أضعف الإيمان، هذا حالنا نحن فما بالك بمن يعيش الحدث وفي قلبه، لا أمان ولا أكل ولا شرب ولا دواء…

إن ما يخفف عنا وطأة الأحداث المؤلمة أنهم نالوا الشهادة، والمصير حتما جنة الخلد ورب راض، سمعنا غير ما مرة بأن رائحة المسك الزكية كانت تفوح من أجسادهم الطاهرة، وكرامات ورؤى، ودعم رباني خفي…

تذكرت حينها محطات عسيرة شبيهة طالما درسناها في سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم العطرة، وكأن التاريخ يعيد نفسه، كحصار شعب أبي طالب، حينما حوصر النبي الكريم وصحابته رضوان الله عليهم ثلاث سنوات شداد، وهم يومئذ قليلون مستضعفون، أكلوا أوراق الشجر وخشاش الأرض من شدة الجوع إثر المقاطعة، وربطوا الحجر على بطونهم جوعا وعطشا. ويوم الطائف وشدته على النبي صلى الله عليه وسلم حين استنصر بعض القبائل فأبوا إلا أن يؤذوه ويطردوه. وغيرها من المواقف العصيبة في تاريخ صدر الإسلام، وكما قيل “لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها” وهو الصبر والمصابرة ومدافعة الباطل، والذود عن الأرض والدين والعرض وعن مقدسات الإسلام والعودة إلى الجهاد لنشر الإسلام والدلالة على الله لإعلاء كلمة لا إله الا الله.

لماذا الأطفال؟

إن اليهود لهم تاريخ أسود على مر التاريخ، يعيثون في الأرض فسادا أينما حلوا وارتحلوا، هم قتلة الأنبياء والرسل والمصلحين، لا عهد لهم ولا ميثاق، ناقضين للعقود، هكذا جاء وصفهم في كتاب ربنا وسنة نبينا، ويسمون أنفسهم شعب الله المختار.

إن الاستهداف الإسرائيلي الممنهج ضد الأطفال والنساء خلف أكثر من 15 ألف طفل شهيد وأكثر من 21 ألف طفل مفقود إما أنهم دفنوا في مقابر جماعية أو أنهم لا يزالون تحت الأنقاض، أي بنسبة 50 بالمائة، والعدد في تزايد مستمر، إضافة إلى الأطفال الخدج الأبرياء الذين مات منهم الكثير إثر انقطاع الكهرباء المتعمد وبالتالي توقف الأكسجين عنهم، ثم قصف المستشفيات التي تؤويهم وباقي جرحى الحرب، كان منظرهم وقد ازرق لونهم بعد الاختناق له وقع شديد في نفسي، منظر لن أنساه أبدا، قمة الجور والطغيان، ناهيك عن بقر بطون الحوامل أو إجهاضهم من الخوف أو التعذيب.

أطفال فلسطين يخيفونهم حتما، فقد رضعوا من أمهاتهم الشهامة والإباء، وورثوا عن آبائهم وأجدادهم الشجاعة والإقدام، إنهم رجال في أجسام أطفال، استمع لهم وهم يتحدثون عن أرضهم بكل فخر وإصرار، إنهم مشاريع مجاهدين ومشاريع شهداء؛ تلك قناعاتهم.

الوهم الكبير

لم تتمكن كل القوانين الدولية والإنسانية ولا الضمير العالمي من حماية تلك الفئة الضعيفة المستضعفة من صواريخ العدو الذي أتى على الأخضر واليابس أثناء هجومه المسعور، وبمباركة أمريكا وحلفائها وتحت صمت وخذلان  الحكام العرب.

يا للعار لمن يتشدقون بحقوق الطفل وحقوق المرأة! أين اتفاقية جنيف؟ وأين قوانين الحرب الدولية المسطرة؟ أم تراهم يزنون بمكيالين كعادتهم أو ما يسمى بازدواجية المعايير في عرف السياسة الدولية الخربة، ونراهم عندما يقاتل رجل مسلم في الحرب دفاعا عن دينه وأرضه يسمى إرهابيا، وعندما يستشهد يسمونه “داعشيا” و”تكفيريا” و”إرهابيا”، وعندما يقتل الكافر الأبرياء يسمى بطلا ويرفع اسمه في الآفاق ويقلد أوسمة البطولة والشرف والشجاعة، أي منطق أعوج هذا؟ تبا لها من قوانين جائرة، بل هي أكذوبة صدقتها الشعوب المضطهدة الساذجة.

أمــا واللــه إن الظلـم لـــــؤم

ومازال المسيء هـو الظلـــوم

إلى ديـان يـوم الدـين نمضي

وعنـد اللــه تجتمـع الخصـــوم

ستعلم في الحساب إذا التقينا

غــدا عنــد الإلــه مـن الملـــوم

سجـل يا تاريخ

رجال طوفان الأقصى هم فخر هذه الأمة وأبطالها، وجب أن تدرج ملحمتهم المباركة “طوفان الأقصى” في كتب التاريخ لتدرس للأجيال القادمة، مجاهدون من الطراز الأول من طينة نادرة، أغلبهم من حفظة كتاب الله، اعتادوا على شظف العيش والحياة تحت الأنفاق، والتدريب المستمر على الجهاد، محافظين على أخلاقيات الحرب الرحيمة، ليعطوا بذلك صورة مشرفة عن الإسلام والمسلمين، وليصححوا تلك الانطباعات الخاطئة المتوارثة والمدسوسة، إذ صور أعداء الله الإسلام بأنه دين الدموية والتقتيل، وقد استطاعوا أن يثبتوا عكس ذلك، إنه دين أعراف إنسانية بالدرجة الأولى، والنتيجة إقبال شديد على دخول الكثيرين في الإسلام، وعلى اقتناء مصاحف مترجمة، يتملكهم الفضول لمعرفة سر صمود هؤلاء المجاهدين البواسل وصمود شعبهم  المتضامن معهم.

دعــــاء ورجاء

اللهم ضاقت علينا الأرض بما رحبت، وانقطع الرجاء إلا منك، وأغلقت الأبواب إلا بابك، اللهم آمن روعات أهلنا في غزة، واستر عوراتهم، ونجهم يا الله من الخوف والفزع، ومن الجوع والجزع، واجزهم عن مشقة الحياة الفانية بما صبروا جنة وسندسا وحريرا… آميــن.