قصتي مع “طوفان الأقصى”.. “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”

Cover Image for قصتي مع “طوفان الأقصى”.. “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”
نشر بتاريخ

كنا هائمين على وجوهنا، أخذتنا طاحونة الحياة وبلادة العادة في يومياتنا، كنا نظن أن أقصانا بخير وقدسنا في أمان، نسينا لوهلة أن الأقصى محتل من طرف حثالة الأمم، المعجونة جيناتها بالغدر والخبث والشر المستطير، انغمسنا في أنانياتنا ونسينا وإن كانت هذه القضية تسكننا، لكن إيقاع الحياة السريع وهمومها الثقال حجبت عن اهتماماتنا وعن أبصارنا ذاك الجزء المبارك؛ الساكن في قلوبنا وجوارحنا. ثم إن إهمال العالم للقضية وتوهمه أنها لا تعنيه زادت من عمق النسيان، لكن ونحن تائهون هائمون منشغلون عنها كانت هناك فئة جبارة تصنع على عين الله في صمت، كانت يد الله ترعى وتشد الأزر في غفلة عن الناس، وكان العالم كله على موعد مع قدر الله؛ قدر ساقه عز وجل على أيد رجال أولي بأس شديد، ما نسوا ولا فرطوا ولا يئسوا، رصيدهم من اليقين قد جاوز النصاب، واتخذوا أقوى الأسباب، يخطون على خطى الحبيب في فهم الآي العظيم وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ. فهموا كيف تدار الحروب وخبروا نفسيات العدو ونقاط ضعفه واستناروا بظلال القرآن، رجال خبروا أن مدافعة الباطل يلزمها قوة مادية، ووعوا أيضا أن القوة يلزمها أيد طاهرة وقلوب ربانية تستمطر مدد الرحمان؛ فلزموا محارب الذكر ومجالس النور، فلما جاءهم الإذن كان الحدث العظيم؛ طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر.

استفاق العالم الموار من سباته العميق، وعين الله لا تنام، فإذا بالصاعقة التي أذهلت الجميع، كيف لشرذمة قليلة في قطعة أرضية صغيرة أن تجازف وتدخل عش الدبابير لا تبالي! فأتتهم برا وجوا وبحرا، وعبثت بكل النظريات، فبعدما تغلغل في وجدان العالم بأن بني صهيون “قوة لا تقهر”، وذاع صيتهم أنهم أصحاب حق في أرض فلسطين، وأنهم سلالة مضطهدة لابد من إنصافها، ونجحت الأكذوبة على شعوب العالم الغربي، فإذا بالزلزال العظيم يضرب في عمق الوعي البشري ويغير موازين الفهم والوعي، وينسف معتقدات كانت تبدو أبدية، فبدأ العالم يستفيق بعدما رأى صمود أهل الحق الحقيقيين، واندهش من حبهم للأرض لأنها لهم، بدأت الشعوب تصحو من أكذوبة الشعب المضطهد وكشف الله الحقيقة وسقط القناع.

ما فعله طوفان الأقصى في العالم دعويا وفي ظرف شهور معدودة لم تكن لتفعله كل جهود الدعاة والمصلحين والمبشرين بدين الله شرقا وغربا، فقد اختصر الله الزمن والجهد والأموال، كيف لا وأمره بين الكاف والنون، تقدست أسماؤه وجل ثناؤه.

وظهر جليا معنى الآية الأعمق مما نعرفه من ظاهرها كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ؛ الغلبة المادية هي النصر في الميدان، والغلبة المعنوية -وهي الأعمق- هو ما نحن بصدد ذكره: غلبة دين الله وغلبة الحق على الباطل، تغيرت أفكار الناس وانقلب التعاطف مع “إسرائيل” الذي كاد يكون أبديا في دول الغرب بما تم تدجينهم به من تأييد غير مشروط، فانقلب السحر على الساحر، وانقلب التعاطف  إلى جانب الحق وأهله، وبدأ الناس يبحثون عن الحق والحقيقة ويدخلون في دين الله أفواجا كما وعد جل وعلا، وما زالت قصص هذا الانقلاب في وجدان الناس تروى على قنوات التواصل الاجتماعي، وجاء وعد الله الذي وعد به عباده الصالحين.

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا صدق الله العظيم.