لا يسع الباحث الذي يريد الكشف عن أغوار نفائس الفكر ودرره، وما أثله علماء الأمة الأثبات الذين جمعوا بين قوة العلم سطورا، واليقين القلبي صدورا، وتركوا أثرا في الوجود لا يُمحى، وإن مرت عليه تصاريف الزمن المتعاقب… قلت: لا يسع ذاك العاقل المتئد إلا أن ينقب عن الأصول الكبرى لفكر هؤلاء، ويُجلِّي الأعمدة الراسخة لتصوراتهم، لاسيما وأن تفاريق كتاباتهم وتفريعات تحريراتهم لا تُستجمع إلا بضم شواردها، ولَمِّ منثوراتها في قواعد وأصول جامعة …
هذا وإن الجثو على الركب للاغتراف من مشكاة الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله، لَيُفضي حقا إلى الاستزادة من آليات منهجية في الفكر، وتوازنا عميقا في الرؤية، واتزانا نفسيا تجاه الطوام التي عمت الأمة، والمحن التي نخرتها فتركت أناسا مسوِّغين لتاريخ الاستبداد، وآخرين قبعوا عند المآسي والمناحي واللطمات وكأنما رشح عن كربلاء قدر حتمي لابد أن يُسَجَّى بلبوس عقدي يعسر محوه.
من تلكم الأصول الجامعة في التصور المنهاجي التي أفضت إلى طرح الإمام، المفاهيمُ التي لن يُحيط المرء بالفكر المنهاجي ونظرية التغيير النبوي عنده دون أن يحكمها فهما ويستوعبها إدراكا لتتأتى له الفروع الجزئية التي دبجها يراع المجدد رحمه الله رحمة واسعة…
أولا: آلية الانفتاح دون ذوبان
يُعد الاتئاد مع المخالف بحثا عن سبل الوفاق معه، وإقامة جسور التواصل له، مع اعتماد حوار فكري خالٍ من التجريح والتنقيص، وصولا إلى الحق، وإن اعْتُمِدت في ذلك لغةٌ غير اللغة القرآنية… أصلٌ من الأصول المنهجية التي سار عليها الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله في كتبه لاسيما الكتاب الذي بين أيدينا (مقدمات في المنهاج) الذي يقول فيه هاهنا: (وسائل يسأل: من أي قاموس تتكلم؟ وهل يجوز شرعا ويفيد بلاغا أن تتجشم كل هذا العناء، وكل هذا التغرب في ذلك الفضاء؟ ألا نتعرض ويتعرض خطابنا للذوبان في تلك التيارات؟) 1.
فيجيب رحمه الله بقوله: (فأي شيء يتسرب، أي شيء يتوقع أن يتسرب، من قنوات المفاهيم والإشكالية والجهاز المفهومي؟ ألا يوشك الريح الجارف أن يلقينا إلى تلك الأجواء المختلطة حين نفتح نوافذ الحوار ليستنشق قوم هواءنا؟
مهلا مهلا! إن تعاملنا بمرونة الحكمة مع أساليب الفكر المعاصر يدخل في إطار -ها أنت ترى المترجم يلاحقنا!- تعاملنا مع الواقع المعاصر الكلي. كان الإسلام في مولده القوة الناهضة في العالم، لم يلبث الإسلام أن ساد جنده، فكان القرآن في تلك المراحل هو الخطاب وهو المعرفة وهو الحق. أما الآن فالمسلمون حاملو دعوة الإسلام قابعون في زاوية متواضعة منهزمة جدا من زوايا التاريخ المعاصر والواقع الحضاري المعاصر رغم أعدادهم الكبيرة. أفكار أخرى تدير الفكر البشري، وقيم، وعلوم، وتكنولوجيا…) 2.
إنها الواقعية في الفكر والحكمة في القصد، وهي مناقضة لمن استمسك بالمباني والرسوم والأشكال دون النظر في الغايات والمقاصد والمعاني… ثم إن الذي ينفتح على الفكر الرائج دون تَمَاهٍ معه أو خندقة فيه، هو تساوق مع الفعل النبوي الطارق لبيوت أهل الجهالة العمياء … (لسنا بحمد الله ممن يخاف عليهم أن ينزلقوا في دروب الألفاظ فنتوحل في مستنقع يمتزج فيه كلام الخالق بكلام البشر، وتلتزج فيه معرفة الحق بــ(المعرفة الأولية بموضوع ما). نسأل الله الحفظ فإنه لا حول ولا قوة إلا به. مستنقع الخلط بين الاشتراكية والعدل، بين الديمقراطية والشورى، بين الرأسمالية و(حرية) التملك في الإسلام.
إذا كانت قلوبنا متعلقة بالله عز وجل ورسوله وكتابه، فإن تفتحنا على الواقع إنما هو تفتح ذو مغزى، ذو دلالة، ذو وجهة. إنه تفتح على آيات الله في الكون، لا نرى العالم حركة سائبة مستقلة، إنما نراه ونرى أنفسنا في قبضة الله عز وجل. الكون مسخر لنا، ومن هذا المنطلق نكسب إن شاء الله تعالى وضوح الرؤية وثبات الخطى وسلامة التقدير) 3.
ثانيا: أصل الحرية
هي قيمة سارية في مكتوبات الإمام، وتتجلى في اصطلاح اقتحام العقبة الذي جعله مفهوما رئيسا في كتاب (مقدمات في المنهاج)، ذلك أن قيمة الفرد في هذه الحياة إنما تكمن في مواجهة الفتن التي ركزت فيه ذاتا، أو مع أخيه الإنسان المصارع له اقتصادا، أو اعتصارا له ونهشا من قبل أسِنَّة الاستبداد السياسي…
إنها عقبة … (وما أدراك ما العقبة. فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسبغة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة. ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة. أولئك أصحاب الميمينة، والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة عليهم نار موصدة) 4.
هي عقبة كؤود موضوعة قدرا، وكانت سبب الوجود الإنساني في الأرض أزلا، لأنه إذا انتفت وغدا الناسُ ملائكةً أطهارا دون فتنة منغرسة فيهم… انتفى الامتحان آنذاك، وأصبح وجود الإنسان هاهنا عبثا… لأن الحساب والجزاء مرتهن باقتحام تلك العقبة الكأداء… إنها بالنص القرآني تتمحور في:
(1. الرق الذي يستعبد الإنسان فإذا هو رهين بإرادة غير إرادته. 2. العوز الذي يقعد بالمسكين واليتيم، تمنعهم المسغبة والاهتمام بالقوت عن كل خير. 3. الانفراد عن جماعة المؤمنين الذين يتأتى السفر والاقتحام في كنفهم) 5.
ولا مناص إذن عند العقلاء من الاقتحام والدخول في معمعان الحرب الضروس مع أهواء الذات نفسيا (فك رقبة)، ثم استجماع الجهد لتحقيق القوة المادية أو ما يسمى بالتحرر الاقتصادي ثانيا (إطعام في يوم ذي مسغبة)، أو التحزب سياسيا مع جماعة المومنين الذين بهم تقام دولة العدل والشورى المناهضة لدول الاستبداد السياسي… ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة 6.
فإذا انتصر المؤمن على الشيطان والإنسان والسلطان فهو المقتحم حقا، المتحرر من قيد الاسترقاق صدقا.
وينبري الإمام رحمه الله هاهنا ليوضح سبيل الانعتاق من أسر العقبات، ليكرر دوما أن السبيل إنما هو ارتقاء لمعارج الكمال الإيماني إسلاما وإيمانا وإحسانا، وهي مراتب الدين حقا، ذلك أن حرية الفرد هاهنا تتمحور حول التحريك الإرادي للجسد إسلاما، وخضخضة القلب إيمانا، وتنسم فيحاء اليقين بصيرة وشهودا وإحسانا… (إذ كلما ارتقى الإنسان، كلما امتلك جزءا من حريته، فإذا أحب الركون والاكتفاء بمنزلةِ دون فعل الارتقاء فهو مأسور بسلطان هواه…: عجيب أن يتوقف البيان النبوي لمراتب الإسلام والإيمان والإحسان على تشخص الملَك رجلا يراه الصحابة رضي الله عنهم، يسأل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في ذلك المجلس الكريم فيعلم الناس دينهم.
ثم ينسى المسلمون دينهم فتغيب عن عامتهم الرغبة في الترقي، الرغبة في المسارعة إلى الخيرات، الرغبة في المسابقة. ومع ذلك نقرأ في كتاب الله عز وجل: “سابقوا” ونقرأ ذكر السابقين وفوزهم، وذكر المقربين وميزتهم عند الله عز وجل في مقعد الصدق) 7.
ثالثا: أصل الواقعية
إن السَّبْح في عوالم التجريد والتنظير دون الوصول إلى طريق مؤد إلى تحقيق المنشود هذيانٌ، واقتطاع للأوقات، وهدْر للأعمار… إذ اللبيب هو من يضع في حسبانه سبيلا مسلوكا إلى ضالته التي ينشدها، وإلا دخل بيداء التيه وعوالم الضلال.
ثم إن بعض مفكري الحركات الإسلامية جنحوا إلى بسط الآراء المتعلقة بمواقف الإسلام من حيث النظر، لا من حيث التنزيل، فغدا رأيهم معلقا في سماء التفلسف دون حبل وثيق نحو الأرض وواقعها… لكن الإمام رحمه الله الذي أيقن بظهور الإسلام وعلوه وتمكن جنده واستخلافهم لم يلحظ ذاك الأفق الوضيء تمنيا، بل إنه سلك درب البحث عن الطريق الموصل له، والسبيل الأمثل والمنهاج الحقيقي لبلوغه، مسترشدا بقول النبي صلى الله عليه وسلم الذي بشر أحبابه بعهد الاستخلاف الثاني: “ثم تكون خلافة على منهاج النبوة” 8.
يقول هاهنا: (المنهاج العلم وحي مجرد يمكن للعقل المجرد أن يتلقاه ويفهمه في تجريده فيبقى فكرا عاطلا. أما إذا تلقاه قلب المؤمن، وأصبح أمره ونهيه باعثا صارما، وانعقد الباعث إرادة عازمة، فالتنفيذ إنما يكون في عالم المادة، في عالم الأجسام والمصالح والدوافع والموانع والعادات والأعراف والعداوات والصداقات والحروب. والعقل عندئذ أداة تنفيذ لا مصدر تخمينات تعطي المعرفة وتؤسس العمل) 9.
نعم، إن الوحي لم يفارق مجتمع النبوة وواقعهم، وقد ضم أصولا كفيلة لإحكام مجتمعات ووقائع مختلفة ومستجدات طارئة، ولن يساهم من كان في بسط سلطان الله في الوجود من لم يدرك تلك التحديات المرتبطة بواقع الناس وأحوالهم… يقول الإمام: (التحدي الأكبر أمام جند الله هو قدرة جند الله على تقديم رؤية واضحة للواقع الحاضر المتقلب المستعصي على التغيير، ثم قدرتهم على تقديم رؤية واضحة لأهداف الإسلام في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحضارية وفي كل الميادين، ثم خاصة قدرتهم على انتزاع إمامة الأمة من الأيدي المتسلطة، ومن الأفكار الإيديولوجية التي تبرر واقعا حاضرا أو تبشر بمستقبل يزيغ بالأمة عن طريقها إلى موعود الله لها بالخلافة في الأرض والسيادة والعزة) 10.
نعم إن … (قمة التحدي أن ينزرع الإسلام في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، أن ينتقل بالجهاد الدائب اليومي من دعوة إلى حياة، من مثال إلى واقع، من مطمح عال إلى إنجازات عينية. والهوة سحيقة بين مثال الإسلام وواقع الأمة، بين النموذج العزيز في ضمير الأمة وبين القزامة الذليلة المفروضة على الأمة) 11.
رابعا: التوازن
ليس سهلا أن يعطي المرء كل شيء ما يستحق دون أن يرجح كفة على أخرى، وليس يسيرا أن تجد من لا يستهويه الميول النفسي الوجداني الشخصاني ليقف موقفا وسطا جامعا بين الأشياء دون ميلان أو ترجيح… وها أنت ترى في مدارس الأمة انزياحا وترجيحا لأمر دون آخر، فهناك من هاموا حبا بالقلب والوجدان وجعلوهما فيصلا في أحكام شرعية، وهناك من عبد العقل واستنباطاته ولم يعر اهتماما لنبضان روح أو أشواق قلب، وآخرون مالوا نحو الجسد فألهوه وتحدثوا عن مطالبه ودوافعه القهرية وجعلوها معيارا للسلوك الإنساني… لكن الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، وبرؤية موضوعية منصفة متوازنة قد جمع بين شتات الأمور ووقف عدلا، وقف عدلا في دراسته للمدارس الإسلامية المتعددة رافعا لعلمها في حال التساوق مع الأصول القرآنية الثابتة، أو منبها لهِناتها في حال النكوص عنها، ولنأخذ مثالا على ذلك: الموازنة بين القلب والعقل. ذلك أن الفصام قد تجذر بينهما في عدة مدارس فكرية إسلامية، ولطالما نُظر إلى العقل وكأنه منزوع من القلب، وقد ألفينا علماء راسخين شكوْا قساوة قلوبهم وقلة انسلاك الإيمان في صدورهم بسبب افتراق العقل مع القلب، علما أن الصلة بينهما وثيقة، بل إن القرآن هو جامع لهما وكأنهما عنصر واحد… قال تعالى: لهم قلوب لا يفقهون بها 12.
(فإما عقل مصدر معرفته التجربة البشرية والتخمين الفلسفي وذاك عقل مشترك بين البشر. وإما عقل يتلقى عن القلب رحمة الإيمان وهداية الوحي، ثم ينصرف إلى تنفيذ أمر الله سبحانه وتعالى في الكون، لا غنى له عن التجربة والفحص، فذاك عقل الحكمة) 13.
فأكثر ما يزين القلب أن يكون رحيما، وأعظم ما يرفع من قدر العقل أن يكون حكيما، فالجمع بين الرحمة القلبية والحكمة العقلية يشي بفكر التوازن والعدل والإنصاف عند الإمام. يقول هاهنا: (فأقصد بالرحمة: العلاقة القلبية للعبد بربه، وأقصد بالحكمة: تصرف العقل، عقل المؤمن المرحوم، أثناء فهمه لشريعة الله عز وجل، وأثناء صياغتها صياغة قابلة للتطبيق، وأثناء السهر على تنفيذ أوامرها والامتناع والزجر عن نواهيها) 14.
خامسا: القراءة العقدية
لقد انتظم علماء كثر في سلك الذين أقاموا صروحا علمية وازنة، وبنوا بجهودهم لبنات في عمق الرؤية ودقة التصور، لكنهم قبعوا ساعات بين التحرير والتحبير والتصنيف دون أن تشرئب أعناقهم لإنهاض الأمة من عللها وتغيير واقعها… ومنهم من تجده مفسرا لآية أو شارحا لحديث دون أن يربطه بواقعه أو أن تتحرك همته ليبزغ إلى الوجود حيا مرئيا واقعيا ملموسا في حياة الناس… ذلك أن العالم المجدد إنما هو الذي يقرأ النصوص قراءة عقدية تستحثه ليكون من العاملين محيي السنن، بخلاف الهنيء المستلقي الناظر للنصوص دون عناء الإظهار والبعث.
إن الإمام -في نظري- لم يكتف بالتفصيل التجريدي، بل إنه توجه بكليته ليرى منهاج النبي صلى الله عليه وسلم في حياة الناس سياسة واقتصادا واجتماعا وتربية وتعليما وتزكية وإحسانا… ولم يجلس جلوس النائحة… ألا ترى أن الهم كان منصرفا لتربية الإنسان بغرس الإيمان في قلبه على المنهاج النبوي ترقيا في شعب مستجمعة في خصال عشر؟ ألم يؤلف في الاقتصاد لتحضر القيم الإيمانية النبوية فيه؟ ألم يوجه الإسلاميين المقبلين على الحكم بما كان عليه رعيل النبوة ليكونوا مثلهم على المنهاج ذاته تزكية وإرادة وفهما وإتقانا لفن التسيير السياسي بألمعية الحذاق المتقنين؟ ألم يحاور المخالف ليظهر النور النبوي في الفكر وينافح الإيديولوجيات المعادية؟… إنه إرث مُلْهَم ليتجدد أمر الأمة وترجع إلى عهدها الوضيء بتخطٍّ واضح لصروف الزمن ومستحدثاته وبدعه وقواعده وأعرافه المخالفة لعهد النبوة…
يقول الإمام المجدد: (فالسنة النبوية طريق يسلك، النداء إلى الله عز وجل والاستجابة الإيمانية له كل لا يتجزأ في قلب المؤمن وعقله وحركته. فإذا كان من يطلع على السنة من أجل الاطلاع دون أن تظهر السنة سلوكا في حياته، ومن كان يقرأ القرآن ليطلع على ما هنالك دون أن يستجيب ويطبق ويأتمر فلا يمكن أن نقول إنه على صراط مستقيم، وبالتالي لا يمكن أن نقول إنه على المنهاج النبوي وظيفة المنهاج النبوي العلم والعمل مترابطين، النداء والاستجابة متلازمين، الرحمة والحكمة متعاضدتين، أمر إلهي وطاعة، خطة وتنفيذ معا، وإلا كان النفاق، نفاق الذين يقولون ما لا يفعلون) 15.
جعل الله نوره ساريا في الزمن، وهيأ الله لبنيه السداد وتنزيل روح النبوة في الأرض… وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
[2] نفسه، ص. 9-10.
[3] نفسه، ص. 13.
[4] البلد الآية، 20.
[5] عبد السلام ياسين، مقدمات في المنهاج، ص. 56.
[6] البلد، الآية، 17.
[7] نفسه، ص. 7.
[8] رواه الإمام أحمد رحمه الله.
[9] عبد السلام ياسين، مقدمات في المنهاج، ص. 27.
[10] نفسه، ص. 30.
[11] نفسه، ص. 31.
[12] الأعراف، الآية: 179.
[13] عبد السلام ياسين، مقدمات في المنهاج، ص. 18.
[14] نفسه، ص. 17.
[15] نفسه، ص. 37.