لا أسمح بأن يتخذ فكري حجراً يُتيمم عليه
أكد الدكتور عمر أمكاسو في حوار له مع الصحافي أسامة الطويل منشط برنامج “بودكاست Talks21” في منصة عربي 21، بُث يوم 19 يناير 2025، في إطار جوابه عن سؤال مرتبط بـ”المراجعات” أن الجماعة في عمل يومي لا تتوقف ولا تعيش في سكون، إذ هي تتطور وتتفاعل مع واقعها، وهامش الاجتهاد فيها مفتوح. لافتا إلى أن الإمام عبد السلام ياسين في حوار طويل مع الأستاذ عبد الكريم العلمي والأستاذ منير ركراكي قال “لا أسمح بأن يتخذ فكري حجراً يُتيمم عليه” بما يعني أن التحجير لا ينبغي أن يكون.
وأشار إلى أن الإمام عبد السلام كان يشجع القيادات ويفتح النقاش معها، “وفي كثير من الأحيان يناقش معنا كتبه قبل أن ينشرها، نراجعها معه، والإخوان يشيرون بأن هذه الفكرة لم يحن وقتها فيتركها. والكتب التي طبعت أيضا تمت مراجعتها، إذن فكرنا ليس متصلباً لأنه وليد حركة تطورت لمدة 40 سنة والأفق ما يزال أمامها إن شاء الله عز وجل”.
وتابع: “لا يمكن أن تستمر إذا لم تكن مرنا، والمرونة في عمل الجماعة حاصلة ومجالات الاجتهاد أيضا مفتوحة، والمراجعات نمارسها يوميا عبر وسائل الاشتغال والمؤسسات”، مذكرا بأن “الجماعة كانت تشتغل بما يسمى بمجلس التنفيذ لمدة عشر سنوات وبعد التطور تأسس مجلس الشورى. وأيضا لم تكن هناك دائرة سياسية، كانت هناك فقط لجنة تابعة لمجلس التنفيذ تشتغل بالعمل السياسي سميت اللجنة السياسية، وبعد سنة 1998 أسسنا إطاراً وظيفياً، ونحن نتطور مع الواقع”.
نتعالى عن نقاش شيعة وسنة لأن نظرتنا هي من أعالي التاريخ
الدكتور أمكاسو في هذه المقابلة في موضوع مرتبط بالعلاقة بين الشيعة والسنة وآل البيت، أكد أن الجماعة حركة إسلامية تتتلمذ مباشرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الراشدين الذين تعتبرهم نموذجا، وفضلا عن ذلك فإنها تستفيد من الحكمة أينما وجدت لأنها ضالة المؤمنين.
ولفت إلى أن المؤرخين في المغرب بينوا أن قرابة الثلث من المغاربة أصولهم من أهل البيت من أبناء الإمام سيدنا الحسن عليه السلام، “لذلك نحن نتعالى عن نقاش شيعة وسنة لأن نظرتنا هي من أعالي التاريخ، أما الصراعات التاريخية وغيرها فنحاول ما أمكن أن نتفاداها”.
وقال إنه كما في السنة نواصب يناصبون العداء لأهل البيت فإن في الشيعة روافض يرفضون حكم الخلفاء الراشدين، وكلاهما على خطأ، ونحن على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ندعو إلى ردم هذه الشقة التاريخية ونعمل من أجل ذلك.
وأضاف إن “الثورة الإيرانية لا نعتبرها نموذجا، وكلام الإمام عبد السلام ياسين عنها جاء في سياق تاريخي أشاد فيه كل الإسلاميون، بل كل الثوريون، بالثورة الإيرانية، ولكن المآلات التي آلت إليها من بعد، منها هذا التصلب المذهبي ومنها تصدير الثورة، جعلت الناس يراجعون هذا الموقف”.
النموذج هو ما أثله وما تركه فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأضاف أن ما وقع في أوروبا الشرقية يمكن أن نعتبره نموذجا، كما تجربة الانتقال الديموقراطي في جنوب إفريقيا ورواندا، لافتا إلى أن الجماعة منفتحة على الحكمة البشرية، مع التشديد على أن القول بالنموذج “لا يعني التبني، وإنما نستفيد من أي حكمة بشرية لأي حركة إنسانية وليس فقط إسلامية. ولكن بالنسبة لنا النموذج هو ما أثله وما تركه فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو منظار السنة والقرآن الذي ننظر به إلى كل الأحداث التاريخية”.
وانتقد الدكتور أمكاسو من يكتفون بتتبع بعض مكتوبات الإمام وأدبيات الجماعة ويصدرون أحكاما دون الإلمام الشامل بالموضوع، معتبرا أن من ينتقون نصوصا من هنا وهناك ويحاكمون الجماعة بما كتب في السبعينيات مثلا، فإنهم يصدرون حكما غير منصف، في حين أن الجماعة حركة متطورة ومتفاعلة مع واقعها، “وإذا عدت إلى كتاب العدل أو أخريات مكتوبات الإمام تجد انتقادات لاذعة للثورة الإيرانية، منها ما سردت قبل قليل”.
وحينما نعود إلى الأعداد الأولى لمجلة الجماعة التي جمعتها فيما بعد وشكلت ما نعتبره الإطار المبدئي الذي هو المنهاج النبوي، نجد أن الإمام رحمه الله تعالى كان يشيد بالثورة الإيرانية، ولم نكن وحدنا آنذاك؛ الإسلاميون جميعاً بل كل إنسان يفرح بأي تغيير. يقول الدكتور أمكاسو.
إسقاط بشار الأسد يعتبر بحد ذاته إنجازاً بغض النظر عن التطورات والمآلات
ثم يشدد المتحدث على أن الشاه الذي أسقطته الثورة الإيرانية “هو شرطي الغرب والاستكبار العالمي في المنطقة، ولذلك إسقاطه يعتبر بحد ذاته، إنجازا بغض النظر عمن أسقطه وكيف”. كما اعتبر أن إسقاط بشار الأسد “يعتبر بحد ذاته إنجازاً بغض النظر عن التطورات والمآلات؛ التي نطلب الله تعالى أن تكون خيراً”.
وأكد المتحدث أهمية تتبع التطور الحاصل في الجماعة لأن الفكر المنهجي في تطور لولبي؛ “نعم لدينا ثوابت، وثوابت الجماعة مصونة لا يمكن أن يطالها أي تغيير، ولكن هناك متغيرات مثل فصل التنظيم في المنهاج النبوي الذي تغير كله، والطبعة الأخيرة التي قدم لها الدكتور عبد الواحد متوكل ذكر فيها ذلك”.
واسترسل موضحا أنه لا يمكن أن يصل عهد نعيد فيه السرية والعنف إلى أساليب عمل الجماعة، أو نستغني على الأساس التربوي والرباطات ومجالس النصيحة والقرآن الكريم وطلب وجه الله، لأن ذلك من الثوابت التي يمنع المساس بها.
قضية الصحبة والجماعة مركزية في الجماعة وفي الإسلام
وفي حديثه عن قضية الصحبة والجماعة أكد أنها “مسألة مركزية في الجماعة وهي مركزية في الإسلام؛ لأن الصحبة أمر أساسي”، وذكر قول الله تعالى “الرحمن فاسأل به خبيرا”، والحديث النبوي “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل”، موضحا أن الصحبة من خلال ذلك هي صحبة خبير يدلك على الطريق.
وأشار إلى ما يمكن أن يعتبر ازدواجا في المعايير عندما يبحث الناس عن الخبرة في كل مجال؛ مثل البحث عن النجار لمن يريد أن يتعلم النجارة، أو عن الأستاذ لمن يريد التعلم، لكن عندما تتحدث بضرورة وجود شخص خبير في طريق معرفة الله فإنهم يرفضونه.
فالمصحوب – يزيد المتحدث – “هو الذي يقربك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه إنسان حي يعيش التجربة ويقربك إليه”، ولذلك فأمر الصحبة بالنسبة لنا أساسي لم ينقطع ولن ينقطع، وصلة الصحبة والجماعة هي الأولى ضمن الخصال العشر.
الصحبة دعوى والجماعة برهان
وأبرز أمكاسو في آخر ما كتبه الإمام عبد السلام ياسين وألفه، وهو الوصية، حديث الإمام عن الصحبة والجماعة والصحبة في الجماعة، موضحا أن المقصود ليس كما يحجر في ذلك بعضهم أن الصحبة أصبحت للتنظيم “ولكن الصحبة داخل الجماعة، لماذا؟ لأن الرجل صاحب مشروع وليس شيخ طريقة يذهب ويأتي آخر يأخذ مكانه ويستمر على طريقته أو يجدد فيها”.
وشدد على أن الإمام هو مجدد بما تحمله الكلمة من أبعاد، والتاريخ الإسلامي -والحمد لله- زاخر بالمجددين، الذين يأتون في مفاصل تاريخية ويؤدون دورا كبيرا.
“ولما توفي الإمام رحمه الله ترك فينا أمره، ترك مشروع المنهاج النبوي الذي يتمثل في الجماعة، ونحن نرفع شعارا هو من كلام الإمام “الصحبة دعوى والجماعة برهان“؛ بمعنى أننا نمارس الصحبة داخل الجماعة من خلال صحبة من تربى على يد الإمام، والصحبة فيها ما هو عمودي وفيها ما هو أفقي”…
لمتابعة الحوار كاملا بموضوعاته الغنية، يرجى الاطلاع عليه في هذا الفيديو: