بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرا منها، اللهم إن أخانا العلو قد غادرنا مفتقرا إلى رحمتك وهانحن نودعه بين يديك وأنت الكريم الرؤوف الحنان المنان، فاغفر ذنبه، واعف عنه، وتجاوز عن سيئاته، واجعله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، واحفظه في أهله وذويه وإخوانه إنك سميع مجيب يا رب العالمين .
أخي محمد العلو لست أدري كيف طابت أنفسنا أن نحثو عليك التراب، إن عالم الآخرة مستبشر بك ، وقد جاءتنا بشارات أن ملائكة الله استقبلتك بالترحاب وأن إخوانك وأخواتك الذين سبقوك إلى رحمة الله بك مسرورون وفرحون ومستبشرون وأنك نزلت رحمة وبركة عليهم، فعالم السماء مستبشر، ولكنك يا أخي تركت عالم الدنيا حزينا عليك ، الكل يبكيك. من للأسحار بصوتك وأنينك؟ هل ستجد بديلا عن صوتك؟ كنت دائما حاضرا في أوقاتها، تترقبها بفارغ الصبر تقف بين يدي الله تعالى وقوف الجبل الذي لا يتزحزح ويئن قلبك ويبكي، ويخشع. من للكتاب الكريم الذي أشبعت منه نهمك في أيامك الأخيرة فكان آخر عهدك بالدنيا أن ختمت خمسة عشر ختمة في عشرة أيام، كنت تقبل على كتاب الله تتلوه أثناء الليل وأطراف النهار، وقد أكرمك سبحانه وتعالى بحفظه، جعله الله شفيعا لك وأنيسا لك وألحقك بسببه بأهله وخاصته، فإن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته .
أخي محمد من لأزقة مدن الدار البيضاء وسطات وخريبكة وغيرها من المواطن التي كنت تطؤها وأنت مفعم بحب الله، وأنت تحمل هم دعوة الله، وأنت لا تفتر عن ذكر الله، من يخلفك؟ من لمحاضن الإيمان التي كنت فيها مربيا ومرشدا، وكنت قائدا محنكا.عرفتك شواطئ أبو النعائم، أنعم الله عليك بالحسنى، فكنت الأب الرحيم لا تفرق البشاشة وجهك. من ينوب عنك فيما كنت تقوم به من مهام وأنت تواصل الليل والنهار. منذ عرفتك بسطات تلازمني أياما معدودات لزوم الظل لصاحبه، فكنت نهما وقمت بأعباء الدعوة خير قيام، جمعت الإخوة والأخوات وربيت وجاهدت وبذلت وتفانيت في محبة الله وأوليائه وكنت تحمل الجماعة ولم تحملك، كنت أخا صبورا لا تئن من كثرة الأثقال. عشت أيامك الأخيرة وأنت تعانق الإخوة وكأن روحك قد شعرت بأن أجلها قد قرب، وأكثرت من الزاد، كنت أجلس معه على مائدة الطعام في الإفطار، فما هي إلا لقيمات ويقوم منتفضا مسرعا إلى الوضوء والتوجه إلى القبلة يذكر الله يسبح الله، يبكي بين يدي الله، وختمت أعمالك هذه بزيارة أقاربك، والله تعالى شاء أن تزور من هو أعظم منهم، أن تنزل ضيفا على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى من سبقك بالإيمان. أعباء ثقيلة تركتها وراءك فمن يتصدى لها؟
إن إخوانك في هذه اللحظة، وروحك حاضرة معنا لا شك، لينحنون بين يديك ويحيونك تحية إكبار وإجلال وتحية محبة واعتبار لما قد صدر منهم من تقصير في حقك، فكنت نعم الأخ والصاحب وكنت نعم المحب، ونعم المتفاني في خدمة جماعة العدل والإحسان ، جعلك الله وإيانا من أهل العدل والإحسان .
أحبتي ها نحن نشيع أخا لنا جاء دوره وحل أجله، اليوم أخونا سيدي محمد وغدا أنا وأنت، فماذا قدمنا لرب العالمين، بماذا سيستقبلنا العالم الأبدي؟ بأي عمل؟ بأي إخلاص؟ بأي جهاد؟ بأي قلب؟
كيف نستقبل هذا العالم ونحن نرى الموت تختطف منا الأحبة، كل يوم تختطف أعز الناس إلينا وتقدمهم إلى رب العالمين للمصير المحتوم ، وسيأتي دورنا لا محالة (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور.) الموت درس لنا، عبرة لنا، الموت تحفة لأخينا كما أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم (الموت تحفة المؤمن ) وهو عبرة للمعتبر،وكفى بالموت واعظا فهل نتعظ ونعقد العزم على أن نموت على ما مات عليه، ونظل سالكين على الدرب وطريق الهدى ودرب الصالحين.
هذا سؤال يجب أن يجيب عنه كل واحد قبل الخروج من هذه المقبرة { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون } هذه هي الحياة الحقيقية، أما الدار الدنيا فهي حياة لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتطاول في الأموال والأولاد ( كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما) نبتة بينما هي مخضرة إذا هي يابسة فإذا هي تدروها الرياح, هذه هي حقيقة الدنيا.الدنيا ساعة فاجعلها طاعة, فبشرى لمن أقبل على الله وجاهد في سبيل الله , وبشرى لمن وضع يده في يدي إخوانه المؤمنين يحمل معهم أعباء الدعوة وهم الأمة، يمد يده لانتشال هذه الأمة الغارقة المغلوبة على أمرها المعذبة المقهورة المظلومة.وإني أرى وجوها طافحة بالبشر والحزن معا.البشر بفرح الله تعالى الذي اختار أخا منا إليه، والحمد لله على ما أعطى وله الحمد على ما أخذ وكل شئ عنده إلى أجل مسمى، ولكن الفراق صعب والموت مصيبة، وقد نزلت مصيبة الموت، والمصيبة قد تكون رحمة، ولا شك أن هذا الموت رحمة لأخينا ولأهله ورحمة لهذا الجمع الغفير الذي أكرمه الله سبحانه وتعالى بهذه الخطوات يجدها إن شاء الله تعالى غدا في صحائفه .
أحبتي في الله :
نتوجه إلى الله تعالى متضرعين إليه سائلين إياه أن يرحم أخانا وأن يرحم أصحاب هذه المقبرة وأن يرحم أموات المسلمين، ونقول اللهم اغفر لحينا وميتنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا وشاهدنا وغائبنا، اللهم من أحييته فأحيه على الإيمان ومن توفيته منا فتوفاه على الإسلام، اللهم إن كان أخونا محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، اللهم اغفر لنا وله ولا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده. اللهم أبدله دارا خيرا من داره. وأهلا خيرا من أهله. اللهم أفسح له في قبره واجعل قبره روضة من رياض الجنة، وألحقه بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين. إنك يا سيدي محمد حي بيننا ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما أتاهم الله من فضله.) هنيئا لك برحمة الله. وهنيئا لكم برحمة الله. واأسفا ! على فراقك واحزنا على فراقك !. ولكن نحمد الله على قضاِئه ونسأل الله أن يرزقنا وذويه الصبر والسلوان وأن يختم لنا بالإيمان والإسلام . وأن يجعلنا من المجاهدين في سبيله وأن يرحم موتانا. اللهم ارحم أمة سيدنا محمد. اللهم انصر إخواننا المجاهدين في فلسطين وسائر الأمصار. اللهم كن لهم وليا ونصيرا اللهم إنا نجعلك في نحور أعدائنا ونعوذ بك من شرورهم، اللهم عليك باليهود والنصارى والكفرة الذين يكيدون للإسلام والمسلمين، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر، آمين وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.