إلى كل من عرفني،
إلى من آلمه فراقي،
إلى من خبرني عن قريب أو بعيد..
هون عليك لا تحسبني ميتا… فأنا حي عند ربي أرزق.
عندما يتحول وطنك الذي تعشق ثراه إلى مقبرة تنعى فيها أحلامك، وتقبر آمالك..
عندما يصير حلمك الزهري كابوسا يحبس أنفاسك..
عندها تدرك أن لا خلاص إلا بصرخة تخترق عنان الظلم، وبهبة شعبية توقظ الواسن وتحرك الساكن، تنبئه بأن دولة الباطل عمرها ساعة ودولة الحق ممتدة إلى قيام الساعة.
صرخة ليس بينها وبين الله حجاب!
قبلت حينها جبهة أمي الدافئة، لم أتوقع أنها آخر قبلة أشتم منها رائحة الطهر والبركة.
ودعتني كعادتها بدعواتها وابتسامتها الساحرة.
خرجت يومها مع أبناء مدينتي؛ آسفي الشامخة – مدينة النخوة والإباء – نعلي الصوت ضدا على استعباد الإنسان، وسلب حقوقه؛ “سلمية سلمية” لم تكن مجرد شعار تلوكه ألسنتنا وتصدع بها حناجرنا، بل كان سمة طبعت مسيرتنا، وسلوكا ترجمه كل من شارك في حراك 20 فبراير..
شعار لم يمنع قوات النظام المخزني الذي حاول جاهدا إخماد الصوت تارة، واحتواء الشباب تارة أخرى، باللجوء إلى أسلوبه القمعي، فتدخل بكل قوته لمنع حراكنا السلمي بدار بوعودة، ليحدث بذلك ذعرا في صفوف النساء والأطفال، نال الكل حظه من الضرب والركل..
لم أحس إلا بالهراوات تنهال علي من كل جانب، بعدما علم أحد أفراد الأمن أني كنت ضمن المتظاهرين.
استفردوا بي في أحد الأزقة، رفعت رأسي فإذا بسبعة من عناصر الأمن تنهال علي ضربا بالتناوب ودون انقطاع في جميع أنحاء جسمي..
لم تشفع آهاتي وأناتي، بل ولم تجد صرخات نساء الحي اللواتي شهدن على عملية قتلي، نعم قتل مع سبق الإصرار والترصد، لم أعد أقوى على التحمل، أنفاسي تكاد تنحبس من شدة الألم، أتراه ألم الجسد أم وقع الظلم الذي كان أشد وأعتى..
كل شيء حولي يختفي.. صمت رهيب يخيم على الأجواء..
أنوار تلوح لي من بعيد، تمر الذكريات حولي سراعا: طفولتي.. ضحكاتي.. حزني.. رائحة التربة العطرة في حقل والدي.. حبه لي.. كل حياتي طويت في ثوان سريعة.
أزف الرحيل!
جسد منهك، كل موضع فيه يئن، حاولت أن أستجمع ما فضل من قوة، أسحب قدمي علها توصلني إلى من ينتشلني من مكاني.
لم أع إلا وأنا داخل بيتي، آه يا أمي الغالية، ليتني أستطيع التصنع أمامك بأني بخير، ليتني أفلح في مسح لمحة الحزن التي طبعت قسمات وجهك الجميل.
ليس ذنبي أن آمل بعيش الشرفاء، ليس جرما أن أطمع بتنسم عليل الكرامة والعدالة والحرية..
لقد أخبرت ربي بكل شيء
ربي الذي حرم الظلم على نفسه وجعله بين الإنسانية محرما.
ربي الذي شهد يومها: “لا تخف إني معك أسمع وأرى…”.
فلقد وجدت ما وعدني ربي حقا، واعلموا يقينا بأنكم ستجدون ما وعد ربكم حقا.
حتى وإن قتلتموني فلن تقتلوا كل صوت حر في بلدي، لن تخنقوا أنفاسي التي أودعتها أمانة في صدر كل من آمن بقضيتي..
سأظل بينكم شهيدا شاهدا على العصر.