كيف نبني شبابا واصلا بين جيل الصحابة وجيل القومة

Cover Image for كيف نبني شبابا واصلا بين جيل الصحابة وجيل القومة
نشر بتاريخ

 مقدمة

 الشباب مرحلة عمرية مهمة جدا، حيث تتميّز هذه المرحلة بالحيوية والنشاط والطموح، خصال تحمل الشاب على العمل والتحدي وبناء الهوية الاجتماعية والشخصية، ليبدأ باتخاذ القرارت والمشاركة الفاعلة في الحياة العامة، فيصبح دوره في التغيير والتطوير المجتمعي حاسما، لما يحمل بداخله من طاقة وإبداع ورغبة عارمة في العمل والعطاء، وكلما كان الاهتمام بفئة الشباب جيدا، والفرص متاحة للإشراك والتبني كان الأثر واضحا، وكانت قدرتهم على تحقيق نقلة نوعية في مجتمعهم على جميع المستويات أكبر.

والمجتمع الإسلامي كما لا يخفى على الكثير، مجتمع تخلف في كثير من الميادين، فهو يعيش على هامش العلم والتقدم، مسلوب الهوية، بعيدا عن مقوماته الحقيقية، وأولها كونه خير أمة أخرجت للناس، بطاعته لخالقه، وإحياء سنّة نبيّه، مقوّمات بها ساد العالم، وبها حاز شرف هذه السيادة دنيا وأخرى، فضرب المثال في العدل والخلق والعلم والدين وكل مجالات الحياة، التي سخرها لينال شرف العبودية لله وحده، وليحمل هذه الرسالة للعالمين، لكن تخاذله وبعده عن هويته ودينه أفقده مكانة السيادة وجعله في مؤخرة القافلة، وكان شبابه جزء منه؛ ضاع بضياع الأمة وفقد البوصلة.

 فكيف نجعل من شباب الأمة الطاقة البانية لمجد الأمة من جديد؟

 كيف يكون لهذا الشباب الدور الرائد في حمل الرسالة والمشعل؟

 كيف يكون هذا الشباب في المرحلة الراهنة هو الوصلة بين جيل الصحابة وجيل القومة؟

الشباب والتغيير

يعتبر الشباب العمود الفقري للمجتمعات، فبسواعد الشباب تبنى الأمم، وبطموحهم يحصل التغيير والتقدم، وفي إصرارهم وتحدّيهم تجد مكامن القوّة ومعاني الإقدام والبأس والجرأة، وبهمّتهم تكون صلابة المواقف، وبعزيمتهم يكون مضاء القيادة ومنعتها. هي خصال وإمكانات لا تأتي من فراغ، إنّما تبنى بناءً، ويُؤسس لها تأسيسا عبر وسائل وبرامج تعبّر عن اهتمام واع بهذه الفئة المهمّة في المجتمع، فتستثمر العقول والأفكار وتوجه للعمل والإبداع، فنظرة الإكبار والإعجاب لمقوّمات الشباب وطاقاتهم تخلق فيهم الحسّ بالمسؤولية تجاه أنفسهم ومجتمعاتهم، والاحترام والتقدير يكون وقود الإبداع والإنتاج، وهنا تكمن مسؤولية كل الفاعلين والمؤثرين في العملية التربوية لهذه الفئة المهمة من المجتمع.

بدءا بالأسرة التي تعتبر المحتضن الأول للفرد، وهي البيئة التي تصهر فيها شخصية الطفل اجتماعيا ونفسيا حتى يكون قادرا على العطاء وتحمل المسئولية بعد ذلك، فهي المرجعية في معارفه وقيمه ومعاييره، وهي المسؤولة عن إشباع كل الحاجات الأساسية النفسية والمعنوية والتي تعطي الفرد الاستقرار النفسي حتى يكون قادرا على الاندماج في المجتمع اندماجا فاعلا وبنّاء.

أما عن المجتمع ومؤسّساته، فتحقيق تنمية الشباب رهين ببرامجها وأهدافها واستراتيجياتها، فحين تضع هذه المؤسسات الطاقات البشرية على رأس قائمة اهتمامها، على اعتبار أنها أفضل الطاقات وأقرب الطرق على الإطلاق للتنمية والتقدم، إذ هي مفتاح تيسير وتقدم كل الموارد الأخرى، فإنها حينئذ لا تعوزها الوسائل ولا الإمكانات لتجاوز كل المعيقات والتحديات التنموية في المجتمع، فطاقة الشباب معطاءة قويّة بنّاءة، وحكمة الشيوخ موجهة حاضنة معلّمة، يُجمع الكل في بوثقة المحبّة وحبّ الخير والنهوض للبناء القويّ المرصوص الذي يكيد الأعداء، وينشر الخير ويعمّ فضله القريب والبعيد. وعلى عكس ذلك كلّه، عندما لا ينال الإنسان كفاعل حاسم في معادلة التغيير حظه من العناية والاهتمام، وحقه من العيش الكريم، ونصيبه من التكريم الذي أوجب الله له، فإنّ المعادلة بادية النتائج، واضحة المآلات؛ انحراف وانشغال بتفاهات الأمور، وطلب للمهاوي أكثر من المعالي، ينحدر بها المجتمع دركا بعد درك، شبابا وشيبا، أفرادا ومؤسسات، نسأل الله العفو والعافية.

فإذا كان الشباب عنوان التغيير والتقدم والفعل الواصل في المجتمع بين جيل الآباء وأبناء المستقبل، فلابدّ من الاهتمام بهذه الفئة اهتماما خاصا، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ومن كان خائر العزم فلا تطلب منه النظر إلى المعالي، بل إن البناء بناء إرادات بالعزم، وملء عقول بالعلم، وشحذ همم بالحكمة المعينة على الفهم الرصين والفعل القويم، ومن هنا نجد أن مسؤولية كل الفاعلين المؤثرين المهتمين المتواصلين مع هذه الفئة الاجتماعية مسؤولية جسيمة، جسامة فعلها ومآلها على المجتمع برمته، فالتعليم والإعلام ودور التربية وكلّ العناوين المتحكّمة في مسار التربية، وخلق البيئة الصحية الصالحة للتنافس الشريف والحرية والحق، البيئة المتعالية بالكرامة الإنسانية، التي تفتح الآفاق، وتعطي المقوّمات الماديّة والمعنوية، حتى تدور عجلة البناء بسلاسة ويسر، فيسوقها الشباب بإرادة وعزم، على مرأى و مسمع من حكمة الكهول والشيوخ.

شباب الرسالة الواصلة بين جيل الصحابة وجيل القومة

شباب ذو رسالة خاصة، تستمد خصوصيتها من زمن التحول الذي عرفته وتعرفه الأمّة، فلا هي حافظت على هويتها ودينها، ولا هي سارت في ركب التقدم العلمي والتكنولوجي، بل بقيت تعيش على أمجاد الماضي الذي خلّد في العالمين شهادة الحق والعدل والعلم، والتي ما كان لينالها لولا رسالة الإسلام والإيمان التي أعطت الفرد معرفة بذاته ووجوده، وفهما لبيئته ومآله، وفجرت الطاقات الكامنة فيه للعمل والجد عندما أيقظت همته لطلب ما عند خالقه، أمة هي الآن تعيش على أمجاد هذا الماضي مع العجز التام عن الفعل في الواقع المرير الذي يبصمه التخلف والظلم، والبعد عن الله وعن دين الله.

فأيّ دور لهذا الشباب في زمن التحول هذا، ليبني جسور التواصل المنقطعة كلا أو بعضا بين جيل بنى أسس أعظم أمّة وخير أمة أخرجت للناس، حفظت الكرامة الإنسانية وعلمت معنى الأخوة والرحمة بين بني البشر، وهو جيل الصحابة الكرام، وجيل يعيد البناء على نفس الأسس مستنيرا بالله وبدعوة الله حتى تعود الخيرية لهذه الأمة، منطلقا من واقع أمة منغلقة منكفئة على نفسها.

من المعلوم أن حماس الشباب وعزمه وإرادته وحبّه للتغيير كفيل بقلب المعادلة، وإعطاء نفس جديد لدعوة الله والتغيير المطلوب، ولكن تحت أي شروط؟ وفي أي مناخ تربوي؟ وتحت أيّ توجيه؟ وهل لا بدّ من اعتناء خاص بهذه الفئة؟

مما لا شك فيه أنّ البيئة المحتضنة والوسط التربوي ودور المربين عوامل حاسمة في التوجيه والتربية وخلق نماذج معينة من الشباب، وأوّل المسؤولين في هذا الباب الوالدين كما نستشفّ ذلك من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم حيث قال: “كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجسانه”، فكان دور المحضن الأول للمولود وهو الأسرة الحفاظ على الفطرة السليمة التي تقبل الحقّ جبلة ولا تماري فيه، غير أن عوامل التعرية لهذه الفطرة أصبحت كثيرة المنافذ، شديدة التأثير، قويّة الفعل، فيلزم معها جدّ واجتهاد على جميع المستويات لإبراز جيل حامل لهمّ الأمة، واصل بين جيل الصحابة وجيل القومة بإذن الله.

 هي وصلة روحية تربوية علمية عملية، تجمع التشوف للآخرة بالعمل في الدنيا، فالاحتضان الرفيق الحليم الذي يبرز عمق الاهتمام بالإنسان في أول مقام كإنسان لا بمنجزاته ونجاحاته وما ملك، فيضفي على العلاقات توادا ومرحمة، تعطي فسحة للحوار الجاد الباني، فتفتح مغاليق القلوب والعقول لقبول الحق مهما علت عليه من غشاوات، ففي جيل الأمة الحاضر خير كثير، كما قال الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمة الله عليه: “في الشباب خير كثير، نرجو من كرم الملك الوهاب سبحانه أن يقيض في الجيل الحاضر طليعة تتلقى الربانية من أهل الربانية، وتتلقى العلم من أهل العلم، والحكمة من أهل الحكمة، والهمّة من أهل الهمة، حتى تكون رسول الأجيال النيرة من سلفنا الصالح إلى أجيال القومة والوحدة والخلافة على منهاج النبوة” (سنة الله: 260).

فالشباب الإسلامي كله خير، وهو أمانة في عنق كل الدعاة ليستعيدوا التربية الإيمانية الإحسانية بكثير من الصبر والحلم حتى تسقط الجدران السميكة طبقة بعد طبقة، والتي بنيت بحنكة وترصد بين شباب الأمة ودينه وعزته وكرامته، وما نقصد بالدعاة ليس أفرادا فقط، وإنما الأفراد والمؤسسات بمختلف مشاربها، التربوية والإعلامية والتعليمية وغيرها، تتظافر الجهود لإبراز شمس الهداية من بين الغيوم المظلمة الكثيفة التي تحجبها عن القلوب، حتى تصنع جيلا على قلب الجيل القرآني ورجولته ونورانيته جيل الصحابة الكرام، كما يقول الإمام المجدد رحمه الله، إذ لا يمكن تصور خلافة على منهاج النبوة دون هذا الجيل.

وأختم بالقول إنّ البيت القدوة والمدرسة المربية والمجتمع الصالح والعلماء الربانيون الذين لا يخافون في الله لومة لائم، عوامل كفيلة مع غيرها من العوامل لإبراز جيل التغيير الذي تنشد الأمة به عزتها وكرامتها بإذن الواحد الأحد، أكيد أنّ بين هذه العوامل وواقع الأمة بون شاسع، ولكنّ الله قادر على أن يهيئ لها من أمرها رشدا على أيدي من يشاء من عباده، وبأبسط المعادلات التي لا تكون في الحسبان، سبحانه وتعالى، فلا يسع كل عبد من عباده إلا أن يدعو أن يكون قدرا من أقدار الله في استعادة الأمة عزتها وتحقيق عبوديتها له سبحانه.