بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على مولانا رسول الله المصطفى الأمين ومن تبعه ووالاه بإحسان إلى يوم الدين.
إلى الحبيبة الغالية الأستاذة الفاضلة حبيبة حمداوي.
أبعث إليك كلماتي أيتها الغالية عبر أثير الحب والشوق، بيقين من يصدّق أن الصلة لا تمنعها برازخ الموت، وأن الموت حق، لكنه لا يعدو أن يكون بداية حياة جميلة جديدة متحررة من أثقال الأرض وأدران الدنيا لمن وفقه الله مثلك.
أبعث إليك وقد استجبتِ لنداء الباري سبحانه، طيبة بذلك نفسك الزكية، استجابة من علمَت أن الدنيا أرض عبور ودار مرور تحتاج لإعداد وإمداد، فعلمَت الغاية، وأيقنت الوجهة، ولم تحذ عن الطِّلبة العالية. كان شعارك الدائم: “من مات ولم يفز بالله، فلا نهاية لحسرته”، فأحسنتِ المسير، ويسرت العسير، ولم تنكري العشير، وكنت مثال بر وتيسير.
ليس خطابي تزكية لك على من يعرف السر وما يخفى، لكنها شهادة حق منعني عنها أني لم أرد ان أقصم ظهرك وأنت حية بين ظهرانينا، وإن كانت المشاعر الصادقة تعبيرا واضحا عما يختلج الفؤاد من حب وود، والمعاني المستقرة في الصدور تفضحها الهمسات واللمسات والأحوال قبل الأقوال.
ومنعني عنها ثانيا، رقودك في المشفى الذي لم أرغب أن اخرق وجودك داخله بزيارة ممنوعة خشية أن يصيبك طائف من أذى يؤثر على مناعتك وسلامتك، لكن هيهات هيهات.
أجدني أخاطبك أيتها الغالية بلسان صدق، وبقلب التاعه الفقد، أدعوك بالحبيبة الأريبة التي طالما شنفت بها أسماع من يحببنك في الله تعالى من غير أرحام بينكن، وكنت لهن، ولا تزالين وستبقين القدوة الموجهة والركن الدافئ والحضن الكريم والحصن الحصين والنموذج الفريد، تجبرين خاطر المكلومة، وتكرمين المحرومة، وتدافعين عن المظلومة، وتفتحين ذراعيك واسعة وبقلب جامع محتضن يعسوب لكل ذات حاجة من حوائج الدنيا أو الآخرة. عندك تجد طلبتها، وفي جنابك تجد السعة والطمأنينة والارتياح. فهنيئا لك بما كنت عليه.
كم جمعت أيتها الحبيبة الأريبة بين ما لا يكاد يجتمع، قوة في رفق، إقدام في تؤدة، إقبال على الله عظيم لا يمنع التهمم بأحوال المستضعفين، صدع بالحق دون تهور، حكمة لا تمنع الجرأة في الحسم في المواقف، ورزانة لا تمنع خفة روحك الطاهرة وحركيتك الوازنة، مع رقة عارمة لا تمنع الصلابة في مواطن الجد ولا تستدعي العنف مطلقا.
الغريب العجيب، ولا عجب في أمر الله الوهاب من يشاء ما يشاء ومتى يشاء، أن كل الظروف والمدلهمات لم تمنعك يوما من الحضور الشامخ في شتى المجالات، فكنت المحاضرة النحريرة، والكاتبة المبدعة، والباحثة المجدة، والخطيبة المفوهة التي تجمع في كلامها بين الكلم المنثور والنظم الموزون، كما كنت الموجهة الاجتماعية، والمحللة النفسانية التي لا تكل من الإنصات والإنصاف والإسعاف.
البِشر سجيتك، والحياء خلقك، والعزة بالله مبدأك، والطمع فيما عنده غايتك، والرفق زينتك، والعدل والإحسان شعارك منذ أن كان عودك طريا، فكنت المناضلة الصادقة، والداعية المحببة، والمؤسسة بعزم وحزم لمشروع العدل والإحسان في شقه النسائي في المنطقة الشرقية، ثم عضوا مع أخواتك في مؤسسة الزائرات إلى أن صرت أمينة الهيأة العامة للعمل النسائي لجماعة العدل والإحسان.
قدت الركب بحنكة وتوازن واقتدار؛ سددت وقاربت، وجهت وربيت، نصحت وأرشدت، كونت وعلمت، أكرمت واحتضنت، وبذلت كل غال ونفيس في الله وبالله.
خبِرتك منذ زمن في مجلس علم وحلم، كنتُ حينها طويلبة علم في بداية مشوارها، فكان الحب من النظرة الأولى، وكأني بك مغناطيسا يجمع القلوب فتلتحم إلى الأبد بلحام الحب في الله.
جمعنا بك طريق الدعوة، ومحاريب الوقوف بين يدي الله تعالى، أسال الله المنان لنا ولك القبول، كما جمعتني بك أعواما ظروف الدراسة والاستعداد لامتحانات الماجستير ثم لبحوث التخرج، فأذهلتني رغبتك في الطلب، وصدقك في السعي، وشغفك بالمحبرة والكتاب، فكان أن توج الله جهدك بمؤلف كنت حريصة على إخراجه للوجود حتى تستفيد منه الأمة.
تجلت فيك الكمالات الأربع تربية وتخلقا وتعلما وجهادا، كل ذلك لم يمنعك من أن تكوني الزوج الفاضلة لرجل من طراز أصيل، وأما مثالية لولدين كريمين وبنت شامة بين القرينات، حفظهم الله تعالى جميعا وأصلح نسلك الكريم سرمدا إلى يوم الدين ببركة: “وكان أبوهما صالحا”.
كأنك خلقت على قدر، وصنعتك عين الله الكريم لتؤدي المهام العظام وتعلمي الأنام أن استنساخ نماذج الكمال ممكن في كل زمان ومكان، وإن اشتد سعار الفتن المظلمة، وإن كثرت الموانع، فإن لله رجالا، والرجولة مواقف وصفات، ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم إلى أن يأتي أمر الله.
غالية الغوالي، بقلب يعتصره ألم الفقد، أهنئك على ما ختم الله لك به من ألطاف تدل على حسن الخاتمة؛ عسّلك، وإذا أحب الله عبدا عسله، قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: وما عسله؟ قال: يفتح الله عز وجل له عملا صالحا قبل موته ثم يقبضه عليه، وما أكثر أعمال البر التي وفقك الله تعالى إليها وأقامك عليها.
ابتلاك ليطهرك، وأشد الناس بلاء بعد الأنبياء عليهم السلام، الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، وقبضك إليه في يوم مشهود هو يوم الجمعة، وشهر عظيم هو شهر المولد النبوي الشريف، وفي لحظة الأذان لاجتماع الناس للصلاة والذكر، وقبضك إليه مستبشرة مبتسمة وكأني بك أُريت مقعدك عند المليك المقتدر، فهفت روحك إلى ما عند الله فرحة مستبشرة.
واحبيبتاه، الفقد جلل والرزء عظيم، لكن الله الأعظم نرجو أن يبارك فيمن وراءك من قوافل المحبين والمحبات، ورجاؤنا الكبير أن يجمعنا الله تعالى عنده على سرر متقابلين ببركة المحبة فيه، والمرء مع من أحب، وببركة الصحبة الجامعة وطريق الدعوة اللاحب الذي جمعك بهم.
وسلام عليك أيتها الغالية الحبيبة المحمودة، والموعد الله.
محبتك نادية