تُقبِل العديد من الفتيات في شهر رمضان على ارتداء اللباس الشرعي سواء في المدارس، أو في الأسواق، أو في العمل، وهذا أمر محمود وفيه عودة إلى الفطرة، لأن لباس التقوى من الفطرة السليمة التي فطرنا الله عليها، لذلك ينبغي تشجيع هذه المبادرة ومباركتها، وهنا يكمن دور الأسرة من خلال الاحتضان والتوجيه السليم بدافع ترسيخ هذه القيمة التربوية في قلب الفتاة التائبة، لكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟ بمعنى آخر، كيف يمكن أن نستثمر اللمة الأسرية في هذا الشهر الفضيل ونجعل الغاية من هذه الخطوة الإيجابية هي رب رمضان وليس شهر رمضان؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تتطلب وقوف الأسرة المحتضنة على أمرين اثنين: الأمر الأول الرجوع إلى الأصول الشرعية الداعية إلى اللباس الشرعي للمرأة. والثاني، تنوير العقل والقلب معا بأن هناك هجمة منظمة هدفها تزييف هوية الفتاة الحقيقية. ويتم ذلك من خلال توزيع الأدوار بين الأب والأم في التوجيه والإرشاد.
هذا ما عمدت إليه الأسرة التي نتحدث عنها في مقالنا هذا، مع ابنتهم التي فاجأتهم بأنها ستقبل على لباس الحجاب في رمضان، وستخلعه بعد انقضاء الشهر الفضيل، مثلها مثل بعض زميلاتها في الدراسة، عندها حاولت الأم من خلال لمة أسرية اجتمعت فيها هي والأب، تنبيه الفتاة بكون اللباس من مقتضيات الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها مذ خلق سيدنا آدم عليه السلام لقوله تعالى: إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعرَى (طه: 118). فستر العورة أمر فطري في الإنسان، بينما التعري والتكشف مخالف لتلك الفطرة. كما نبهتها إلى أن ستر العورة يختلف عند المرأة عن شقيقها الرجل، لذلك وحفاظا على فطرة المرأة من العري والفحش فرض الإسلام عليها لباسا له ضوابط شرعية، يمكن اعتبارها سياجاً قوياً مانعاً لها من الضياع، إنه سياج الحشمة والعفاف.
كما عمد الأب من خلال هذه اللمة الهادئة، أثناء النقاش، إلى تنوير عقل الفتاة الغض الطري؛ بأن خصوم الإسلام يدركون جيداً أن إفساد المرأة فيه إفساد للمجتمع برمته، لكونها القاعدة التي يرتكز عليها بنيان الأسرة، بل المجتمع بأسره. منبها ابنته بأن دعوة التشجيع على التعري والفحش بدأت من الغرب، وللأسف لقيت استجابة عند بعض نساء المسلمين، مما جعلهن يعتقدن أن الاحتشام والستر تخلف وانحطاط، بل وعددن ذلك حبسا للمرأة وحرمانها من حقوقها الطبيعية، ولم يعرن اهتماما لقول الله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ ورِيشاً ولِبَاس التَّقْوَى (الأعراف: 26).
لقد كان الغرض من هذه اللمة الأسرية هو تحديد المقصود من مفهوم الحجاب في الإسلام، فليس المراد به إخفاء المرأة وحبسها في البيت، ولا حرمانها من كل ما هو متاح لها شرعا، وإنما الحجاب مانع للغواية والتبرج، وحافظ للحرمات وآداب العفة والحياء، لأن الأصل في الإسلام الوسطية والاعتدال. ورحم الله حافظ إبراهيم الذي أحسن القول في هذين البيتين:
أَنَا لَا أَقُولُ دَعُوا النِّسَاءَ سَوَافِرا
بَيْنَ الرِّجَالِ يَجلْنَ فِي الأَسْوَاقِ
كَلَّا وَلَا أَدْعُوكُمْ أَنْ تُسْرِفُوا
فِي الْحُجبِ وَالتَّضْيِيقِ وَالإِرْهَاقِ