في حلقة جديدة من برنامج “فاسأل به خبيرا”، استضافت قناة الشاهد الأستاذ حسن قبيبش، عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان، ليجيب عن سؤال: لماذا لا يستجيب الله دعاء المظلومين والمقهورين في غزة؟ وكيف نفهم علاقة الدعاء بالاستجابة ارتباطاً بما تعيشه الأمة في فلسطين ولبنان؟
نبه الأستاذ قبيبش بداية أن هذه الأسئلة تطرح “خصوصا في صفوف الشباب؛ عندما تشتد المحن ويضيق الحال وتبلغ القلوب الحناجر، يبدأ الشك في التسلل رويدا رويدا إلى القلوب لكي يخصم من اليقين ويخصم من الاستقرار”. وأمر النصر والدعاء – يفصح المتحدث – “لا بد أن نعرض فيه أمورنا على شرع الله عز وجل وعلى سنة رسول الله”، مختارا أن يتحدث عن أسباب استجابة الدعاء وعن أسباب موانع استجابته انطلاقا من أمثلة، لا مما “هو مبثوث في الكتب، مقروء معروف لدى العلماء جزاهم الله عنا خيراً”.
وقدم للأمر بالحديث عن نقطة رآها مهمة؛ هي الاستعجال، مستدعيا قول الله عز وجل خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ، ليقول: “دائماً عندما تشتد المحن وندعو الله عز وجل يستعجل الإنسان ثمرة الدعاء، ويريد أن يتحقق ما طلبه في أقرب وقت ممكن، ولا صبر له على الانتظار، وكأن الأمر بيده وكأن الكون كونه، والحال أن الكون بيد الله عز وجل والقدر قدره؛ فهو يصرف الأشياء كيف يشاء وبما شاء وفي الوقت الذي يشاء”.
وبالرجوع إلى الشريعة وإلى القرآن؛ يخبر الأستاذ قبيبش أننا نجد أمثلة على غناها ذكر منها واحدة؛ “أن سيدنا موسى عليه السلام وعلى نبينا أزكى الصلاة والتسليم كان في محن متعددة، وهاجر، ونحن نعلم ما وقع لسيدنا موسى عندما فر هارباً من قومه، ودعا على فرعون، يقول الله عز وجل: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ؛ فالله عز وجل قد استجاب دعاءه، قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ“، وهنا تساءل المتكلم: أتدرون أيها الإخوة والأخوات كم من سنة بقيت حتى يستجيب الله عز وجل لأعز خلقه في ذلك الوقت، والذي اختاره الله عز وجل لتبليغ رسالته وأيده؟ ليجيب: “في بعض الأقوال يقولون بأنه بقي أربعين سنة قبل أن يتحقق دعاء سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أزكى الصلاة والتسليم. أربعون سنة من الانتظار، أليس هذا كثيرا في حق رسول من رسل الله عز وجل الذي بعثه وأيده وأعطاه كل شيء؟!”.
وثنى عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان بحدث وقع في عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، مذكرا بأنه حمل حكمة؛ ذلك “أن في استجابة الدعاء حكم وأشياء قد تغيب عنا”؛ “في غزوة أحد لما آذى المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشج وجهه الشريف والدم يسيل على وجهه، وكسرت رباعيته، والصحابة رضي الله عنهم متحلقون حوله ومتألمون لهذا المنظر، قالوا له: يا رسول الله ألا تدعو عليهم؟ وقيل في بعض الأحاديث أنه كان يدعو على نفر منهم، فنزلت الآية الكريمة: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ. وبالفعل تاب الله عز وجل على بعضهم، عذب بعضا وتاب على بعض، ومنهم من أصبحوا صحابة كراما رضي الله عنهم، معروفون؛ مثل عكرمة وخالد بن الوليد وآخرون، هؤلاء كانوا من الذين سيدعو عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الله عز وجل نهاه”.
وفي إسقاط لما يجري الآن على أرض العزة والكرامة والثبات والصمود؛ قال الأستاذ قبيبش موجها: “نعم إن جرح غزة وفلسطين غائر في جسد الأمة، والمصاب جلل، والألم كبير يحس به كل ذي مروءة وكل ذي إنسانية ليس بالضرورة أن يكون مسلما. نعم هذا كله موجود، والصهاينة يعربدون في مشارق الأرض ومغاربها بإيعاز وبتسليح من الغرب المنافق وبخذلان الأنظمة العربية التي وصل خذلانها إلى درجة لم يسبق مثلها في التاريخ. هذا كله موجود، نعم، ولكن هذا ليس مدعاة لأن نتصف بثقافة الهزيمة؛ أن نشيع الهزيمة فيما بين الناس، فهنا يكمن معدن الرجال؛ هو الثبات في هذه المواقف حتى يأتي وعد الله، ووعد الله لا بد آت”. ودعا للنظر في تاريخ الدول التي وقع عليها ظلم الاحتلال؛ “فالجزائر أكثر من قرن من الزمان استعمرت، وتونس أكثر من سبعين سنة، وموريتانيا أكثر من خمسين سنة، والمغرب أربعين سنة، والفيتنام تعاقب عليها الاستعمار الياباني والفرنسي والأمريكي وفي كل مرة كانوا يقاومون وكانوا “يجاهدون” من أجل أرضهم ووطنهم، ولم يكلوا ولم يملوا ولم يستمعوا إلى كلام المثبطين فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا والاستكانة هي الذل والاستسلام”، وأردف منبها “وإذا استسلمت لعدوك أذلك واستعبدك، يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ؛ الصبر والمصابرة، هذا الفعل: المشاركة؛ أن تصابر يعني أن تتدافع مع عدوك، والمرابطة خصوصا مرابطة القلب حتى لا يتسرب إليه الشك، ولا يتسرب إليه الانهزام، ولا تتسرب إليه وساوس الشيطان، فيشيع ذلك بين الأمة، وهذا هو الخطر الماحق”.
وتوجه المتحدث بالدعاء إلى أهل غزة: “رحم الله وحيّا الله جنود ومرابطي غزة وفلسطين الذين أبانوا عن شجاعة وعن إقدام سيكتبه التاريخ، وحيا الله كل من يرابط في ثغر من ثغور الإسلام، الذين يمنعون العدو والصهيوني أن يتسرب إليه مخافة أن يلتفوا على الأمة فيفسدوا فيها العباد والبلاد”.
واستحضر الأستاذ قبيبش سؤال من قد يقول: وماذا يمكن أن نفعل؟ ليرد: “يمكن أن نفعل الكثير، وأن لا نستهين بالدعاء، الدعاء سلاح كبير قد نغفل عنه، قد تكون متوفرة لديك جميع الأسباب المادية ولا تنتصر، لأنه عندما يخذلك الله عز وجل لا تجد من ينصرك، ونصر الله عز وجل مرتبط بالدعاء وبالتذلل إليه”، وأشار أن “رباطنا نحن هو على أصعدة متعددة؛ لا ينبغي أن نسكت عن الظلم ولكن رباطنا الأكبر هو الدعاء ثم الدعاء ثم الدعاء، أسأل الله عز وجل أن يستجيب لنا وأن يغفر لنا وهو سبحانه وتعالى نعم المولى ونعم النصر”.