مدرسة الصحابيات، مدرسة متميزة تعلمنا كيف انتقلت الصحابيات من ضلال السعي في الدنيا للدنيا، ومن الاستهلاك في الحياة إلى الصراط المستقيم، إلى إرادة وجه الله، إلى الترقي في مدارج الإحسان، إلى الشوق للقاء الله سبحانه.
صاحبتنا اليوم سيدتنا الجليلة فاطمة بنت أسد ابن هاشم، أم ربيب النبي صلى الله عليه وسلم علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه، وأم إخوته: طالب وعقيل وجعفر وأم هانيء وجمانة وريطة؛ أبناء أبي طالب، وزوجة عمه أبو طالب. اصطفاها الله تعالى من بين بنات العالمين كي تكون الحاضنة الثانية لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد سيدتنا أم أيمن، فأشرفت على تربيته صلى الله عليه وسلم حين كان في كفالة عمه أبي طالب. لم تشغلها رضي الله عنها تربية أبنائها عن خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم والإحسان إليه، بل كانت خير راعية وحافظة لبيتها وأولادها ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي منحته أكثر مما أعطت أولادها من العطف والحنان؛ فقد كانت سيدة فاضلة قبل إسلامها، وزكى إحسانها وخلقها صحبتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإشرافها المباشر على تربيته؛ فتحولت من امرأة الدنيا إلى امرأة الدنيا والآخرة، تطلب وجه الله بالتوبة والاستغفار والعمل الصالح.
لم يمنعها شرك زوجها عن الإيمان بالله ورسوله، فصار عملها لا يقتصر على خدمة بيتها فقط بل تعداه إلى خدمة دعوة الله أيضا، فكانت نعم المهاجرة والمبايعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تبذل قصارى جهدها في سبيل إعلاء كلمة الله وتوطيد دعائم دينه الحنيف.
سيدتنا فاطمة بنت أسد صحابية مشاركة متميزة في إنشاء خير أمة أخرجت للناس، اختارها الله لتساهم في تربية خير البشرية فصار حجرها مدرسة يتخرج منها الرجال من أمثال ابنها سيدنا علي كرم الله وجهه أحد العشرة المبشرين بالجنة، ولتكون حماة لخير نساء الجنة فاطمة الزهراء رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. هكذا كانت بطون الصحابيات الجليلات تلد الرجال وتربيهم على محبة الله ورسوله فتجمع بين نجاح الدنيا وفلاح الآخرة.
وتكفيها شهادة رسول الله عليه الصلاة والسلام لتفوز برضا الله رب العالمين حيث قال صلى الله عليه وسلم: “إنه لم يكن بعد أبي طالب أبر بي منها”. كان هذا جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما تعجب الصحابة مما رأوا من تأثر النبي صلى الله عليه وسلم لموتها، ولم يبرح صلى الله عليه وسلم حتى ألبسها قميصه واضطجع في قبرها فقالوا له: يا رسول الله ما رأيناك صنعت بأحد ما صنعت بهذه؛ قال صلى الله عليه وسلم: “إنه لم يكن بعد أبي طالب أبر بي منها. إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة، واضطجعت في قبرها ليهون عليها عذاب القبر” [رواه ابن عباس رضي الله عنهما].
روت رضي الله عنها ستة وأربعين حديثا، وهي مثال المرأة المجاهدة العالمة المعلمة الراوية للحديث، الخادمة لله ولرسوله، الوفية المخلصة. رضي الله عنها وجزاها خير الجزاء بأن بشرها رسوله صلى الله عليه وسلم بالجنة وهو الفوز العظيم.
فسلام الله عليك يا فاطمة، نلت الرضى بخدمتك لعيالك ولرسول الله صلى الله عليه وسلم وخدمة دعوة الله، فكنت الوفية المخلصة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، المؤدية لأماناته.