يقول الله عز وجل: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ سورة آل عمران، الآية 140.
تحل الذكرى التاسعة لرحيل الإمام عبد السلام ياسين، وتحل معها الذكرى الثالثة عشر لرحيل الأستاذ محمد العلوي السليماني والذكرى الحادية عشرة لرحيل الأستاذ أحمد الملاخ ، رحمهم الله أجمعين.
رجال جمعهم الله زمنا ، وكنا معهم أبناء وتلامذة، انتظمنا معهم في الجماعة صفا مرصوصا، وحمَلونا وتحمَّلونا وكانوا لنا نِعم الآباء والمرشدين، وحمَّلونا أمانة الدعوة والبناء.
بعد رحيل الأحمدين، قال لي الإمام: “الأحمدان أهل الوفاء، جمعهما الله في الدنيا على المحبة والصفاء وكتب الله لهما جوارا في مضجعهما وسوف يجمعهما الله في الآخرة بجوار المصطفى صلى الله عليه وسلم”.
رجال الصحبة والوفاء، رجال أفنوا زهرة العمر في الدعوة وتربية الشباب، ليصبحوا مدارس قرآنية متنقلة عبر الأجيال.
تمر الأيام وتطوى سنوات على رحيل الرجال، ويتهدد اللاحقون النسيان لقوة تيار الفتن والأهواء؛ سنة الله في خلقه. لكن الإمام رحمه الله تنبه لهذه الحقيقة، فربط الصحبة بالجماعة، باعتبارها محضن التربية واكتساب الإيمان لبلوغ مقامات الإحسان. ولن يتحقق ذلك إلا بالذكر الدائم والصدق اللاحب والعلم النوراني والعمل الباني، بتؤدة السالكين وسمت المحبين وجهاد القاصدين.
رابطة قوية تربط اللاحقين بالسابقين؛ سلسلة نورانية تربط القلوب على الطهارة والاستقامة والحفاظ على الأمانة وحملها بصدق الذمة وعلو الهمة لاقتحام العقبات في زمن الفتنة. من أجل ذلك دعا الإمام في وصيته الخالدة، حيث قال داعيا الله عز وجل: “أوصي أن يدعوَ أحبابي إخواني وأخواتي من جماعة العدل والإحسان ربنا عز وجل أن يمسك وحدة الصحبة والجماعة في جماعتنا كما يمسك السماوات والأرض أن تزولا.”.
دعاء من قلب طاهر، لن يرده الله على صاحبه، الذي كانت يمينه تكتب كلمات تسبح بحمد ربها وعينه ترى بنور الله ولسانه يلهج بذكر الله.
رجل التفت حوله القلوب وتشربت منه اليقين، وعقول نهلت من علمه المنهاجي ، فانتظم السلوك في مدرسة المنهاج النبوي: تربية وتنظيما وزحفا.
يقول المتنبي:
سَلاَمٌ عَلَى أَهْلِ الحِمَى حَيْثُمَا حَلُّوا
هَنِيئاً لَهُمْ يَا حَبَّذَا مَا بِهِ حُلُّوا
لَهُمْ أَظْهَرَ المَوْلَى شُمُوسَ بَهَائِهِ
فَيَا لَيْتَ خَدِّي فِي التُّرَابِ لَهُمْ نَعْلُ
مَتَى يَا عُرَيْبَ الْحَيِّ يَأْتِي بَشِيرُكُمْ
فَتَبْتَهِجَ الدُّنْيَا وَ يَجْتَمِعَ الشَّمْلُ
صِلُونِي عَلَى مَابِي فَإِنِّي لِوَصْلِكُمْ
إِذَا لَمْ أَكُنْ أَهْلاً فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلُ
سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ شَرَّفَ اللهُ قَدْرَكُمْ
وَدَامَتْ عَلَيْكُمْ نِعْمَةٌ وَ سُرُورُهَا
فَمَا طَابَتِ الأَيَّامُ إِلاَّ بِذِكْرِكُمْ
فَأنْتُمْ ضِيَاءُ العَيْنِ حَقّاً وَنُورُهَا
إِذَا نَظَرَتْ عَيْنِي وُجُوهَ أَحِبَّتِي
فَتِلْكَ صَلاَتِي فِي اللَّيَالِي الرَّغَائِبِ
وُجُوهٌ إِذَا مَا أَسْفَرَتْ عَنْ جَمَالِهَا
أَضَاءَتْ لَهَا الأَكْوَانُ مِنْ كُلِّ جَانِبِ
رحم الله الرجال، وجعلنا على الأثر وألحقنا بهم أبناء بررة غير مبدلين ولا مغيرين.
والموعد الله