مرحى بعودة الخُسان مرحى
قد شيدوا للعزة فينا صرحا
هذا جُؤْجُؤ ركبنا قد بدا
يبعث في الصف عزما وروحا
مهما طال الظلم فينا ردحا
فمآله يوما أن يخيب صبحامن هذا الذي يريد أن يخطف الفرحة من قلوبنا ويقلب نعمة اللقاء بأحبتنا المفرج عنهم نقمة وغُمة؟
إن المخزن بهذا الخروج الأرعن يريد مرة أخرى أن يثبت انه قادر على فعل أي شيء دون رادع. ويريد مرة أخرى أن يستدرج الجماعة إلى المستنقع الذي طالما حاول عبثا جرها إليه، مستنقع الفتنة والعنف. لكن هيهات قد مضى قول الجماعة أنه لا للعنف.
ليس على شرط المخزن تفعل الجماعة، وإنما باختيارها وعلى شرطها تبلي. لقد مرت الجماعة بلحظات ابتلاء ومحطات تمحيص كثيرة ظن المحزن ومن يدور في فلكه أنها ستفقد توازنها ورفقها وتنخرط في ردود أفعال ضد الظلم والضغط اللذين يستهدفانها في وجودها واستمرارها. لكن، وكما عودتنا، فوتت وتفوت دائما الفرصة على من يبغي الفتنة بهذا الشعب ويتحين المناسبة للانقضاض النهائي والحاسم على آخر معاقل الممانعة بهذا البلاد.
إن المحاولة اليائسة للمخزن التي ترمي إلى حرمان الجماعة من التعبير عن فرحها بخروج ثلة من أبناءها من سجون الظلم والقهر لن تبلغ مداها. لأن للفرحة تعبيرا غير مظاهر الاستقبال والحفاوة التي تنظم للمفرج عنهم في مدنهم وأحيائهم وأمام منازلهم، إنها فرحة القلب والوجدان. فهل تملك جحافل النظام المستبد في المغرب أن تحول دون هذه الفرحة؟
هل يملك المخزن أن يمنع بهجة عودة هؤلاء الإخوة إلى أحضان الجماعة؟
هل يملك أن يمنع هذا الإفراج من أن يكون فرصة ثانية، كما كان الاعتقال، لتعبئة الصف وشحذ همم أعضاءه للمضي نحو إتمام البناء ونفاذ الزحف؟
ما يملكه المخزن هو المنع بغير حق، والضرب بلا رحمة، والحصار بلا هوادة. فهل نال ذلك من الجماعة شيئا؟ هل نالت إرادة المنع شيئا من إرادة التمنع؟
هل خضعت الجماعة لإملاءات المخزن يوم كان يفاوضها على مبادئها ومواقفها تحت ضغط محنة الاعتقال، اعتقال القيادة واعتقال الطلبة الإثني عشر؟
هل تراجعت الجماعة أمام ضروب وأصناف الحصار والاعتقالات ومداهمة البيوت وتشميعها ومنع الجمعيات ومنازعة أعضائها في أرزاقهم وتهديدهم في أمنهم وسلامتهم وأعراضهم؟
لم ينل ذلك من عزم ومضاء الجماعة شيئا. وبرهنت على الدوام أنها تملك مالا يمكن قهره بكل جحافل الدنيا. تملك الصبر والحلم والرفق والتؤدة. وتملك نفاذ البصيرة ونضج تقدير الأمور وعواقبها.
العنف هو اختيار كل نظام مستبد ينفرد بتقرير مصير الناس دون أن يفتح المجال للأمة كي تشارك وتختار مصيرها. وطالما استمر هذا الاختيار فلن يجد منا إلا الصبر والممانعة وكلمة الحق التي تقول لا للعنف لا للظلم لا للاستبداد.
إنما هي الحرية بدون قيد ولا شرط. إلا ما قيده فاطر الناس، واشترطه إجماع الأمة التي لا تجتمع على ضلالة.
فماذا يملك خيار العنف إزاء كلمة الحرية؟
إن كان المخزن يظن أن الجماعة لا تقدر، فإنها وأَيْمُ الله تقدر، لكن ليس باختيار المخزن بل باختيارها. وليس على شرط المخزن بل على شرطها بعد توفيق الله وتأييده.
حل بنا عصر يوم الثلاثاء 3 نونبر الجاري بالناظور أحد أبنائنا المفرج عنهم الأخ الدكتور مصطفى حسيني بطلعته البهية وهمته العالية، يخطب في الجموع من الإخوة والأخوات والجيران والأصدقاء، ويشكر حفاوة الاستقبال وحرارة الترحيب. ل هو وخوانه المفرج عنهم أهل الشكر والثناء، فقد علموا الصف كيف يكون الصبر والثبات. وقدموا لنا عظات ودروسا في البذل والعطاء، فشكرا لكم أحبتنا على ما قدمتموه أسوة وقدوة. وهيهات أن يرقى فرحنا بعودتكم ونحن في سعة وفسحة من أمرنا، إلى حفاوتكم وفرحكم بنا حين كنا نزوركم في المعتقل، وأنتم على ما كنتم فيه من ضيق وحرج وقد كانت أحضانكم وقلوبكم أوسع لنا من الزمان والمكان.
حساب الربح والخسارة
قد يعترض من عميت بصيرته ويستكثر علينا هذه الفرحة، ويعظم بدل ذلك خسارة الجماعة باعتقال الطلبة الاثنى عشر في فاتح نونبر 1991. فليتمهل المعترض الذي اعتوره خلط الحسابات وحجبه ضباب وعباب بطش المخزن بالجماعة ولما يفقه حقيقة الأمر.
إن المتأمل في ملف طلبة العدل والإحسان المحكوم عليهم بعقوبة السجن لمدة عشرين سنة بتهمة القتل العمد، والتي عجزت المحكمة على إثباتها، سيجد فيه على عكس ما قد يتبادر إلى ذهن أي متتبع، مساحة واسعة لعلامات وآثار الربح منة من الله وعطاء. بينما يضيق هامش الخسارة ولا يكاد يذكر، خاصة وان منطق الخسارة غير وارد بالنسبة للجماعة.
وبما أن المعترض يحاجج بمنطق الربح والخسارة وأنا اعذره في هذا، فلا مندوحة إذن من أن أنصب أمامه الميزان لنرى ما خسرته الجماعة وما ربحته. وبذات المنطق سأتناول هذا الملف، لأقف على أرضية مشتركة، التمس فيها ويلتمس معي المعترض سبل الفهم والنظر في هذه المسألة. ثم، وليعذرني كما عذرته، أعبر إلى ميدان هو مفتوح لكل من أراد أنن يرتع فيه، لكن ليس بمنطق الحساب الأرضي، وإنما لمن جاء مسلما بقلب حاضر ينظر إلى فعل الله في خلقه على أنه قدر ويستلهم ما وراءه من حكمة وبلاغ.
بمعيار الحساب العقلي أجد أن “الخسارة” في اعتقال الطلبة ألاثني عشر تنحصر في أمرين.
أما الأول فقد يكون في الزج بفتية في مقتبل العمر في السجن دونما ذنب اقترفوه، إلا أن يقولوا ربنا الله. وحرمانهم من حقهم في العيش الكريم بين أهليهم وذويهم. ذلك الحق الذي لا ينحصر المأكل والمسكن الكريم وفي التحصيل العلمي والشغل وتكوين الأسرة فحسب، بل يتعداه إلى حقهم في الحرية وفي الطمأنينة والأمان الذي انتزع منهم بالباطل.
أما الأمر الثاني فقد يبدو في حرمان صف الجماعة من ثلة من أبنائه برهنوا على صدقهم وقدرتهم على تعبئة وتأطير الطلبة وقدموا أنموذجا رائعا في تنظيم وهيكلة العمل الطلابي في مرحلة كان يمر فيها بوضع حرج في ظل هيمنة فصيل الطلبة القاعديين الذي عاث فسادا في الجامعات المغربية باسم “الاتحاد الوطني لطلبة المغرب”. فالجماعة كانت في حاجة ماسة إلى هذه الطليعة من الطلبة، خاصة في موقع كموقع جامعة محمد الأول بوجدة.
أما وقد كان ذلك الاعتقال، وطيلة مدة العقوبة، كما كان ولا يزال، الحصار ومنع الجمعيات وتشميع البيوت غصة في حلق النظام، وبرهانا قاطعا على ظلمه واستبداده. وعنوانا ساطعا على بهتان وكذب ادعائه ببزوغ فجر جديد بالمغرب أساسه الحرية والديمقراطية ودولة الحق والقانون.
فليمسك معي المعترض وأنا أعد عناوين الربح والفخر والعزة، كتبت أحرفها من وراء قضبان المعتقل رجحت بكفة الخسارة، ونسخت كل معنى لخسران محتمل.
* في الأهل:
بدون استثناء، عبر آباء وأمهات المعتقلين عن رضاهم واطمئنانهم إلى مصير أبنائهم. ولم يقابلوا ما نزل بهم بالسخط وإلقاء اللائمة على اختيار فلذات أكبادهم في إطار الجماعة. ولم يحملوها تبعات ما حصل. بل شملوا أبناءهم بالبركة والعطف وعبروا في أكثر من مناسبة على ارتياحهم رغم ظلم المخزن، وعلى يقينهم بأن المحنة ستنقلب منحة بإذن الله.
بل أكثر من ذلك، فقد كان اعتقال هؤلاء الطلبة فرصة غالية لتعرف عائلاتهم على الجماعة. معرفة عن قرب، مجالسة لقيادتها، ومعاشرة لعموم أعضائها. فلمسوا صفاء السريرة وصدق النية وعلو الهمة ونبل القصد. فإذا بالاعتقال يصير فتحا، فقد انخرطت عائلات المعتقلين في صف الجماعة، وصار معظم أفرادها أعضاء فيها.
فأي ربح هذا بمنطق حساباتنا؟ فامسك يا معترض.
* في المعتقل:
ثم لندخل إلى المعتقل، ولنرى كيف كان ربحا خالصا للطلبة الاثني عشر، فقد جمعهم النضال/الجهاد في الساحة الجامعية لزمن، ثم أقفلت دونهم أبواب السجن، فخلوا إلى بعضهم البعض، في تعارف دام 18 سنة. محبة ومودة ورحمة وأنسا وإيثارا وصلة وقربة، ما كانت زحمة الدنيا ولا كثرة المشاغل خارج السجن أن تجود عليهم بغرفة مما اغترفوه من هذه المعاني وهم في المعتقل.
أما الفتح العظيم، وأنا هنا أعبر إلى ذلك الميدان وذلك المرتع الفياض، وليصبر معي المعترض، وإني لأرى كفة الخسارة قد طاشت بما فيها إزاء كفة الربح وأنا أضع فيها ثُقال حفظ القرآن وحده.
فأي فضل أثقل في الميزان من فضل حفظ القرآن. وأنى لمن احتوشته الدنيا أن يجد فسحة من وقته يقتطعها تفرغا للنهل من كتاب الله حفظا وتدبرا وتلاوة آناء الليل وأطراف النهار. لعمرك هذا من بركة السجن.
فقد فتح الله للمعتقلين باب الخلوة والأنس به ومجالسته وذكره، فهو القائل في حديث قدسي: “أنا جليس من ذكرني” وجلسة ذكر إلى الشروق تعدل حجة وعمرة تامتين. فكم خلا الفتية بربهم محتسبين يذكرون الله قياما وقعودا ويسبحونه ويحمدونه ويستغفرون بكرة وأصيلا.
كانوا في رباط تربوي فاق كل التقديرات. ولو كان كتاب غينيز يؤرخ ويوثق لمثل هذه الانجازات لنالوا بها أوسمة الفخر والشرف.
لم يكن سجنهم دعة وكسلا وخمولا. ولم يكن سهرا وسمرا. لم تكن أنفاسهم تذهب حسرات ترقب تقلب الليل والنهار تعد انصرام الأيام والشهور والأعوام.بل كانت ذكرا وتسبيحا وتهليلا. وكان وقوفهم قياما لله وركوعهم وسجودهم طلبا للزلفى منه تعالى.
وقد أجزل لهم العطاء لما صفت منهم نية الطلب وحسن صدق القصد وخلصت له سبحانه الوجهة. فاطمأنت قلوبهم الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب.
ما أعُده من فضل ومنة ظاهرين قليل إذا ما تحدث بهما المفرج عنهم، وكتبوا وخطبوا بهما. وما منا من أحد يلومهم إن فعلوا وأما بنعمة ربك فحدث وأن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده. ومن الأثر الحديث عن تلك النعمة والاعتزاز بما من به سبحانه وهو المنان الوهاب ذو الأفضال.
ويعظم العطاء والإنعام إذا اقترنت نية الذكر بنية الجهاد ونصرة دعوة الله. وقد شهدنا على هذا الاقتران ونحن نزورهم في السجن. وظهر للناس وهم يقرؤون ما يكتبه المعتقلون وينشر في الصحف أو في موقع جماعة العدل والإحسان.لم يحبسهم عذر المعتقل عن الصدع بكلمة الحق، والتهمم بمآسي الناس، وإنكار الظلم ومساوئ الاستبداد. وذاك كان وسعهم، وبعد الوسع لا يظلم المرء ولا يلام.
وبعد الفراغ من هذا، وما هنالك من فراغ، كان الطلبة ينقلبون إلى صنف آخر من العمل، يطلبون ويسلكون به طريقا إلى الجنة. وهو طلب العلم الذي يرفع به الله الدرجات يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات.
فتتالت البشارات، نجاحا وتفوقا في علوم الفقه والحديث والسيرة و في الأدب والقانون وعلم النفس والاجتماع. ونالوا أعلى الدرجات، مما كان قد يمتنع عنهم لولا المعتقل.
فامسك يا معترض.
* في الصف:
قضى الله أن تكون رحم جماعة العدل والإحسان ولود. فقد كان اعتقال الطلبة الاثني عشر إذانا ببروز جيل جديد من الطلبة، برهنوا بنضالهم على ثباتهم على نهج سلفهم، وبأن تضحية وبذل من سبقوهم لم يذهبا سدى. وتلقفوا المشعل ليتمكن فصيل طلبة العدل والإحسان من هيكلة كل المواقع الجامعية وقيادة العمل الطلابي في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
أما الربح السياسي للجماعة فقد تبين في أطوار المحاكمة المهزلة للطلبة.حيث أجمعت كثير من الهيئات والمنظمات الحقوقية على أنها محاكمة سياسية بكل المقاييس.إذ أن قرائن الاتهام التي لفق محاضرها المخزن لا تقوم دليلا على تورط وتلبس المتهمين بقتل الضحية “المعطي بوملي”.
فغياب الحجة وعدم تلبس المتهمين بالجريمة ورفض المحكمة استدعاء شهود النفي رغم إلحاح الدفاع في ذلك. كل هذا يعد كافيا لاعتبار الحكم الذي نطقت به غرفة الجنايات باستئنافية وجدة حكما ظالما وعاريا عن كل سند قانوني.
وبهذا الحكم تكرست مظلومية الجماعة، وأيقن المتتبعون في الداخل والخارج بان النظام الحاكم إنما كان يستهدف بهذا الملف إضعاف الجماعة والضغط عليها والنيل من عزيمتها. كما تبين لهم بأنه ليس جادا في تلك الادعاءات التي أصم بها الآذان بإصلاح القضاء وضمان استقلاليته ونزاهته. فضلا عن الشعارات الجوفاء عن الديمقراطية ودولة الحق والقانون.
كان هذا الاعتقال والحكم فتحا آخر للجماعة.حيث اتسعت قاعدتها بخلاف ما كان يظن المخزن. وارتفعت شعبيتها وحظيت بالتعاطف والدعم والمساندة.
فامسك يامعترض.
ومن أفضال الاعتقال أن صار السجن المركزي بالقنيطرة ثم سجن بوركايز بمدينة فاس، قبلة لكل أعضاء الجماعة في المغرب ومن خارجه، وللمتعاطفين والأصدقاء.يشدون الرحال إليها من كل مدينة وقرية، من شرق المغرب ومن شماله وجنوبه ووسطه، لزيارة الأحبة المعتقلين. فأي صلة هذه وأي تواصل؟ وأي تعارف وتآلف وأي دعم ومساندة؟
ثمانية عشر سنة والصف مازال يتعبأ ويتلقن معاني الوفاء والعزة من صبر واحتساب الطلبة المعتقلين.وكان الانطباع الذي يردده كل الزوار، أن المعتقلين في فسحة، وأن من هم خارج السجن في معتقل فسيح.معتقل النظام ومعتقل الدنيا ومطالبها. فقد أدرك الزوار لما جالسوا الطلبة في الحبس، وتجاذبوا معهم أطراف الحديث، أن الذي يؤسر ليس هو جسد الإنسان وحركته، إنما هو القلب والروح، وقلب هؤلاء وروحهم لم يكونا مسجونين، بل كانا طليقين ومعلقين بالذي لا تحول دونه الخُشُبُ ولا الجدران، اللهُ الحنانُ ذو الكرم والإحسان.
كانا يترنحان في ركب المومنين، يسري بالليل والنهار رجاء ودعاء بالتثبيت والفرج. ويتشوفان إلى أمل لاحت بشائره بالفتح والنصر.فأنى لقلب وروح الله طلبتهما وهذا ركبهما وذاك أملهما أن يحبسهما الظالمون؟
والعجيب فعلا، أن المعتقلين هم الذين كانوا يربتون على أكتاف زوارهم ويوصونهم بالصبر. وهم الذين كانوا في السجن، في زعمنا، أنهم هم أحوج الناس إلى من يواسيهم ويوصيهم بالصبر.
* في الناس:
ظل ملف طلبة العدل والإحسان الاثني عسر حاضرا يتقلب في مختلف التقارير الحقوقية الوطنية والدولية. تفضح ظلم واستبداد النظام الحاكم، وتذكره في كل مناسبة بضرورة إنهائه وطيه.
كما ظلت ذكرى اعتقال الطلبة مناسبة تحييها الجماعة في شهر نونبر من كل سنة. تعقد العزم على استمرار دعم المعتقلين واهتمامها بحاضرهم ومآلهم.
كما كانت مناسبة لحشد مساندة ودعم الأحرار بهذا الوطن لهذا الملف وللجماعة، وذلك بدعوة الهيئات الحقوقية والجمعوية والسياسية ومختلف المنابر والأقلام الإعلامية وكثير من الفعاليات الثقافية والفنية لحضور الاحتفال بذكرى المعتقل، والوقوف على جديد الملف. ليتأكد الجميع، وسنة بعد أحرى، بأنه ملف سياسي بامتياز، خاصة وقد مرت به تلك الحملات والمبادرات التي سميت عفوا شاملا من النظام ولم تقف عنده. ولينقلب الحاضرون وفي أذهانهم تلك الصورة التي يحاول المخزن عبثا محوها، وهي أن النظام المغربي جلد جبار في ظلمه وعاجز جبان في عفوه.
أما بعد
إن الإفراج عن الطلبة الإحدى عشر، وقد بقي الدكتور بلقاسم التنوري في السجن حتى يكمل مدة العقوبة لأنه اعتقل في تاريخ لاحق لاعتقال إخوانه، إن هذا الإفراج سيكون مرة أخرى مناسبة لإعادة تعبئة الصف، واستواء أركانه واكتمال بنائه بحول الله ليواصل سيره وزحفه نحو إحقاق الحق وإبطال الباطل. ولن تزيده هذه الضربات التي يتلقاها من النظام إلا عزما وإصرارا على المضي، ويقينا في أن نيل العلى ودرب العزة والحرية والكرامة دون ذلك بذل المهج.
اعتراض قوات المخزن لمواكب استقبال المفرج عنهم في مدنهم وقراهم وأمام بيوتهم، كان امرأ متوقعا. لان المخزن يأبى أن يرى الفرحة تعم الناس، ويأبى أن يشارك الشعب الجماعة بهجتها. ويأبى أن يكون في الساحة حاضر ينشد ويتغنى بالحرية ويمانع سياسة الظلم والاستبداد.
لكن أليست هذه الهجمة المتجددة دليلا على استمرار مظلومية الجماعة، ودليلا على إمعان النظام في تحييد وحجب صوت العدل والحرية والكرامة؟
أليست دليلا على حنقه وغيضا من فيض حقده؟
الجماعة منعت من كل شيء.منعت من التنظيم والتجمع القانونين. منعت صحفها وجمعياتها، هدمت وأحرقت مخيماتها على الشواطئ، شمعت بيوت أعضائها وحرم الكثير منهم من جوازات السفر. واليوم هاهي تمنع من الفرح بخروج أبنائها من سجن الظلم.
هذه ليست شكوى بل بيان لسجل المنع الذي ينال الجماعة.
فإلى أين بهذا المنع وإلى متى؟
ألم تنظم مواكب لاستقبال بعض الذين شملهم العفو الشامل الهامل في مطارات وموانئ المغرب؟
ألم تقم لهم ندوات ولقاءات وحفلات، بل منهم من كوفئ بأعلى المناصب في الدولة وكانوا في الأمس القريب يتآمرون على قلب النظام؟
فهل هؤلاء الطلبة أخطر من أولئك؟
هل كانت تهمتهم الخيانة العظمى والتخطيط لزعزعة أركان الدولة؟
لماذا هذا الاستهداف للجماعة إذن؟ ولماذا هذا الحرص على تقزيمها وتقليم أظافرها؟
أسوق عبارة، وهي نداء وعهد ووفاء، أطلقها الأستاذ عبد السلام ياسين حفظه الله منذ ما يقرب العقدين علي أتلمس أجوبة عن هذه الأسئلة. حيث قال : “لا رجوع، لا رجوع، لا رجوع..” وهي كلمات لمعنى واحد، أيقنه الأستاذ المرشد، وتلقفه أعضاء الجماعة إدراكا ويقينا بالسمع والطاعة فلزموا مقتضاه، وفهم المخزن مغزاه.
فلا وربك لن يرفع المخزن وطأته على الجماعة حتى تذعن له وتتخلى عن هذا البيع،
ولا وربك لن نخون هذا العهد ولن نترك هذا الأمر حتى يتمه الله أو نهلك دونه.
فليقض المخزن ما هو قاض..
ولبلقاسم منا السلام
تحية وسلاما يا قاسم
وصبرا فنصر الله قادم
حقرت من الناس النوايا
وأنت في جنة الله قائم
فارتع في عرصة العطايا
واصنع لنفسك يا قاسمطوبى وقد بقيت بعد الصحب وحيدا في سجنك. طوبى لك وكل الدعاء موجه إليك في خلوتك.
ها أنت قد بقيت في المعتقل وحيدا كما جئته فردا وحيدا أول مرة. وستخرج منه كما دخلته وحيدا بعدهم. فأي اختيار هذا وأي اصطفاء؟ ولا تحسبن هذا الأمر سلب بعد عطاء ولا حرمان بعد إمداد ولا قبض بعد إسداء.بل إني والله لأراه دوام في الإنعام وزيادة في الإكرام ورفعة وبسط واجتباء. أوليس يؤتى المرء على قدر الابتلاء ؟
قاسم، لقد قسم الله لك عطاء خاصا. وأرادك له وحدك لتتقلب في قربه وأنسه، وتغرف من عطائه وكرمه، وقد شاركت الإحدى عشر فيما قسم لهم يوم كنت بينهم.
وما أخالك ولا يخالك الصف إلا صابرا محتسبا.فاغنم واغرف واستزد، وارقب يوما، وإنا معك نرتقب، يأذن الله فيه بفرجك لتلقى الأحبة، وكل الصف يتطلع إلى قدومك. وسيكون قدوما فريدا وترحيبا غير مسبوق وكلنا آنذاك نود لو نكون مكانك ونلقى حظوتك.
وسيكون منا ما يسر قلبك وتقر به إن شاء الله عينك.
والحمد لله رب العالمين.