تحيي شعوب العالم، ومعهم الشعب المغربي اليوم العالمي لحقوق الإنسان، الذي يتوافق مع 10 دجنبر من كل سنة، حيث مرت الآن 76 سنة على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يشكل أساس القانون الدولي لحقوق الإنسان. وهو الوثيقة الأم التي تولدت عنها كافة العهود والمواثيق والبروتوكولات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان بمختلف أجيالها، مدنية وسياسية، واقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية…
هاته السنة يخلد العالم أجمع اليوم العالمي لحقوق الإنسان وقد مرت 431 يوما من الإبادة الجماعية التي يمارسها الكيان الصهيوني ضد إخواننا وأخواتنا في قطاع غزة، هذا العالم وهو يسعى من أجل الحرية والكرامة والأمن والسلام يجد نفسه أمام سؤال محرج… ألا يحق للشعب الفلسطيني أن ينعم بهاته المبادئ ؟ أم أن الصهيونية أعمت الجميع؟
مبادئ أساسية يسعى العالم إلى تحقيقها في ظل موازين قوى عالمية تهيمن فيها قوى الاستكبار العالمي، التي مررت قرار تقسيم فلسطين بالجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نونبر 1947، وشرعنت هذه الجريمة المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني. وهي الدول نفسها التي كانت وراء اختلاق وإقامة الكيان الصهيوني العنصري الاستعماري الاستيطاني على أرض فلسطين في 14 ماي 1948 بعد ارتكاب العصابات الصهيونية لعشرات المذابح في المدن والقرى الفلسطينية. مما اضطر معه مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى اللجوء للدول المجاورة، أو الهجرة إلى مختلف أصقاع العالم.
ونحن نخلد هذه الذكرى تستمر هذه القوى الاستعمارية منذ 76 سنة في حماية الكيان الصهيوني، وفي إبقائه كاستثناء لا مثيل له في المنتظم الدولي، بعيدا عن أية مساءلة أو عقاب بخصوص جرائم الحرب والتطهير العرقي وجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها كل يوم.
كل هذا يعتبر امتحانا حقيقيا لهذه المبادئ ولصدق تلكم الشعارات المرفوعة ومصداقية المؤسسات الدولية المهتمة بالحقوق والحريات، والتي أكدت الأيام أنها فشلت في الامتحان بل سقطت سقوطا مدويا حيث لا أدل على ذلك من تصاعد جرائم العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني بشكل صارخ والمتمثلة في:
– الاعتداءات المستمرة على المقدسات الإسلامية والمسيحية، والاقتحامات المتكررة للمستوطنين الصهاينة لباحات المسجد الأقصى، بحماية من قوات الاحتلال الصهيوني، التي تشرف على حمايتهم ومشاركتهم في الاعتداءات اليومية على سكان مدينة القدس، الذين يتوجهون للصلاة، والرباط بالمسجد الأقصى، أو على السكان القريبين من المستوطنات بمدن الضفة الغربية.
– ارتكاب جنود الاحتلال الصهيوني لجرائم القتل اليومي والإعدام خارج نطاق القانون في حق أبناء وبنات الشعب الفلسطيني؛ ويشمل الأطفال والشيوخ والنساء، دون أدنى تحرك سواء من الدول التي تتغنى بحقوق الإنسان، أو حتى من مؤسسات الأمم المتحدة التي من المفروض أن تضطلع بأدوارها في مساءلة ومعاقبة الكيان الصهيوني على جرائمه المستمرة.
– استمرار حصار غزة منذ أكثر من 18 سنة والآثار الكارثية التي يتسبب فيها على الإنسان وعلى الحياة بشكل عام، من حصار وتجويع وغياب اي ظروف الحياة الإنسانية، مع ما يرافق ذلك من هدم البيوت ومصادرة الأراضي واقتلاع الأشجار، وبناء المزيد من المستوطنات ومن مداهمة البيوت والقيام بحملات اعتقال واسعة في صفوف المناضلات والمناضلين المناهضين للاحتلال. وهو ما يزيد من عدد الأسرى والأسيرات الذين يعانون في سجون الاحتلال الصهيوني من مختلف جرائمه اتجاه الحركة الأسيرة، التي لا تتوقف عن خوض المعارك من خلف القضبان، خصوصا بالنسبة للذين يوجدون في أوضاع صحية خطيرة، أو الذين يوجدون في وضعية اعتقال إداري لسنوات دون توجيه أي تهمة لهم، أو الأطفال…
– تجاوز عدد الشهداء أكثر من 45 ألف شهيد وأكثر من مائة الف جريح ومصاب.
أما عن بلدنا الحبيب فتسونامي التطبيع مستمر ويشكل خطرا على الأمن العام الداخلي والخارجي، وعلى أسرار الدولة وعلى مؤسساتها، وهو بذلك سينقلب في النهاية من أسلوب سياسي واقتصادي وعسكري ومخابراتي وتعاون سياحي ورياضي وثقافي وفني وتكنولوجي… ظاهريا، نحو طابع جرمي في عمقه وأبعاده بتهديده للسيادة الوطنية للمغرب وللسلامة الداخلية والخارجية للدولة ولكل المجتمع.
وإذ نأسف على استمرار محاكمة المناهضين للتطبيع، فإننا نستغرب أن تعقد جلسة للمحاكمة للمهندس إسماعيل الغزاوي في نفس اليوم، بالإضافة لمتابعة 13 مناضلا من الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، ذنبهم الوحيد انهم نظموا وقفة سلمية داعمة للشعب الفلسطيني التي ستعقد جلسة المحاكمة التاسعة يوم الخميس 12 دجنبر 2024.
ولأن “المناسبة شرط”، كما يقال، نذكر من له ضمير حي بملفات جماعة العدل والإحسان التي عمرت كثيرا ومنها التضييق المستمر وحرمانها من الفضاءات العمومية والإعلام العمومي، وإعفاء أطر يشهد لهم العدو قبل الصديق بكفاءتهم، من مهامهم منذ 2017، وتشميع البيوت منذ 2006، والترسيبات… ناهيك عن استمرار الاعتقال السياسي والتشهير بالمعارضين ومحاكمة من يفضح الفساد… كل هذا والمغرب يرأس مجلس حقوق الإنسان الدولي.
وكل ما نتمناه جميعا أن نستيقظ يوما وكل هاته الملفات قد حلت، ومغربنا الحبيب ينعم بالحرية والكرامة والعدل.
وما ذلك على الله بعزيز.