ما أشبه اليوم بالأمس

Cover Image for ما أشبه اليوم بالأمس
نشر بتاريخ

إن ما يجري اليوم من أحداث مؤلمة ومروعة في فلسطين الحبيبة وفي غزة الأبية من تقتيل لأطفال المسلمين ونسائهم وشبابهم، ومن تهجير قسري، ومن محاولات للتطهير العرقي والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، ما هو إلا تجلٍّ لسنة من سنن الله تعالى في كونه، سنة الصراع الدائم بين الحق والباطل. قال تعالى: وَلَوْلَا دِفَٰعُ اُ۬للَّهِ اِ۬لنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٖ لَّفَسَدَتِ اِ۬لَارْضُ وَلَٰكِنَّ اَ۬للَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَي اَ۬لْعَٰلَمِينَۖ (البقرة، 249).

وقد أكد لنا تاريخ الأمم أن سنة الله تعالى في خلقه أن يتصارع أهل الحق وأهل الباطل، والغلبة دائما تكون للحق وأهله وَالْعَٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَۖ (القصص، 83).

فالله خلق خلقه وأمضى ويمضي سنته وأقداره إلى يوم الدين، وهو اللطيف الرحيم بعباده المؤمنين، ينصر جنده متى شاء وبما شاء وكيفما شاء، سبحانه هو العلي الكبير.

ولنا في غزوة الأحزاب أكبر درس حتى نزل فيها قرآن يتلى؛ وقد تحالفت الأحزاب والقبائل، واجتمع العدو مع عدوه واتفقوا على شن الحرب على المسلمين.

فاجتمعت جنود أهل مكة، والحجاز، ونجد، وتحالفت معهم طوائف اليهود، وتعاهدوا على استئصال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، وحاصروهم من كل حدب وصوب، وطالت المدة حتى ظن الناس أن لن ينصروا؛ لِما رأوا من ضعف أسباب النصر وكثرة جنود العدو وقوة عُدتهم وعتادهم. وقد وصف الله تعالى المشهد وصفا دقيقا في سورة الأحزاب فقال لنا: اِذْ جَآءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنَ اَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ اِ۬لَابْصَٰرُ وَبَلَغَتِ اِ۬لْقُلُوبُ اُ۬لْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ اِ۬لظُّنُونَاۖ (الأحزاب، 10).

زاغت الأبصار فأصبحت شاخصة لا تتحرك من هول الصدمة والإحساس بالضعف والهوان، وبلغت القلوب الحناجر وكأنها قد تحركت عن أماكنها من الرعب والخوف حتى بلغت الحناجر، وتظنون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يُغلب وأن ما وعده الله من نصر لن يحصل…

مشهد عظيم، ومواقف شديدة مر بها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان ابتلاء وزلزلة شديدة للمؤمنين هُنَالِكَ اَ۟بْتُلِيَ اَ۬لْمُومِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاٗ شَدِيداٗۖ (الأحزاب، 11)، خاصة أن المنافقين كانوا يقولون: لن يُنصر محمد وسوف يستأصل وتنتهي دعوته، إِذْ يَقُولُ اُ۬لْمُنَٰفِقُونَ وَالذِينَ فِے قُلُوبِهِم مَّرَضٞ مَّا وَعَدَنَا اَ۬للَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ إِلَّا غُرُوراٗۖ (الأحزاب، 12).

ابتلاء محص الله به المؤمن من المنافق، والثابت من المتزعزعِ إيمانه، وأهل اليقين من أهل الشك والظنون. ثم يأتي من بعده الفرج والنصر الموعود الذي يذكرنا الله تعالى به في قوله: يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۟ذْكُرُواْ نِعْمَةَ اَ۬للَّهِ عَلَيْكُمُۥٓ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٞ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاٗ وَجُنُوداٗ لَّمْ تَرَوْهَاۖ وَكَانَ اَ۬للَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراًۖ (الأحزاب، 9). نصرهم الله بجنود لا قبل لهم بها ولم يروها، وكانت الريح جند من جنود الله ينصر بها عباده المؤمنين  ويدحض بها عمل الكافرين، وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۖ (المدثر، 31).

فما أشبه اليوم، والمسلمون يعيشون أياما عصيبة من تكالب الأمم عليهم؛ من أنظمة العرب والمسلمين المتخاذلة، ومن منافقين من بني جلدتنا، ومن كافرين، ومن استكبار عالمي متواطئ مع الصهاينة في ضرب وتجاهل تام لجميع مظاهر الإنسانية… بأمس رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته. ومن لم يأخذ العبرة من ماضيه وتاريخه فلا حاضر له ولا مستقبل. وإن سنة الله تعالى في خلقه لا تتبدل ولا تتغير.

وربنا سبحانه وتعالى اليوم، يمحص عباده، ويقيم الحجة عليهم قبل أن ينزل نصره وتأييده القريب بإذنه تعالى وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ اُ۬لْغَٰلِبُونَۖ (الصافات، 173).

فلينظر كل واحد منا، وليختر مكانه في هذه المعركة، فهي إحدى اثنين لا ثالث لهما:

– إما أن تكون مع جند الله الظانين بالله الحق والنصر والتأييد، وتعمل على نصرة دعوته ونصرة جنده من مكانك بما أوتيت من الوسائل، وتتسلح باليقين التام بأننا على الحق، وبأن إخوتنا في فلسطين واقفون في جبهة الحق، وأن الله ناصرهم ولو بعد حين كَتَبَ اَ۬للَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِيَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞۖ (المجادلة، 20). وأن وعد الله حق، وسبحانه لا يخلف الميعاد. ثم تحمد الله تعالى وتشكره أن اختارك لتكون مع الفئة الناصرة للحق ومع حزب الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

– وإما أن تكون في صف المنافقين الظانين بالله الظنونا، الشاكين في نصر الله، المروجين للفتنة وسط المسلمين والعياذ بالله.

فليختر كل منا موقعه. وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَيٰٓ أَمْرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ اَ۬لنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَۖ (يوسف، 21).