محبة الصِّدّيق للصَّادق الأمين

Cover Image for محبة الصِّدّيق للصَّادق الأمين
نشر بتاريخ

هنيئا لقلب حلّ به حب الحبيب أحمد، وهنيئا لقلب أبا بكر إذ لامس حب المصطفى شغاف قلبه واعتمر بالصدق اتجاهه، فكان أول الصديقين الأحرار بمحمد ورسالته. حسبكَ به فخرا أنَّك ثانيَ اثْنين في الغار، ويكفيك وساما ثناءُ الملكِ العظيم الجبَّار في قوله تعالى: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (التوبة، 40).

بجانب المحبة التي كنها سيدنا أبا بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرافقه ويصاحبه صلى الله عليه وسلم في غزواته، وفي الحضر والسفر، وكان من أشد الصحابة تأذيا نظرا لهذه المرافقة الدائمة. وهو أول من صدق برسول الله وما أنزل عليه، قال تعالى: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (الزمر، 33).

وفي إعراب العرب لهاته الآية الكريمة:

(وَالَّذِي) الواو حرف استئناف واسم موصول مبتدأ (جاءَ) ماض فاعله مستتر (بِالصِّدْقِ) متعلقان بالفعل والجملة صلة (وَصَدَّقَ) ماض فاعله مستتر والجملة معطوفة على ما قبلها (بِهِ) متعلقان بالفعل (أُولئِكَ) مبتدأ (هُمُ) ضمير فصل (الْمُتَّقُونَ) خبر المبتدأ مرفوع بالواو والجملة الاسمية خبر المبتدأ (الذي) وجملة الذي استئنافية.

وفي معناها قيل:

الذي جاء بالصدق هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والصدق: القرآن كما جاء في قوله عز وجل: وكذَّب بالصدق إذ جاءه (الزمر، 32).

وجملة “وصدَّقَ بهِ” صلة موصول محذوف تقديره: والذي صدق به، لأن المصدق غير الذي جاء بالصدق، والقرينة ظاهرة؛ لأن الذي صَدَّق غير الذي جاء بالصدق، فالعطف عطف جملة كاملة وليس عطف جملة صِلة.

وضمير {بِه} يجوز أن يعود على (الصدق) ويجوز أن يعود على الذي {جَاءَ بالصِدْق}، والتصديق بكليهما متلازم، وإن كان المصدقون بالقرآن أو بالنبي صلى الله عليه وسلم من ثبت له هذا الوصف كان مراداً به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهم جماعة فلا تقع صفتهم صلة ل{الذي} لأن أصله للمفرد، فتعين تأويله بفريق، وقرينته {أولئك هم المتقون}، وإنما أفرد عائد الموصول في قوله: {وصَدَّقَ} رعياً للفظ {الذي} وذلك كله من الإِيجاز .

وروى الطبري بسنده إلى علي بن أبي طالب أنه قال: الذي جاء بالصدق محمد صلى الله عليه وسلم والذي صدق به أبو بكر، وقاله الكلبي وأبو العالية، ومحمله على أن أبا بكر أول من صدّق برسول الله 1.

صفة لم ينفرد بها، بالتأكيد، سيدنا أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، ولكنه قطعا حاز فيها السبق، وأدرك ذروتها، وتشرف بالدافع إليها، المحبة الخالصة والعظيمة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، محبة ملأت جوارحه وأنفاسه، وكانت حاذيه لحيازة محبة النبي الأكرم له.

والحديثُ عن حُبِّ الصدِّيقِ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم يصعب أن تحيط به الأفكار أو تعبر عنه الكلمات،  فقد كان يفرح بفرح رسول الله ويتأذى إن تأذت أدنى شعرة له، يظمأ لظمأ صاحبه ويرتوي لارتوائه.. فطوبى لقلبك المصدّق بالحق وما أنزل على رسول الله وهنيئا لك منزلة الشرف الذي بوأتك هذه المحبة: صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهنيئا لنا من بعده؛ وقد حظينا بشوق النبي لنا نحن إخوانه، بما جاء على لسان الصادق الأمين: اشتقت لإخواني.. هم قوم يأتون بعدي يؤمنون بي ولم يروني.. وليشهد الله أننا نشهدك سيدي أنك رسول الله؛ أديت الأمانة وبلغت الرسالة وجاهدت في الأمة حق الجهاد.

هنيئا لكل من ملك حب محمد والشوق له ثنايا قلبه، وغمره فرحا وسعادة بنبيه صلى الله عليه وسلم، وحمدا وثناء لربه عز وجل، كيف لا يحق للمؤمن الفرح برحمة الله المهداة للعالمين وهو المنجي والشافع والقائد لجنات النعيم، باب الله تعالى، فداك أبي وأمي سيدي يا رسول الله.

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وعلى ذريته وآل بيته بقدر حبك فيه، وحببه فينا وزدنا يا مولانا حبا فيه.


[1] محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير.