تقديم
أعطى كفار قريش المال لحسان بن ثابت ليهجو النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج ليراه ليجد فيه عيباَ ليهجوه به، فلما رآه رجع إلى كفار قريش رد إليهم مالهم، وبدل ما يهجوه مدحه في قصيدة من أروع قصائد المدح:
لما رأيت أنواره سطعت**وضعت من خيفتي كفي على بصري
خوفا على بصري من حسن صورته**فلست أنظره إلا على قدري
روح من النور في جسم من القمري**كحلية نسجت من الأنجم الزهري
ويقول أيضا:
وأجمل منك لم تر قط عيني**وأكرم منك لم تلد النساء
خلقت مبرأ من كل عيب**كأنك قد خلقت كما تشاء
ورأته أعرابية عجوز في الصحراء، وهو مطارد تتبعه قريش ومن معها يوم الهجرة، فقالت في وصفه، وهي لا تعرفه: أبهى الناس وأجملهم من بعيد، وأحسنهم من قريب غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدا، له رفقاء يحفون به، إن قال استمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأمره محفود محشود، لا عابس ولا منفد.)
صفة لونه
عن أنس رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أزهر اللون، ليس بالأدهم ولا بالأبيض الأمهق -أي لم يكن شديد البياض والبرص- يتلألأ نوراً.”
صفة وجهه
كان صلى الله عليه وسلم أسيل الوجه (الخد الناعم الأملس) مسنون الخدين (حسنه وسهله)، ولم يكن مستديراً غاية التدوير، بل كان بين الاستدارة والإسالة هو أجمل عند كل ذي ذوق سليم. وكان وجهه مثل الشمس والقمر في الإشراق والصفاء، مليحاً كأنما صيغ من فضة لا أوضأ ولا أضوأ منه، وكان صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأن وجهه قطعة قمر. قال عنه البراء بن عازب: كان أحسن الناس وجهًا وأحسنهم خلقا.)
صفة جبينه
وكان صلى الله عليه وسلم واسع الجبين أي ممتد الجبين طولاً وعرضاً، والجبين هو غير الجبهة، هو ما اكتنف الجبهة من يمين وشمال، فهما جبينان، فتكون الجبهة بين جبينين، وسعة الجبين محمودة عند كل ذي ذوق سليم.
وقد وصفه ابن أبي خيثمة فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلى الجبين، إذا طلع جبينه بين الشعر أو طلع من فلق الشعر أو عند الليل أو طلع بوجهه على الناس، تراءى جبينه كأنه السراج المتوقد يتلألأ.)
صفة حاجبيه
كان حاجباه صلى الله عليه وسلم قويان مقوسان، متصلان اتصالاً خفيفاً، لا يرى اتصالهما إلا أن يكون مسافراً وذلك بسبب غبار السفر.
صفة عينيه
كان صلى الله عليه وسلم مشرب العينين بحمرة، وقوله مشرب العين بحمرة: هي عروق حمر رقاق، وهي من علاماته صلى الله عليه وسلم التي في الكتب السالفة. وكانت عيناه واسعتين جميلتين، شديدتي سواد الحدقة، ذات أهداب طويلة -أي رموش العينين -، ناصعتي البياض وكان صلى الله عليه وسلم أشكل العينين.
قال القسطلاني في المواهب: الشكلة بضم الشين هي الحمرة تكون في بياض العين وهو محبوب محمود). وقال الزرقاني: قال الحافظ العراقي: هي إحدى علامات نبوته صلى الله عليه وسلم، ولما سافر مع ميسرة إلى الشام سأل عنه الراهب ميسرة فقال: في عينيه حمرة؟ فقال الراهب: ما تفارقه).
وكان صلى الله عليه وسلم “إذا نظرت إليه قلت أكحل العينين وليس بأكحل” 1 .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كانت عيناه صلى الله عليه وسلم نجلاوين أدعجهما – والعين النجلاء الواسعة الحسنة والدعج: شدة سواد الحدقة، ولا يكون الدعج في شيء إلا في سواد الحدقة – وكان أهدب الأشفار حتى تكاد تلتبس من كثرتها.” 2
صفة أنفه
يحسبه من لم يتأمله صلى الله عليه وسلم أشماً ولم يكن أشماً وكان مستقيماً، أقنى أي طويلاً في وسطه بعض ارتفاع، مع دقة أرنبته والأرنبة هي ما لان من الأنف.
صفة خديه
كان صلى الله عليه وسلم صلب الخدين.
وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده. “ 3
صفة فمه وأسنانه
قال هند بن أبي هالة رضي الله عنه: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشنب مفلج الأسنان. “ 4 الأشنب: هو الذي في أسنانه رقة وتحدد.
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضليع الفم (أي واسع الفم) جميله، وكان من أحسن عباد الله شفتين وألطفهم ختم فم.
وكان صلى الله عليه وسلم وسيماً أشنب – أبيض الأسنان مفلج أي متفرق الأسنان، بعيد ما بين الثنايا والرباعيات -أفلج الثنيتين- الثنايا جمع ثنية بالتشديد وهي الأسنان الأربع التي في مقدم الفم، ثنتان من فوق وثنتان من تحت، والفلج هو تباعد بين الأسنان، إذا تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه.”
صفة ريقه
لقد أعطى الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم خصائص كثيرة لريقه الشريف ومن ذلك أن ريقه صلى الله عليه وسلم فيه شفاء للعليل، ورواء للغليل وغذاء وقوة وبركة ونماء، فكم داوى صلى الله عليه وسلم بريقه الشريف من مريض فبرئ من ساعته بإذن الله. فقد جاء في الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلهم يرجو أن يعطاها، فقال صلى الله عليه وسلم: أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال: فأرسلوا إليه. فأتي به وفي رواية مسلم: قال سلمة: فأرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي، فجئت به أقوده أرمد، فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، فبرئ كأنه لم يكن به وجع”.
وروى الطبراني وأبو نعيم أن عميرة بنت مسعود الأنصارية وأخواتها دخلن على النبي صلى الله عليه وسلم يبايعنه، وهن خمس، فوجدنه يأكل قديداً (لحم مجفف)، فمضغ لهن قديدة، قالت عميرة: ثم ناولني القديدة فقسمتها بينهن، فمضغت كل واحدة قطعة فلقين الله تعالى وما وجد لأفواههن خلوف، أي تغير رائحة فم.
ومما يروى في عجائب غزوة أحد، ما أصاب قتادة رضي الله عنه بسهم في عينه قد فقأتها له، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تدلت عينه، فأخذها صلى الله عليه وسلم بيده وأعادها ثم تفل بها ومسح عليها وقال: قم معافى بإذن الله، فعادت أبصر من أختها، فقال الشاعر:
اللهم صل على من سمى ونمى**ورد عين قتادة بعد العمى
صفة لحيته
“كان رسول الله صلى الله عليه حسن اللحية” 5 .
وقالت عائشة رضي الله عنها: “كان صلى الله عليه وسلم كث اللحية -والكث: الكثير منابت الشعر الملتفها- وكانت عنفقته بارزة، وحولها كبياض اللؤلؤ، في أسفل عنفقته شعر منقاد حتى يقع انقيادها على شعر اللحية حتى يكون كأنه منها” 6 .
وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: “كان في عنفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم شعرات بيض” 7 .
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: “لم يختضب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان البياض في عنفقته” 8 .
و“كان صلى الله عليه وسلم أسود كث اللحية، بمقدار قبضة اليد، يحسنها ويطيبها، أي يضع عليها الطيب. وكان صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته ويكثر القناع كأن ثوبه ثوب زيات. “ 9
صفة شعره
كان صلى الله عليه وسلم شديد السواد رجلاً، أي ليس مسترسلاً كشعر الروم ولا جعداً كشعر السودان وإنما هو على هيئة المتمشط، يصل إلى أنصاف أذنيه حيناً ويرسله أحياناً فيصل إلى شحمة أذنيه أو بين أذنيه وعاتقه، وغاية طوله أن يضرب منكبيه إذا طال زمان إرساله بعد الحلق، وبهذا يجمع بين الروايات الواردة في هذا الشأن، حيث أخبر كل واحدٍ من الرواة عما رآه في حين من الأحيان.
قال الإمام النووي: هذا، ولم يحلق النبي صلى الله عليه وسلم رأسه (أي بالكلية) في سني الهجرة إلا عام الحديبية ثم عام عمرة القضاء ثم عام حجة الوداع).
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير شعر الرأس راجله” 10 .
ولم يكن في رأس النبي صلى الله عليه وسلم شيب إلا شعيرات في مفرق رأسه، فقد أخبر ابن سعيد أنه ما كان في لحية النبي صلى الله عليه وسلم ورأسه إلا سبع عشرة شعرة بيضاء.
وفي بعض الأحاديث ما يفيد أن شيبه لا يزيد على عشرة شعرات وكان صلى الله عليه وسلم إذا ادهن واراهن الدهن، أي أخفاهن، وكان يدهن بالطيب والحناء.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه، وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، فسدل النبي صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد” 11 .
وكان رجل الشعر حسناً ليس بالسبط ولا الجعد القطط، كما إذا مشطه بالمشط كأنه حبك الرمل، أو كأنه المتون التي تكون في الغدر إذا سفتها الرياح، فإذا مكث لم يرجل أخذ بعضه بعضاً، وتحلق حتى يكون متحلقاً كالخواتم، لما كان أول مرة سدل ناصيته بين عينيه كما تسدل نواصي الخيل جاءه جبريل عليه السلام بالفرق ففرق.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كنت إذا أردت أن أفرق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم صدعت الفرق من نافوخه وأرسل ناصيته بين عينيه” 12 .
وكان صلى الله عليه وسلم يسدل شعره، أي يرسله ثم ترك ذلك وصار يفرقه، فكان الفرق مستحباً، وهو آخر الأمرين منه صلى الله عليه وسلم. وفرق شعر الرأس هو قسمته في المفرق وهو وسط الرأس. وكان يبدأ في ترجيل شعره من الجهة اليمنى، فكان يفرق رأسه ثم يمشط الشق الأيمن ثم الشق الأيسر.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يترجل غباً، أي يمشط شعره ويتعهده من وقت إلى آخر. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في طهوره، أي الابتداء باليمين، إذا تطهر وفي ترجله إذا ترجل وفي انتعاله إذا انتعل” 13 .
وعن عبد الله بن وهب قال: “أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء، وقبض إسرائيل ثلاث أصابع من قُصة فيها شعر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إذا أصاب الإنسان عن أو شيء بعث إليها مخضبة، فاطلعت في الجلجل (شيء يشبه القارورة) فرأيت شعرات حُمر” 14 .
قال الحافظ في الفتح: المراد أنه كان من اشتكى أرسل إناء إلى أم سلمة فتجعل فيه تلك الشعرات تغسلها فيه وتعيده فيشربه صاحب الإناء أو يغتسل به استشفاء بها فتحصل له بركتها).
وقد حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه في حجة الوداع وقال للحلاق: “اقسم الشعر” فقسمه بين الناس كما في صحيح البخاري. وفي عمرته بعد حجته أخذ خالد بن الوليد رضي الله عنه شعر ناصية الرسول صلى الله عليه وسلم تبركًا به ووضعه في قلنسوته، ففقدها مرة في بعض غزواته، ففتش عنها حتى وجدها فقال: “إن فيها شعر ناصية الرسول صلى الله عليه وسلم، ما كانت معي في غزوة إلا رُزقت النصرة. “ 15
صفة عنقه ورقبته
رقبته فيها طول، أما عنقه فكأنه جيد دمية (الجيد: هو العنق، والدمية: هي الصورة التي بولغ في تحسينها).
فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: “كان عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم إبريق فضة” 16 .
وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما قالت: “كان أحسن عباد الله عنقاً، لا ينسب إلى الطول ولا إلى القصر، ما ظهر من عنقه للشمس والرياح فكأنه إبريق فضة يشوب ذهباً يتلألأ في بياض الفضة وحمرة الذهب، وما غيب في الثياب من عنقه فما تحتها فكأنه القمر ليلة البدر.” 17
صفة منكبيه
كان صلى الله عليه وسلم أشعر المنكبين (أي عليهما شعر كثير)، واسع ما بينهما، والمنكب هو مجمع العضد والكتف. والمراد بكونه بعيد ما بين المنكبين أنه عريض أعلى الظهر ويلزمه أنه عريض الصدر مع الإشارة إلى أن بعد ما بين منكبيه لم يكن منافياً للاعتدال. وكان كتفاه عريضين عظيمين.
صفة خاتم النبوة
وهو خاتم أسود اللون مثل الهلال وفي رواية أنه أخضر اللون، وفي رواية أنه كان أحمراً، وفي رواية أخرى أنه كلون جسده. ويبلغ حجم الخاتم قدر بيضة الحمامة، وورد أنه كان على أعلى كتف النبي صلى الله عليه وسلم الأيسر. وقد عرف سلمان الفارسي رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الخاتم. فعن عبد الله بن سرجس قال: “رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأكلت معه خبزاً ولحماً وقال ثريداً. فقيل له: أستغفر لك النبي؟ قال: نعم ولك، ثم تلى هذه الآية: (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) محمد/19. قال: ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند ناغض كتفه (أعلى الكتف وقيل هو العظم الدقيق الذي على طرف الكتف) اليسرى عليه خيلان (الشامة في الجسد) كأمثال الثآليل (جمع ثؤلول وهو هذه الحبة التي تظهر في الجلد كالحمصة فما دونها)” 18 .
قال أبو زيد رضي الله عنه: “قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اقترب مني، فاقتربت منه، فقال: أدخل يدك فامسح ظهري، قال: فأدخلت يدي في قميصه فمسحت ظهره فوقع خاتم النبوة بين أصبعي قال: فسئل عن خاتم النبوة فقال: شعرات بين كتفيه. “ 19
صفة إبطيه
كان صلى الله عليه وسلم أبيض الإبطين، وبياض الإبطين من علامة نبوته إذ إن الإبط من جميع الناس يكون عادة متغير اللون. قال عبد الله بن مالك رضي الله عنه: “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد فرج بين يديه (أي باعد) حتى نرى بياض إبطيه” 20 . وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد جافى حتى يرى بياض إبطيه. “ 21
صفة ذراعيه
كان صلى الله عليه وسلم أشعر، طويل الزندين (أي الذراعين)، سبط القصب (القصب يريد به ساعديه).
صفة كفيه
كان صلى الله عليه وسلم رحب الراحة (أي واسع الكف) كفه ممتلئة لحماً، غير أنها مع غاية ضخامتها كانت لينة أي ناعمة. قال أنس رضي الله عنه: “ما مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم”. وأما ما ورد في روايات أخرى عن خشونة كفيه وغلاظتها، فهو محمول على ما إذا عمل في الجهاد أو مهنة أهله، فإن كفه الشريفة تصير خشنة للعارض المذكور (أي العمل) وإذا ترك رجعت إلى النعومة. وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: “صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله وخرجت معه فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدي أحدهم واحداً واحداً. قال: وأما أنا فمسح خدي. قال: فوجدت ليده برداً أو ريحاً كأنما أخرجها من جونة (التي يعد فيها الطيب) عطار.” 22
صفة أصابعه
قال هند بن أبي هالة رضي الله عنه: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سائل الأطراف (سائل الأطراف: يريد الأصابع أنها طوال ليست بمنعقدة). “ 23
صفة صدره
كان صلى الله عليه وسلم عريض الصدر، ممتلئا لحماً، ليس بالسمين ولا بالنحيل، سواء البطن والظهر.
وكان صلى الله عليه وسلم أشعر أعالي الصدر، عاري الثديين والبطن (أي لم يكن عليها شعر كثير) طويل المسربة وهو الشعر الدقيق.
صفة بطنه
قالت أم معبد رضي الله عنها: “لم تعبه ثلجه.” الثلجة: كبر البطن.
صفة سرته
عن هند بن أبي هالة رضي الله عنه: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دقيق المسربة موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك” 24 واللبة المنحر وهو النقرة التي فوق الصدر.
صفة مفاصله وركبتيه
كان صلى الله عليه وسلم ضخم الأعضاء كالركبتين والمرفقين والمنكبين والأصابع، وكل ذلك من دلائل قوته صلى الله عليه وسلم.
صفة ساقيه
عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: “وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إلى بيض ساقيه. “ 25
صفة قدميه
قال هند بن أبي هالة رضي الله عنه: “كان النبي صلى الله عليه وسلم خمصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء ششن الكفين والقدمين” 26 . قوله: خمصان الأخمصين: الأخمص من القدم ما بين صدرها وعقبها، وهو الذي لا يلتصق بالأرض من القدمين، يريد أن ذلك منه مرتفع. مسيح القدمين: يريد أنهما ملساوان ليس في ظهورهما تكسر لذا قال ينبو عنهما الماء، يعني أنه لا ثبات للماء عليها وششن الكفين والقدمين أي غليظ الأصابع والراحة. وكان صلى الله عليه وسلم أشبه الناس بسيدنا إبراهيم عليه السلام، وكانت قدماه الشريفتان تشبهان قدمي سيدنا إبراهيم عليه السلام كما هي آثارها في مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام.
صفة عقبيه
كان رسول صلى الله عليه وسلم منهوس العقبين أي لحمهما قليل.
صفة قامته وطوله
عن أنس رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة من القوم (أي مربوع القامة)، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وكان إلى الطول أقرب”.
وقد ورد عند البيهقي وابن عساكر أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يماشي أحداً من الناس إلا طاله، ولربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما فإذا فارقاه نسب إلى الربعة، وكان إذا جلس يكون كتفه أعلى من الجالس. فكان صلى الله عليه وسلم حسن الجسم، معتدل الخلق ومتناسب الأعضاء.
صفة عرقه
عن أنس رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ (أي كان صافياً أبيضاً مثل اللؤلؤ)”. وقال أيضاً: “ما شممت عنبراً قط ولا مسكاً أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم” 27 .
وعن أنس أيضاً قال: “دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (أي نام) عندنا، فعرق وجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: عرق نجعله في طيبنا وهو أطيب الطيب” 28 . وفيه دليل أن الصحابة كانوا يتبركون بآثار النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم أم سليم على ذلك.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا صافحه الرجل وجد ريحه (أي تبقى رائحة النبي صلى الله عليه وسلم على يد الرجل الذي صافحه)، وإذا وضع يده على رأس صبي، فيظل يومه يعرف من بين الصبيان بريحه على رأسه.
صفة مشيته
إذا مشى تكفأ (يسرع لكن في اعتدال فلا هو بالسريع ولا هو بالبطيء) كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعا، وما رئي أحد أسرع مشياً منه، كأن الأرض تطوى له، وإن من معه ليجهد أن يدركه، وإنه لغير مكترث.
ما جاء في اعتدال خلقه صلى الله عليه وسلم
قال هند بن أبي هالة رضي الله عنه: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتدل الخلق، بادن متماسك، سواء البطن والصدر” 29 .
وقال البراء بن عازب رضي الله عنه: “كان رسول الله أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً. “ 30
الحبيب صلى الله عليه وسلم بوصفٍ شامل
يروى أن “الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه ومولاه ودليلهما، خرجوا من مكة ومروا على خيمة امرأة عجوز تسمى (أم معبد)، كانت تجلس قرب الخيمة تسقي وتطعم، فسألوها لحماً وتمراً ليشتروا منها، فلم يجدوا عندها شيئاً. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في جانب الخيمة، وكان قد نفد زادهم وجاعوا. وسأل النبي صلى الله عليه وسلم أم معبد: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت: شاة خلفها الجهد والضعف عن الغنم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل بها من لبن؟ قالت: بأبي أنت وأمي، إن رأيت بها حلباً فاحلبها، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الشاة، ومسح بيده ضرعها، وسمى الله جل ثناؤه ثم دعا لأم معبد في شاتها حتى فتحت الشاة رجليها، ودرت. فدعا بإناء كبير، فحلب فيه حتى امتلأ، ثم سقى المرأة حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب آخرهم، ثم حلب في الإناء مرة ثانية حتى ملأ الإناء، ثم تركه عندها وارتحلوا عنها. وبعد قليل أتى زوج المرأة يسوق عنزاً يتمايلن من الضعف، فرأى اللبن، فقال لزوجته: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد والشاة عازب ولا حلوب في البيت!، فقالت: لا والله، إنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا، فقال أبو معبد: صفيه لي يا أم معبد، فقالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه (أي مشرق الوجه)، لم تعبه نحلة (أي نحول الجسم) ولم تزر به صقلة (أنه ليس بناحلٍ ولا سمين)، وسيمٌ قسيم (أي حسن وضيء)، في عينيه دعج (أي سواد)، وفي أشفاره وطف (طويل شعر العين)، وفي صوته صحل (بحة وحسن)، وفي عنقه سطع (طول)، وفي لحيته كثاثة (كثرة شعر)، أزج أقرن (حاجباه طويلان ومقوسان ومتصلان)، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأجلاهم وأحسنهم من قريب، حلو المنطق، فصل لا تذر ولا هذر (كلامه بين وسط ليس بالقليل ولا بالكثير)، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة (ليس بالطويل البائن ولا بالقصير)، لا يأس من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأمره، محشود محفود (أي عنده جماعة من أصحابه يطيعونه)، لا عابس ولا مفند (غير عابس الوجه، وكلامه خالٍ من الخرافة)، فقال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا. وأصبح صوت بمكة عالياً يسمعه الناس، ولا يدرون من صاحبه وهو يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه**رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلاها بالهدى واهتدت به**فقد فاز من أمسى رفيق محمد 31 .
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: “رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان، وعليه حلة حمراء، فجعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى القمر، فإذا هو عندي أحسن من القمر”. (إضحيان هي الليلة المقمرة من أولها إلى آخرها). وما أحسن ما قيل في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه**ثمال اليتامى عصمة للأرامل(ثمال: مطعم، عصمة: مانع من ظلمهم).
ما جاء في حسن النبي صلى الله عليه وسلم
لقد وصف بأنه كان مشرباً حمرة وقد صدق من نعته بذلك، ولكن إنما كان المشرب منه حمرة ما ضحا للشمس والرياح، فقد كان بياضه من ذلك قد أشرب حمرة، وما تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر لا يشك فيه أحد ممن وصفه بأنه أبيض أزهر. يعرف رضاه وغضبه وسروره في وجهه وكان لا يغضب إلا لله، كان إذا رضي أو سر إستنار وجهه فكأن وجهه المرآة، وإذا غضب تلون وجهه واحمرت عيناه. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (استعرت من حفصة بنت رواحة إبرة كنت أخيط بها ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبتها فلم أقدر عليها، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبينت الإبرة لشعاع وجهه). أخرجه ابن عساكر والأصبهاني في الدلائل والديلمي في مسند الفردوس كما في الجامع الكبير للسيوطي.
في ختام هذا العرض لبعض صفات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الخلقية التي هي أكثر من أن يحيط بها كاتب أو يصفها واصف، وتعجز الكلمات والمحسنات عن الإحاطة بجماله وحسن خلقه، لا بد من الإشارة إلى أن تمام الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم هو الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى خلق بدنه الشريف في غاية الحسن والكمال على وجه لم يظهر لآدمي مثله. وهذا من تجلي بعض صفات الله تعالى على أشرف خلقه، وهذا ما يزيدنا تعلقا بالذات الشريفة صلى الله عليه وسلم.
ويرحم الله القائل:
فهو الذي تم معناه وصورته**ثم اصطفاه حبيباً باريء النسم
فتنزه عن شريك في محاسنه**فجوهر الحسن فيه غير منقسم
وقيل في شأنه صلى الله عليه وسلم أيضاً:
بلغ العلى بكماله كشف الدجى بجماله**حسنت جميع خصاله صلوا عليه وآله
[2] أخرجه البيهقي في الدلائل وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق.\
[3] أخرجه ابن ماجه وقال مقبل الوادي: هذا حديث صحيح.\
[4] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير والترمذي في الشمائل وابن سعد في الطبقات والبغوي في شرح السنة. \
[5] أخرجه أحمد وصححه أحمد شاكر.\
[6] أخرجه أبو نعيم والبيهقي في دلائل النبوة وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق وابن أبي خيثمة في تاريخه.\
[7] أخرجه البخاري. \
[8] أخرجه مسلم.\
[9] أخرجه الترمذي في الشمائل والبغوي في شرح السنة. وكان من هديه صلى الله عليه وسلم حف الشارب وإعفاء اللحية.\
[10] أخرجه أحمد والترمذي وقال حسن صحيح.\
[11] أخرجه البخاري ومسلم.\
[12] أخرجه أبو داود وابن ماجه.\
[13] أخرجه البخاري.\
[14] البخاري -الفتح- كتاب اللباس-باب ما يذكر في الشيب.\
[15] أخرجه أبو يعلى في مسنده.\
[16] أخرجه ابن سعد في الطبقات والبيهقي.\
[17] أخرجه البيهقي وابن عساكر.\
[18] أخرجه مسلم. \
[19] أخرجه أحمد والحاكم، ووافقه الذهبي.\
[20] أخرجه البخاري.\
[21] أخرجه أحمد وقال الهيثمي في المجمع رجال أحمد رجال الصحيح.\
[22] أخرجه مسلم.\
[23] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير والترمذي في الشمائل وابن سعد في الطبقات والحاكم مختصراً والبغوي في شرح السنة والحافظ في الإصابة.\
[24] حديث هند تقدم تخريجه.\
[25] أخرجه البخاري في صحيحه.\
[26] رواه الترمذي في الشمائل والطبراني.\
[27] أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له.\
[28] رواه مسلم.\
[29] أخرجه الطبراني والترمذي في الشمائل والبغوي في شرح السنة وابن سعد وغيرهم.\
[30] أخرجه البخاري ومسلم.\
[31] حديث حسن قوي أخرجه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي.\