فيما يلي نص ملخص البحث الذي قدمه الدكتور عبد العلي المسؤول في ندوة التغيير في فكر الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله)بمناسبة الذكرى الثانية لرحيل الإمام، والتي نُظمت يوم السبت 13 دجنبر2014 / موافق 20 صفر 1436 بمقر الجماعة في مدينة سلا.
التغيير عند الأستاذ عبد السلام ياسين: موضوعه ومقاصده
إن مما ينبغي الإلماع إليه ابتداء أن نظرية التغيير عند الأستاذ عبد السلام ياسين نظريةٌ متكاملة مستقاة من كليات القرآن الكريم، ومن التطبيق العملي للسنة المشرفة، ومما أنتجه الفكر البشري، وما عرفه تاريخ الأمم والملل والنحل من أحداث ووقائع وطبائع.
إنها نظرية تروم إعادة بناء الأمة على أصولها، مستحضرة مقصدي العدل والإحسان في كل عملية تغييرية، إذ الشريعة جاءت آمرة بهما، وكانت الآية الجامعة لهما أجمع آية في الذكر الحكيم: إن الله يأمر بالعدل والإحسان.
وهو تغيير ينبغي أن يتسم بالعمق والتدرج والشمول كي يكون ناجعا ومؤثرا. جاء في كتاب الإسلام والحداثة): أفقنا التغيير العميق الذي لا يمكن أن تبنيه وتقوده بعون الله إلا حركة مباشرة متواصلة) 1 ، مهمتنا أن نكوِّن ونعيد التكوين، أن نصبر ونصابر ونعلم؛ لأن تغيير الذهنيات والمواقف مشروط بالتدرج، أما التسرع فلا يمكن المرء من إقناع الآخرين بقضيته وضمهم إلى صفه) 2 ، وقال رحمه الله كذلك: المستقبل لتغيير عميق شامل، تغيير من داخل الإنسان، من تربية الإنسان، من تعليم الإنسان. التغيير أجيال، التغيير أمهات صالحات، التغيير مدرسة صالحة، التغيير مَنَعةٌ ضد الامتداد السرطاني للثقافة الدوابية، التغيير إعادة بناء الأمة على أصولها، التغيير تعبئة أمة، قومة أمة) 3 .
إن الناظر فيما خطَّه الأستاذ رحمه الله تعالى في مكتوباته يخلص إلى أن محور التغيير وموضوعه عنده هو الإنسان الذي يراد تغيير سلوكه وأخلاقه وإرادته وعقله، كي ينهض بأعباء الدعوة والتعبئة والبناء، بل إن تغيير الإنسان عنده أسبق وآكد من تغيير السياسات والهياكل، فالتغيير الأول عنده أصلي والثاني تبعي. قال رحمه الله: وكل تغيير في السياسية والاقتصاد فإنما هو تبَعٌ لهذا التغيير الكلي الجوهري للإنسان، ونفسيته وعقيدته وأخلاقه وإرادته، وحركته كلها على الأرض لتكون حركةً لها غاية ومعنى، وارتباط بمصيره بعد الموت، وبمصير أمته في التاريخ) 4 ، وعدم مصاحبة التغيير الأول للثاني يُعَدُّ عنده مضيعة للجهد، وتكرارا لتجاب فاشلة.
وهنا يميز رحمه الله بين التغيير الثوري والتغيير في ظل القومة، فالثورة تعمد إلى هدم أبنية الفساد والاستبداد، وتقيم على أنقاضها اقتصادا وسياسة ومجتمعا، لكن سرعان ما ينهدم هذا البناء وتتداعى أركانه؛ لأن الثورة لم تُوَلِّ وجهها شطر مركز التغيير ومحوره الذي هو الإنسان، فيفاجأ الثوريون بعدُ بثورة مضادة منقلبة تعيد الوضع إلى ما كان عليه أو أسوأ.
أما التغيير في أحضان القومة، والتي تكون فيها الأمة مكونا جوهريا في العملية التغييرية فإنها تستهدف تغيير دوافع الإنسان وشخصيته وأفكاره، تغيير نفسه وعقله وسلوكه) 5 ، وحقيقة هذه القومة أنها رسالة القرآن إلى الإنسان أن يغير موقفه، وينتبه لمصيره، ويُقْبِل على نفسه يُغَيِّرُ ما بها لتُقْبِلَ على ربها) 6 . فالقومة عنده رحمه الله فيها رفق ورحمة وحنو وحكمة وتدرج، والثورة معها شراسة وعنف.
إن التغيير للإنسان يبدأ أولا بتغيير ما بالنفس بالتربية المثمرة لمعرفة الله تعالى، والموقظة لقلب الإنسان وعقله بالعلم والإيمان ليكون عبدا لله) 7 ، وبالتربية يصبح العقل خاضعا لجلال الله تعالى غير متألهٍ، مقبلا على العلم النافع المؤدي إلى العمل الرافع، متفتحا على علم الشريعة وعلوم الكون، ليكون ذلك وسيلة لمعرفة الواجب الديني والتعامل مع الخلق ومع الأشياء) 8 .
إن المقصد الأساس من التغيير عند الأستاذ ياسين هو تحقيق العبودية لله تعالى، وتحرير الإنسان، وإسعاد البشرية في العاجل والآجل معا.قال رحمه الله تعالى: ذلك التغيير لا يدور حول نفسه، ولا ينتهي عند مقدماته، بل يدور حول الإنسان، ويخدُم غاية تحرير الإنسان من كل عبودية، ليدخل في العبودية لله عز وجل) 9 ، وقال في موضع آخر: مرمَى نظرنا مستقبل الأمة، وعزة الأمة، وتربية أجيال الأمة. مرمى نظرنا آخِرتنا) 10 .
وتحقيق العبودية لله تعالى يكون بالإقبال الله تعالى ذكرا وعبادة وإخلاصا وتعلقا بالدار الآخرة.قال رحمه الله: وتأتي العبادات وهي أعمال لا دخل للعباد في وضعها ولا في مناقشتها، فتكسو السعي في الأرض وتدبير المعاش معنى وتعطيه روحا، تعطيه معنى بتوجيهيه إلى الغاية الأخروية، وتعطيه روحا بإيقاظ قلب المؤمن إلى حقيقة ما خلق من أجله، ألا وهو العبودية لله تعالى وابتغاء فضله وجنته ورضاه ووجهه الكريم) 11 .
إن تحرير الإنسان من عبودية غيره يجعلها الأستاذ أم الحريات حيث قال: رأس حقوق الإنسان عندنا، وأم الحريات، ومنبع الكرامة، تحرير الإنسان من كل عبودية غير العبودية لله رب العالمين لا شريك له) 12 .
وأما مستقبل الأمة فيتهددها نظام الحكم العاض والجبري، وإصلاح ذلك يكون باختيار الأمة من يحكمها ويسوسها، عملا بمبدأ الشورى. قال رحمه الله: إن مستقبل الأمة في خطر داه بما تجنيه أيد غير مسؤولة. وإن المرض العضال الذي لا تزال الأقطار السنية تعاني منه، وهو مرض الحكم الجبري الجائر) 13 .
[2] الإسلام والحداثة ص: 194.\
[3] العدل: الإسلاميون والحكم ص: 691.\
[4] إمامة الأمة ص: 88.\
[5] رجال القومة والإصلاح ص: 7.\
[6] إمامة الأمة ص: 88.\
[7] إمامة الأمة ص: 151.\
[8] إمامة الأمة ص: 151.\
[9] إمامة الأمة ص: 86.\
[10] الشورى والديمقراطية ص: 347.\
[11] نظرات في الفقه والتاريخ ص: 77.\
[12] حوار مع الفضلاء الديمقراطيين ص: 216.\
[13] الإحسان 1/67.\