ما إن يحل اليوم العاشر من أكتوبر، حتى ترتفع الأصوات مهللة بأهمية الاحتفال بهذا اليوم، والذي تم فيه الإعلان عن مدونة الأسرة سنة 2003 أمام البرلمان من طرف الملك، التي حلت محل قانون الأحوال الشخصية، باعتبارها لبنة في مسار “تمكين المرأة” في كافة المجالات.
شهدت الساحة الوطنية في نهاية التسعينيات من القرن الماضي سجالا سياسيا وفقهيا كاد أن يقسم المجتمع حول ضرورة تعديل قانون الأحوال الشخصية، بين تيار حريص على الاجتهاد من داخل المرجعية الإسلامية والدفاع عن الأسرة وحمايتها، وتيار آخر يرفع مطالب تعديل القوانين المتعلقة بالأسرة تجاوبا مع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمرأة بشكل اعتبره الكثير مسا ببعض قطعيات الشريعة الإسلامية واقتباسا من بعض التشريعات ذات التوجه التحرري.
وكما هو الحال في مجموعة من القضايا الحاسمة في المجتمع، انتهى الأمر بتشكيل لجنة ملكية أنيطت بها مهمة وضع تعديلات على قانون صمد طويلا أمام التغيير باستثناء تعديلات سنة 1993، وبالإضافة إلى كون أسلوب إنشاء اللجان ينم عن خلل مؤسساتي، فإنه لا يمكن لأي لجنة مهما كانت كفاءة أعضائها أن تقدم شيئا في ظل غياب الحرية والديمقراطية.
هذه التعديلات التي عرفها قانون الأحوال الشخصية سنة 1993، جاءت استجابة لمطالب الحركة النسائية وضغوطات المنظمات المانحة لملاءمة القوانين الوطنية مع المرجعية الكونية لحقوق الإنسان (مصادقة المغرب على اتفاقية سيداو)، ورغم أنها كانت جزئية إلا أنها أزالت هالة القدسية عنه واعتباره قانونا وضعيا كغيره من القوانين.
إذن، أجمعت جل الهيئات السياسية والعلمية على الترحيب بمدونة الأسرة الجديدة سنة 2003، حيث حصل شبه إجماع وطني على اعتبار أن المدونة تعالج مشاكل الأسرة في شمولية بحيث تجمع بين رفع بعض الحيف عن المرأة وتحافظ على حقوق الأطفال وتصون كرامة الرجل، وتمثلت أهم المستجدات في:
– تبني صياغة حديثة، حيث صيغت مدونة الأسرة بعبارات واضحة ومفهومة مع المحافظة على ثوابت ومبادئ الشريعة الإسلامية، مما يساعد على التطبيق السليم دون تكلف في تفسير النص.
– مساواة المرأة بالرجل في عدة مجالات:
• إقرار المسؤولية المشتركة للزوجين على الأسرة (المادة 4 من المدونة).
• جعل الولاية حقا للمرأة الرشيدة، وتوحيد سن الأهلية للزواج للمرأة والرجل في 18 سنة.
• الطلاق والتطليق حق يمارسه كل من الزوجين تحت رقابة القضاء.
• توحيد مقتضيات الحضانة بالنسبة للمحضون ذكرا كان أو أنثى وربطها بمصلحة هذا الأخير.
• المساواة في الإرث بين الأحفاد من جهة الأم مع الأحفاد من جهة الأب في إطار الوصية الواجبة.
• تدبير الأموال المكتسبة من لدن الزوجين بالاتفاق على استثمارها وتوزيعها.
– تقييد التعدد.
وبعد مرور خمسة عشر سنة من التطبيق الفعلي للمدونة، لا بد من الإقرار بمجموعة من التناقضات بين الواقع اليومي والقوانين وخصوصا في السلوكيات اليومية والثقافة السائدة، والتي أفرزت مجموعة من الإشكالات:
– غياب اعتماد مقاربة شمولية للإصلاح تنطلق من وجود بيئة ملائمة، يجب أن تتوفر في المخاطبين به القدرة على استشراف أهداف وروح نصوصه، وذلك بالعمل على تغيير العقليات، والتمييز بين أحكام الشريعة الإسلامية وبين العادات والتقاليد التي تعتمد القراءات الخاطئة للنصوص الدينية أو ترتكز على الفتاوى المرتبطة بزمان ومكان معينين.
– التداخل بين السلطات في الاختصاص والتباين الواضح في الأداء بين السلطة التشريعية والقضائية في تجسيد المبادئ التي كانت وراء تعديل المدونة.
– الاحترام المبالغ فيه للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وتغليب هذا التوجه في مدونة الأسرة على حساب الضرورات الوطنية نتيجة تأثير التوافق السياسي على صياغة هذه المدونة.
وختاما، في الوقت الذي لا ننكر فيه أهمية المقاربة القانونية في رفع الحيف عن المرأة، والتي عززت وضعيتها ببعض المكتسبات، أقرت مدونة الأسرة بعضا منها، لا بد من الإقرار أن هناك إكراهات ومعاناة كثيرة أمام المرأة راجعة إلى إخفاق الدولة من خلال سياساتها العمومية في تدبير مجموعة من القضايا (ارتفاع نسبة الطلاق، زواج القاصرات، التعدد، ارتفاع وتيرة العنف، ارتفاع نسبة الأطفال المتخلى عنهم) والتي تستوجب مراجعات قانونية وتربوية لإيجاد بيئة مناسبة لتنزيل النصوص القانونية، وتفرض على الفاعل السياسي التدخل لتحصين المكتسبات واستشراف آليات أكثر نجاعة تسعى لحماية تماسك الأسرة واستقرارها.