كشفت المندوبية السامية للتخطيط عن ارتفاع ملحوظ في معدل البطالة بالمغرب، خاصة في صفوف الشباب، حيث سجلت ارتفاعًا مقلقًا يسلط الضوء على التحديات المتزايدة التي يواجهها الشباب المغربي في سوق الشغل.
زيادة 58 ألف عاطل هذه السنة بارتفاع قدره 4 %
وبحسب تقرير المندوبية “وضعية سوق الشغل خلال الفصل الثالث من سنة 2024” الصادر أول أمس الإثنين 05 نونبر 2024، فقد بلغ عدد العاطلين عن العمل خلال الفصل الثالث من هذا العام حوالي مليون و683 ألف شخص، بزيادة قدرها 58 ألف عاطل مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وهو ما يمثل ارتفاعًا بنسبة 4 % في عدد العاطلين على الصعيد الوطني.
هذه المعطيات يصفها الدكتور بوبكر الونخاري الكاتب العام لشبيبة العدل والإحسان، في تصريح خاص لبوابة العدل والإحسان، بـ”غير المفاجئة” مشددا على أنها “نتيجة طبيعية لسياسات عمومية عقيمة، وحصاد لفشل مشاريع التنمية التي لا تجد صدى لها خارج الأوراق والمشاريع إلا في حدود ضيقة”.
وبينما أكد الونخاري صعوبة وضعية الشباب في المغرب ومعاناتهم لانتزاع منصب شغل، لأن المعروض من فرص أقل من الطلب، في ظل هدرٍ واضح لمقدرات الوطن في اتجاهات غير منتجة لفرص العمل.
ارتفاع البطالة بين الشباب أقل من 25 سنة إلى 39.5%
وإذا كان التقرير الذي يعده البحث الوطني حول التشغيل التابع للمندوبية ذاتها، أشار إلى أن معدل البطالة في صفوف الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 عامًا ارتفع من 38.2 % إلى 39.5 %، ما يعكس زيادة بواقع 1.3 نقطة مئوية مقارنة بالفترة نفسها من السنة الفارطة، فإن ما لم يقله هذا التقرير؛ هو أن هذه الفترة العمرية يفترض أن تكون في مقاعد الدراسة بين التعليم الثانوي والتعليم الجامعي، إلا أن احتسابها ضمن الفئة العاطلة يعني أنها خارج منظومة العمل والدراسة والتكوين معا.
وما لم يقله أيضا هو أن هؤلاء الشباب، الذين تفتقدهم حجرة الدرس كما يفتقدهم شوق الشغل؛ بالتأكيد هم ملقون في الشارع بصورة تجعلهم عرضة للجريمة أو أرضية خصبة لها. وهذا المنطق لا يسائل السياسات الرسمية الموجهة في إطار تشغيل الشباب فقط، وإنما يسائل أيضا السياسات التعليمية التي لا تستطيع احتواء هذه الأعداد من الشباب الذين يفترض احتسابهم على فئات التلاميذ والطلبة في الثانويان والجامعات.
وفضلا عن ذلك فإن هذه الاختلالات تبرز بشكل واضح الصعوبات التي تواجهها هذه الفئة العمرية ليس فقط في الحصول على فرص جيدة لتعليم جيد وذي جودة، ويملك الجدوى الناجعة في الحصول على فرص عمل مناسبة ومستقرة، وإنما أيضا في الاندماج ضمن هذه المنظومة المجتمعية برمتها.
واقع مؤلم لم يجرؤ التقرير على قوله
وإذا كان التقرير ذكر النسبة المخيفة للبطالة في الفئة العمرية بين 15 و24 سنة، كما ذكر النسبة المرتفعة للبطالة في صفوف الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 45 سنة فما فوق؛ فإن صمته أيضا عن الفئة العمرية ما بين 24 و40 سنة يطرح علامات الاستفهام، باعتبار أن هذه الفئة يفترض أن تضم خريجي التعليم الجامعي كما تضم فئات كبيرة من الشباب الذين هم استمرار للفئة التي لا تدرس ولا تندرج ضمن سوق الشغل منذ 15 سنة.
وفي وقت أكد التقرير أن معدل البطالة يبقى مرتفعا بين الشباب الحاصلين على شهادة بنسبة 19,8 %، فإن نسبة البطالة والتي لم يشر إليها التقرير من الذين لم يحصلوا على شهادات بالأساس لا شك أنها ستكون موضع تساؤل.
وهنا يشدد الونخاري على أن الحكومات المتعاقبة ترسب باستمرار في امتحان الوفاء بالتزاماتها التي تضعها هي نفسها في برامجها، وليس في التشغيل فقط، مؤكدا على أن حل المشاكل لا يتم بالنوايا والأماني، “بل يلزمه إدراك عميق بالواقع واحتياجات شباب المغرب، ثم بتخطيط جيد للبرامج، وتوفير الموارد اللازمة، والتنفيذ الحازم والرشيد لتحصيل نتائج مرضية”.
نتيجة غياب الديمقراطية وسيادة الاستبداد مع انتفاء التنمية المنتجة للكرامة
وتابع الونخاري حديثه متأسفا من هذا “الخلل الكبير” الذي صارت نتائجه معلومة وأصبحت أرقامه المتجددة “تحصيل حاصل” في زمن غياب الديمقراطية وسيادة الاستبداد، الذي يسير جنبا إلى جنب مع انتفاء التنمية المنتجة للكرامة، فق تعبيره.
من جهته، الأستاذ رضوان خرازي عضو المكتب الوطني لشبيبة العدل والإحسان في تصريحه إلينا، رجع إلى الأحداث التي شهدها بلدنا قبل أسابيع، في واقعة ما سمي حينها بـ”الهجرة القسرية للشباب” بمدن الشمال، والتي لا تليق ببلدنا ولا بمستقبل شبابنا، وانطلق منها لينتقد الأصوات التي خرجت مجانبة للحقيقة المرة التي يعانيها الشباب المغربي مشددا على أن تقرير المندوبية السامية للتخطيط يؤكد الآن هذه الحقائق رسميا وبالأرقام.
وبينما ذكر التقرير أن معدل البطالة شهد تفاوتًا بين المناطق الحضرية والريفية، حيث ارتفع بنسبة 0.4 نقطة مئوية في المناطق الحضرية، في حين استقر نسبيًا في المناطق الريفية؛ شكك الفاعل الشبابي خرازي في مصداقية هذا المعطى، معتبرا أن المؤشرات المعتمدة “تتغافل الشباب غير المستقر اجتماعيا خاصة من شباب العالم القروي الذي يشتغل مياوما وموسميا”.
نتيجة سياسات عبثية لا قيمة للشباب فيها إلا كونهم رقما انتخابيا
وهذا من شأنه أن يسلط الضوء على التباين الجغرافي في توزيع فرص الشغل ويعزز من التحديات التي تواجه الشباب في المدن الكبرى في البحث عن العمل لأسباب بعضها مرتبط بالنمو الديموغرافي والتدفق المرتبط بالهجرة مقارنة بالحركة الاقتصادية التي لا تتناسب مع هذا النمو. كما تزيد من معاناة الشباب في المناطق الريفية والقروية بالقدر نفسه وأكثر، نتيجة غياب سياسة اقتصادية قوية رديفة للتنمية تستهدف كل جغرافيا البلد، ويؤكد ذلك ما كشفت عنه المندوبية نفسها بفقدان 17 ألف منصب شغل هذه السنة بالوسط القروي، مقابل إحداث 231 ألف منصب بالوسط الحضري والذي يبقى ضئيلا جدا بالمقارنة مع 297 ألف منصب التي فقدت على الصعيد الوطني في السنة الفارطة.
ويربط خرازي الأرقام التي كشفها تقرير المندوبية بطبيعة السياسات العمومية الموجهة للشباب والتي وصفها بـ “العبث والارتجالية”، إذ “لا قيمة للشباب فيها إلا كونهم رقما انتخابيا أثناء “الحملات” أو صورة سيميائية في مهرجانات التدجين والإلهاء أو محافل الأماني المعسولة التي لا تغني ولا تسمن من هشاشة أو فقر”.
ويرى خرازي أن الوضع الحالي للشباب “يقتضي الجرأة والشجاعة في تشخيص مكامن الخلل وإشراك الفاعلين والبحث عن أوراش للتأهيل”، كما أنه في حاجة ماسة إلى “تجويد التعليم وتعزيز الثقة والمصداقية في سوق الشغل، وتشجيع الاستثمار وفق مقومات النزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص”.
فيم تفيد تقارير تتكرر كل سنة عن أمراض بدون إرادة حية للعلاج؟!
هذه الأرقام التي تخرج بين فينة وأخرى من مؤسسات رسمية، رغم أنها لا تقول الحقيقة كلها طوعا أو كرها؛ إلا أنها تكشف اللثام عن الواقع المر لمختلف فئات الشعب المغربي بما تكشف عنه من معطيات.
ورغم التردي المتواصل الذي تصفه بكل اللغات إلا أنها تبقى مجرد وسائل للتنفيس عن الأزمة وامتصاص الغضب، مادامت لم تجد إرادة سياسية وسواعد من يترجم مخرجاتها إلى سياسات قائمة على ربط المسؤولية بالمحاسبة واعتماد سياسات فعالة في ظل مناخ صالح للتنفيذ، تقطع مع الريع، وتشجع النمو الاقتصادي حقيقة، وتحفز على إحداث فرص العمل، خصوصًا للشباب الذين يشكلون جزءًا كبيرًا من القوى العاملة ويعانون بشكل متزايد من تداعيات الركود الاقتصادي والسياسي.
وغير ذلك لن يفيد فيما دعت إليه المندوبية السامية للتخطيط في تقريرها من أجل التفكير الجدي في وضع سياسات تنموية تسهم في تخفيف حدة البطالة في صفوف الشباب، والعمل على إيجاد حلول شاملة ومستدامة تسهم في استقرار سوق الشغل وتحقيق التنمية الشاملة.