أصدر الكيان الإسرائيلي سنة 1977م قانون يجرم قطف بعض الأعشاب العطرية والنباتات؛ في سياق استخدام الطعام والطبيعة كأدوات ووسائل للسيطرة على المواطن الفلسطيني.
نعم كل شيء مع الكيان الصهيوني ممكن، ليس من باب الاحتكار والسيطرة فحسب، وإنما لكل منع خلفية وراءه، كما لكل قانون دافع يحكمه، فما هي دواعي هذا القانون العجيب؟
يجرم القانون الإسرائيلي داخل فلسطين المحتلة قطف الزعتر البري والميرمية، ضمن ما يعرف بقانون «النبات المحمي»، بحجة أن قطفها يسبب أضرارا للطبيعة، وقد فرضت بموجب ذلك على كل من يقطف أو يحوز أي كمية من تلك النباتات عقوبات وغرامات كبيرة، وهو في واقع الأمر يعكس مأساة النكبة عام 1948، حيث تم أولا انتزاع ومصادرة الأراضي من سكانها الأصليين، ثم تجريم استخدامها تحت غطاء بيئي وعلمي.
تختص الحياة اليومية الفلسطينية باستخدام الزعتر والميرمية والعكوب وغيرها من النباتات الطبيعية في الوصفات الطبية العلاجية، أو على مستوى الطبيخ والمطبخ، وتعد أحد أشهر الرموز الوطنية على مستوى الغذاء والثقافة.
الزعتر و الميرمية في فلسطين، ليست كغيرها من النباتات، بل تضمر حمولة ثقافية متجذرة في عمق الإنسان الفلسطيني، باعتبارها ترتبط بالتراث والتاريخ والرواية الفلسطينية الشعبية.
هذه النباتات البرية تشكل بعدا رمزيا ضمن منظومة الوعي الجمعي الفلسطيني، يتناقله جيل بعد جيل من خلال استخداماتها في عوائده اليومية في الغذاء والدواء، وهو ما يحاول الكيان المحتل طمسه ومحاربته، لذلك لم يتوان عن محاكمة من ارتكب تلك “الجريمة” العجيبة.
ويسجل تاريخ الإجرام الصهيوني في الأرض المحتلة محاكمة امرأة فلسطينية، سيقت بتهمة قطف الزعتر البري، وهي نموذج فقط ضمن مئات الحالات من النساء اللائي تم اعتقال بعضهن، وملاحقة أخريات بإطلاق الرصاص الحي عليهن في مواسم جني النبات البري، تحت وسم “مجرمي الزعتر”.
الزعتر والميرمية! هل يحتاج هذا النبات الطبيعي هذا الفعل الغريب؟ ماذا يخشى المحتل من قطفه؟
تسمى نبتة الزعتر في المجتمع الفلسطيني نبتة “الشجاعة”، لكونها تقوي القلب وتحسن الدورة الدموية، وتساعد على ضخ الأكسجين في الجسم، وبذلك تجعل الإنسان أكثر شجاعة وثباتا.
بينما الميرامية التي تعد أشهر المشروبات التقليدية الشعبية الفلسطينية بين العوائل، تعتبر سرا من أسرار خصوبة المرأة الفلسطينية.
والخلاصة أن المحتل الصهيوني لا تهمه الطبيعة بقدر ما يخشى سواد الفلسطينيين، لذلك نجده يحاول بشتى الطرق القضاء على نسلهم، مقابل بناء هوية مزيفة، تنسب الثقافة الفلسطينية إلى ما يسمى «التراث الإسرائيلي»، وصولاً إلى إعلان الزعتر «بهاراً» أو «تتبيلة» إسرائيلية، كحال أطعمة فلسطينية كثيرة سُرقت ونُسبت زوراً إلى «ثقافة المطبخ الإسرائيلي»، كما يتم الاستحواذ على أطباق من «المطبخ المغربي» باعتبارها موروثا يهوديا مشتركا.
وأخيرا يحارب الكيان الإسرائيلي كل شيء يربط الفلسطيني بأرضه، يحاول بشتى الطرق، وبكل ما أوتي من قوة، أن يجتثه من جذوره؛ يغتال الإنسان، والجماد، وحتى النبات، في أفق طمس الآثار الدالة على صاحب الأرض، وعن أصل وجوده، لكنها تظل بنية ذهنية عصية على النسيان، سارية المفعول وإن تقادم عليها الزمان، لكون حاضرها مرتبط بماضيها، وينهل من عمق ذاكرة ممتدة، حية لا تموت، وبهذا تسجل رسوخها الحضاري، رغم معالم الطمس البادية آثارها على كل الأمكنة.
ولعل ما يحدث الآن من تقتيل ومحاولة إبادة أهل غزة يفسر هذا الفعل، من خلال إصرار الكيان الاحتلالي على قصف النساء والأطفال.