يبدو أن بعض المشاركين في اللعبة الانتخابية ضاق صدرهم كثيرا بدعاة مقاطعة الانتخابات، وعوض أن يكون نقاش يقارع الحجة بالحجة تمت الهرولة إلى تعميم بعض الأحكام الجاهزة من قبيل ” السلبية” و” الانتظارية” و”مافهمينش”…وبدأ الترويج لمغالطات لا أساس لها من الصحة. منها على سبيل المثال لا الحصر:
_ “مقاطعة الانتخابات ترتبط بجماعة العدل والإحسان”. وهذا استخفاف بعقول الناس، لأن الكثير من المغاربة، من توجهات وفئات مختلفة، وحتى من أولئك المسجلين في اللوائح الانتخابية، يتبنون خيار مقاطعة التصويت. فجماعة العدل والإحسان هي جزء من المقاطعين وليست كل المقاطعين.
_ “الذين لا يشاركون في الانتخابات يريدون الثورة”. وهذا تعميم غير سليم. قد يكون من يريد ذلك. وذلك حقه. ويجب احترام رأيه، بعيدا عن الخطابات الاستعلائية الاستهزائية. لكن الكثير ممن لايشاركون يعبرون بذلك عن سخطهم على هذا الحال، الذي وصل إليه الوضع السياسي في المغرب، ويعبرون عن رفضهم للعروض السياسية المطروحة، ويقولون لا للعبة انتخابية عبثية لا يكادون يلمسون لها أثرا على أوضاعم الاجتماعية والاقتصادية. فهم لايرفضون الانتخابات في حد ذاتها، ولكن يرفضون الانتخابات على الطريقة المغربية.
_ “الذين لا يشاركون ينتظرون أن تتحقق الديمقراطية ليشاركوا”. وهذا استنتاج ينقصه التدقيق، لأن مايريده المقاطعون بضغطهم هو تجاوز أحد الأعطاب الأساسية في المنظومة الانتخابية بالمغرب، والذي أعبر عنه ب” محدودية الدور الانتقالي للانتخابات”، بمعنى أن الانتخابات في المغرب لا تتوفر فيها الشروط التي تجعلها تسهم، إلى جانب عناصر أخرى، في تحقيق الانتقال الديمقراطي. فالأمر أذن يتعلق بشروط انتقالية ضرورية لتكون المشاركة الانتخابية مجدية. ولعل من أبرز هذه الشروط أن تكون الانتخابات على أساس دستور يضمن فعلا التداول على السلطة، وأن تكون الانتخابات في جو عام من الحرية، يسمح فيه للجميع بحقوقهم في التعبير والتنظيم والاختيار. بتعبير أوضح الانتخابات وسيلة لتحقيق الديمقراطية، وليست الديمقراطية وسيلة لتحقيق الانتخابات. ولكن لتسهم الانتخابات في تحقيق الديمقراطية يلزم حد أدنى من الشروط. وإلا لما تحدث علماء السياسة عن الانتخابات السلطوية التي تعيد إنتاج السلطوية.
_ “المقاطعة هي المشروع السياسي لمن يدعون إليها”. هذا قول يحتاج إلى الكثير من الإنصاف. مقاطعة الانتخابات هي نوع من الضغط السياسي السلمي، وهي لاتختزل المشروع السياسي للقوى التي تدعو إليها. إذا كانت جماعة العدل والإحسان مثلا من أبرز دعاة مقاطعة الانتخابات، فيكفي دليل واحد موضح بشكل جلي لذلك، هو الحضور الدائم والمتواصل للجماعة في كل القضايا المجتمعية، والتعبير عن مواقفها بأشكال مختلفة. بتعبير ٱخر الأصل في المشروع السياسي هو المشاركة العامة والبناء من خلال واجهات مختلفة، قد يكون من بينها الواجهة الانتخابية. واللجوء إلى المقاطعة هو خيار اضطراري ناتج عن تحليل لطبيعة الانتخابات في المغرب، واللجوء إليه بهدف الضغط لتحقيق شروط تلك المشاركة العامة، التي هي أساس النهوض والتقدم والتنمية.