كان حدث الإسراء والمعراج دعما إلهيا بعد محنة الطائف، وكان امتحانا للإيمان والتصديق، وكان غيبا وشهادة على السلوكيات والمعاملات الاجتماعية والاقتصادية، وكان مصيرا وجزاء، وكان تشريعا وعبادة، وكان رحلة في نسبية الزمن الإلهي، لتخترق المقاييس البشرية، وتبقى قدرة الله وإرادته على الفعل والتغيير أقوى وأسبق، في مقابل إرادة الإنسان القاصرة على ضمان ضروريات الحياة.
لقد كان الحدث مؤتمرا لرسالة الأنبياء، سلموا القيادة للحبيب المصطفى وختموها بالشهادة والشهود لهذه الأمة، فكانت الرسالة الكونية العالمية، وكانت الرحمة المهداة تطبع في كل سماء بميسم الأنبياء.
لقد كان الحدث رحمة في لحظة الاضطهاد، والتفاتة إلهية للمستضعفين لحظة المحن، إرتقاء لمن حدد بوصلته في اتجاه الآخرة، وكان عدة للصابرين، الواثقين بعهد الله ونصرته، رأسمالهم الرضا، “إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي”.
إن الحدث مرافعة للدفاع عن صاحب الهم والقضية، عن الذي يتهمم بأمته، عن الذي يثبت على الحق في ساعة العسرة.
إنه ارتقاء في حركة واحدة نحو الله لا تحيد في جميع الأحوال، في العسر واليسر، إنه ارتقاء يحقق التوازن بين الروح والجسد، بين متطلبات الدنيا والآخرة، فمن ارتقى نحو الآخرة كفاه الله الارتقاء الدنيوي.
إن الارتقاء حركة إلى الله بالقول والفعل والإحساس والإحسان في الارتقاء، أن ترتقي إلى الله وتبدع في ذلك، ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين فصلت 33.
إن الارتقاء مسارعة ومبادرة نحو الله وعروج دائم سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، الذين ينفقون في السراء والضراء، والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين آل عمران 133.
إنه ارتقاء وحركة نحو الله، وكل حركة نحو الله فيها المسارعة بل الفرار إليه ففروا إلى الله الذاريات 50، أما حركة الأرض فهي مجرد مشي وسير وتثاقل فامشوا في مناكبها الملك 15، قل سيروا في الأرض العنكبوت 20، ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة التوبة 38.
وكل قراءة للقرآن هي ارتقاء مدخر يمنحك ادخارا ورأسمال متميزا يوم القيامة، “اقرأ وارتقي كما كنت تقرأ في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها”.
إن الارتقاء نحو الله، بما هو صلاح وتقوى، ضمان وتأمين وأسباب يهيئها مسبب الأسباب.
إن الارتقاء حركة استثمار في المكانة والعلو والاعتبار الإلهي وفي التقرب منك، فإذا ذكرت الله في ملأ ذكرك في ملأ خير منه، وإذا أقبلت إليه تمشي أقبل إليك هرولة، وإذا تقربت إليه شبرا تقرب إليك ذراعا..
فلنرتق لنكون أهلا لحركة الله، ولنكون من أهل الارتقاء في الدنيا والآخرة.