بعد مرور ما يناهز 20 سنة على دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ بمقتضى القانون رقم 70.03، تبلور نقاش مجتمعي كبير حول واقع تنزيلها، وتعالت الأصوات بضرورة تعديلها نتيجة ظهور العديد من الإشكالات التي رافقت مسار هذا التنزيل، خاصة في السنوات الأخيرة التي سجلت خلالها نسب عالية في دعاوى الطلاق والتطليق في المحاكم، الشيء الذي فرض ضرورة إعادة النقاش حول العديد من القضايا المتارة، ومن بين أهم القضايا التي تقع في صلب هذا النقاش الحضانة، التي طرحت إشكالات متعددة على مستوى تنزيل المقتضيات المتعلقة بها في مدونة الأسرة، مما يتعين معه ضرورة الوقوف عليها ومناقشتها من أجل محاولة تجاوز العقبات التي تواجهها الأم الحاضنة أثناء القيام بواجب الحضانة اتجاه الأبناء المحضونين، تحقيقا للمصلحة الفضلى للأطفال، والتي تعهد المغرب بالحرص عليها من خلال مصادقته على اتفاقية حقوق الطفل.
والحضانة لغة كما ورد في لسان العرب لابن منظور من الحضن: ما دون الإِبط إلى الكشح، وقيل: هو الصدر والعضدان وما بينهما، ومنه الاحتضان، وهو احتمالك الشيء وجعلُه في حِضْنِك كما تَحْتَضِنُ المرأَةُ ولدها فتحتمله في أَحد شِقَّيْها.
واصطلاحا؛ عرف علاء الدين الكاساني الحضانة بأنها، تربية الطفل ورعايته، والقيام بجميع أموره في سن معينة ممن له الحق في الحضانة.
وقريبا من هذا التعريف، عرفت مدونة الأسرة الحضانة في المادة 163 بأنها “حفظ الولد مما قد يضره، والقيام بتربيته ومصالحه”.
وقد نظم المشرع الحضانة في القسم الثاني من الكتاب الثالث من مدونة الأسرة في المواد من 163 إلى 186 من مدونة الأسرة مرتبة في أربعة أبواب؛ الباب الأول تناول فيه الأحكام العامة للحضانة من تعريف للحضانة وتحديد للقائم بها، وبيان لسن المحضون وأجرة الحضانة وواجب سكنه ومن له الحق في توجيهه ومراقبته دراسيا، ثم تطرق المشرع في الكتاب الثاني لمستحقي الحضانة وترتيبهم، فيما عدد في الكتاب الثالث شروط استحقاق الحضانة وأسباب سقوطها، ليختم في الكتاب الرابع ببيان الأحكام المتعلقة بصلة الرحم مع المحضون بما فيها تلك المتعلقة بزيارة المحضون أو استزارته من قبل غير الحاضن من الأبوين.
وقد أفرز تطبيق مدونة الأسرة العديد من الإشكالات، سواء فيما يتعلق بالحقوق الناتجة عن الحضانة، أو فيما يخص أسباب سقوطها وترتيب مستحقيها.
ولمقاربة هذا الموضوع ارتأينا تقسيمه إلى محورين، نتناول في الأول منهما الإشكالات المتعلقة بالحضانة المطروحة على مستوى تنزيل مقتضياتها في مدونة الأسرة، فيما نعرض في المحور الثاني لبعض المقترحات لتجاوز هذه الإشكالات.
المحور الأول: الإشكالات المتارة بخصوص الحضانة
يمكن إجمال مختلف الإشكاليات المتارة بخصوص المقتضيات المتعلقة بالحضانة في مدونة الأسرة فيما يلي:
1 – حق الاختيار بين تهييء سكن خاص للمحضون أو طلب تحديد مبلغ كمقابل لواجب سكن المحضون مخول للأب.
وهذا ما أكدته محكمة النقض في قرارها عدد 62 الصادر بتاريخ 22 يناير 2013، في الملف عدد 599/12، الذي جاء في إحدى حيثياته:
“حيث صح ما عابه الطاعن على القرار، ذلك أنه طبقا لمقتضيات المادة 168 من مدونة الأسرة، فإن الأب مخير في أن يهيئ لأولاده محلا لسكناهم أو أن يؤدي المبلغ الذي تقدره المحكمة لكرائه، والبين من وثائق الملف أن الطاعن ألح على أنه مستعد لأداء تكاليف السكن لابنه المحضون بعد تحديدها من طرف المحكمة لكون العقار المخصص له تابعا لعقار مشاع مع الغير وأن قيمة كرائه تزيد على 2000 درهم وأنه سيلحقه ضرر في حالة مطالبته بالتعويض عن الاستغلال فضلا عن كون هذا العقار مخصصا لمحضون واحد يزيد عن حاجاته، والمحكمة مصدرة القرار لما قضت على الطاعن بتخصيص بيت الزوجية سكنا للمحضون دون مراعاة الاختيار لمخول له قانونا ودون البحث معه قصد التأكد مما يضمن سكنا للمحضون لم تجعل لما قضت به أساسا وخرقت بذلك مقتضيات المادة المذكورة وعرضت قرارها للنقض” 1.
ونفس المبدأ أكده المجلس الأعلى سابقا في قراره عدد 401 الصادر بتاريخ 11 يوليوز 2007 تحت الملف الشرعي عدد 77/2/1/07، الذي جاء في قاعدته ما يلي:
“إذا عرض الأب سكنا عينيا على الحاضنة فليس لها أن تطالب بمبلغ كراء السكن. ولما قضت عليه المحكمة بأداء واجب السكن رغم عرض السكن العيني ودون أن تبحث في عرضه فقد خرقت المادة 168 من مدونة الأسرة وعرضت قرارها للنقض” 2.
في نفس الاتجاه القرار عدد 238 الصادر بتاريخ 25 أبريل 2007 في الملف الشرعي عدد 652/06، الذي جاء في قاعدته ما يلي:
“إذا كانت المادة 168 من مدونة الأسرة تعتبر تكاليف السكنى الخاصة بالمحضون مستقلة في تقديرها عن النفقة وأجرة الحضانة وغيرهما، فإنه لا يجوز الحكم بمقابل كراء مسكن إذا ثم تهييء مسكن خاص للمحضون. تأكيد الطالب بأنه خصص لولديه بمدينة العيون التي كان يسكن فيها مع المطلوبة قبل الطلاق وإقرار هذه الأخيرة بذلك ضمنيا في جلسة البحث لما صرحت بأنها ترفض السكنى في المدينة التي يوجد بها المسكن، ومع ذلك لم تناقش المحكمة هذا الدفع على الرغم مما له من تأثير على قضائها يجعل قرارها ناقص التعليل معرضا للنقض” 3.
وكذا القرار الصادر بتاريخ 02 دجنبر 2007 في الملف الشرعي عدد 576/2/1/06، الذي جاء في قاعدته ما يلي:
“المادة 168 من مدونة الأسرة، تخير الأب بين تهييء مسكن لأبنائه، أو أداء الكراء للسكن والمحكمة لما قضت بأدائه واجب السكن رغم أنه أثبت أمامها بأنه وفر سكنا لائقا لابنه تكون قد خرقت مقتضيات المادة المحتج بها مما يعرض قرارها للنقض” 4.
2 – إفراغ الأم الحاضنة من بيت الزوجية بعد تحديد المحكمة لمقابل السكن وتنفيذه من قبل الطليق، أو رغم عدم تنفيذه في حالة بيع العقار من طرف الطليق المالك وتسجيل عقد البيع بالمحافظة العقارية.
وهذا الإشكال أتير بخصوص المادة 168 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه: “تعتبر تكاليف سكنى المحضون مستقلة في تقديرها عن النفقة وأجرة الحضانة وغيرهما. يجب على الأب أن يهيئ لأولاده محلا لسكناهم، أو أن يؤدي المبلغ الذي تقدره المحكمة لكرائه، مراعية في ذلك أحكام المادة 191 بعده. لا يفرغ المحضون من بيت الزوجية، إلا بعد تنفيذ الأب للحكم الخاص بسكنى المحضون. على المحكمة أن تحدد في حكمها الإجراءات الكفيلة بضمان استمرار تنفيذ هذا الحكم من قبل الأب المحكوم عليه”.
وفي هذا الصدد ذهب المجلس الأعلى سابقا إلى أنه لا يمكن الاحتجاج من قبل الحاضنة على مشتري العقار بأثر العلاقة التي كانت تربطها بزوجها السابق، وذلك في قراره عدد 716 الصادر بتاريخ 20 فبراير 2008 في الملف الشرعي عدد 1567/2/1/06، الذي جاء في قاعدته ما يلي:
“لا يحق للحاضنة الاحتجاج على مشتري منزل مفرقها بآثار العلاقة التي جمعت بينهما وبين زوجها السابق. تفرغ الحاضنة من منزل مفارقها متى باع هذا الأخير المنزل للغير” 5.
3 – إفراغ الحاضنة من سكن المحضون في حالة عدم أداء الطليق للسومة الكرائية ومطالبة المكري بالإفراغ.
وفي هذا الصدد تنص المادة 54 من القانون رقم 67.12 المتعلقة بأكرية المحلات المعدة لاستعمال سكني أو مهني على أنه:
“يمكن في حالة طلاق الزوجين أن يستمر مفعول الكراء لفائدة الأم الحاضنة لأطفالها بنفس الشروط التعاقدية التي كانت تربط مطلقها مع المكري.”
4 – إمكانية إسقاط حضانة الأم في حالة زواجها عند عدم توفر الشروط المنصوص عليها في المادة 175 من مدونة الأسرة.
علاقة بهذه الإشكالية تنص المادة 175 من مدونة الأسرة على أن: “زواج الحاضنة الأم، لا يسقط حضانتها في الأحوال الآتية:
“1 – إذا كان المحضون صغيرا لم يتجاوز سبع سنوات، أو يلحقه ضرر من فراقها؛
2 – إذا كانت بالمحضون علة أو عاهة تجعل حضانته مستعصية على غير الأم؛
3 – إذا كان زوجها قريبا محرما أو نائبا شرعيا للمحضون؛
4 – إذا كانت نائبا شرعيا للمحضون.
زواج الأم الحاضنة يعفي الأب من تكاليف سكن المحضون وأجرة الحضانة، وتبقى نفقة المحضون واجبة على الأب”.
5 – إسقاط حضانة الأم عند الانتقال بالمحضون داخل أو خارج المغرب عملا بالمادة 178 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه:
“لا تسقط الحضانة بانتقال الحاضنة أو النائب الشرعي للإقامة من مكان لآخر داخل المغرب، إلا إذا ثبت للمحكمة ما يوجب السقوط، مراعاة لمصلحة المحضون والظروف الخاصة بالأب أو النائب الشرعي، والمسافة التي تفصل المحضون عن نائبه الشرعي.”
وأنه بمفهوم المخالفة لما ضمن في المادة 178 من مدونة الأسرة، فإن سفر الحاضنة إلى خارج أرض الوطن يسقط حضانتها.
وفي هذا الصدد جاءت قاعدة قرار المجلس الأعلى عدد 238 الصادر بتاريخ 25 أبريل 2007 في الملف الشرعي عدد 652/06 ما يلي:
“إن الحضانة تتعلق برعاية المحضون وخدمته وحسن تربيته ومراقبته مما يستدعي القرب منه، والحاضنة لما ثبت أنها تقيم بدولة أجنبية ومحضونيها بأرض الوطن، فإن ذلك يستلزم الحكم بإسقاط حقها في الحضانة ولا شأن لحكم النفقة والامتناع عن تنفيذه لإعفائها من التزاماتها المستوجبة بالمواد 163 و169 و173 من مدونة الأسرة طالما أن طرق التنفيذ متاحة قانونا” 6.
6 – هل الترتيب الوارد في مدونة الأسرة لمستحقي الحضانة ملزم للقضاء أم خاضع لسلطته التقديرية رعيا منه للمصلحة الفضلى للمحضون؟
للجواب عن هذا السؤال ينبغي الرجوع إلى المادة 171 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه: “تخول الحضانة للأم، ثم للأب، ثم لأم الأم، فإن تعذر ذلك، فللمحكمة أن تقرر بناء على ما لديها من قرائن لصالح رعاية المحضون، إسناد الحضانة لأحد الأقارب الأكثر أهلية، مع جعل توفير سكن لائق للمحضون من واجبات النفقة.”
يمكن القول بأن صياغة النص تفيد بشكل قطعي ترتيبا لمستحقي الحضانة، بحيث لا يجوز إسناد الحضانة لأم الأم بعد سقوطها عن الأم لوجود الأب قبلها بالرغم من أن الأب قد لا يكون أهلا للحضانة، ودون مراعاة المصلحة الفضلى للمحضون.
وللأسف فقد كرست هذا التوجه محكمة النقض في قرارها عدد 162/1 الصادر بتاريخ 15 مارس 2022 في الملف الشرعي عدد 304/2/1/2020، الذي جاء في إحدى حيثياته:
“لكن حيث إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما اعتبرت الطاعنة هي الحاضنة بعد الطلاق من المطلوب لبنتها منه (إ أ)، وأسقطت حضانتها لطارئ ما يأتي بيانه بعده وجوابا على الوسيلة الثالثة، وأسندتها للمطلوب باعتباره أبا للبنت لافتراض المشرع القدرة فيه على الحضانة وفق ما توجبها ولعدم إثبات الطاعنة ما يوجب عدم أهليته للحضانة حتى تصار إلى غيره ممن يليه في الترتيب، تكون قد سايرت مقتضيات المادتين 171 و173 من مدونة الأسرة، فكان النعي بخرقهما غير سديد، وما بالوسيلة غير مؤسس” 7.
ونفس المبدأ أكده عدد 638 بتاريخ 11 أكتوبر 2016 في الملف الشرعي عدد 848/2/1/2015، الذي جاء في إحدى حيثياته:
“مقتضيات المادة 171 من مدونة الأسرة الواجبة التطبيق في النازلة تخول الحضانة للأم ثم للأب ثم لأم الأم. والمحكمة مصدرة القرار لما تبين لها أن مقتضيات المادة 176 من نفس القانون لا تنطبق على النازلة باعتبار أن الطالبين ليسا أبوين للمحضونة، واعتبرت مصلحة المحضونة في التحاقها ببيت والدها، وقضت بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من تمكين المطلوب من ابنته هاجر لحضانتها، خاصة وأن سكوت المستأنف عليه منذ وفاة زوجته أم المحضونة عن المطالبة قضائيا باسترجاع حضانة البنت المذكورة من جدتها لا يعتبر تنازلا منه عن الحضانة، ولا يسقط حضانته، باعتبار مجال تطبيق المادة 176 المحتج بها هو حالة سكوت الأب مدة سنة بعد علمه بزواج الأم الحاضنة فإنها طبقت مقتضيات المادة 171 من مدونة الأسرة تطبيقا سليما ولم تخرق أي مقتضى قانوني، وعللت قرارها بما فيه الكفاية” 8.
وكذا القرار عدد 299 الصادر بتاريخ 09 أبريل 2013 في الملف الشرعي عدد 62/2/1/12، الذي جاء في قاعدته ما يلي:
“لما لم تخول المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه، حضانة البنت لأبيها الذي يوجد في المرتبة بعد أمها والذي تفترض فيه القدرة على الحضانة ما لم يثبت ما يخالف ذلك، والحال أنه طالب بحضانتها لتعيش معه ومع والدته، ورغم ذلك خولتها لأم الأم التي توجد بعد الأب في المرتبة الثالثة، لم تجعل لما قضت به أساسا وعرضت قرارها للنقض” 9.
ونفس التوجه أكده القرار عدد 594 الصادر بتاريخ 24 دجنبر 2008 في الملف الشرعي عدد 263/2/1/08، الذي جاء في قاعدته ما يلي:
“ينتقل الحق في الحضانة مباشرة إلى الأب بعد سقوطها عن الأم لكونه يليها في ترتيب مستحقي الحضانة حسب مقتضيات المادة 171 من مدونة الأسرة” 10.
7 – عدم استحقاق الأم لأجرة الحضانة حال قيام العلاقة الزوجية حتى لو هجرها زوجها وتركها بدون نفقة.
وفي ذلك تنص المادة 167 من مدونة الأسرة على أن: “أجرة الحضانة ومصاريفها، على المكلف بنفقة المحضون وهي غير أجرة الرضاعة والنفقة. لا تستحق الأم أجرة الحضانة في حال قيام العلاقة الزوجية، أو في عدة من طلاق رجعي”.
المحور الثاني: مقترحات لمعالجة الإشكالات المثارة بخصوص الحضانة
كما تقدم الحديث أعلاه، فإن الثغرات التي أبان عنها تطبيق مدونة الأسرة خلال ما يربو عن عقدين من الزمن عاقت تحقيق مقاصد المشرع من تنظيم وتقنين مؤسسة الحضانة، وعلى رأسها رعاية المصلحة الفضلى للمحضون.
لتدارك هذه الثغرات نقترح ما يلي:
1 – إلغاء حق الخيار المخول للأب في المادة 168 من مدونة الأسرة بين إسناد سكن للمحضون أو إقرار تكليف مالي لسكن المحضون، وإخضاع ذلك للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع أخذا بعين الاعتبار المصلحة الفضلى للطفل.
وقد أكدت محكمة النقض على ضرورة مراعاة مصلحة المحضون في إسناد سكن ملائم له أو الحكم له بمبلغ مالي يوازي واجب السكن دون التقيد باختيار الأب، في قرارها عدد 190 الصادر بتاريخ 23 فبراير 2016 في الملف الشرعي عدد 548/2/1/15، الذي جاء في إحدى حيثياته:
“لكن، حيث إنه ردا على ما في الوسيلة، فإنه لئن كانت مقتضيات المادة 168 من مدونة الأسرة قد تركت الاختيار للأب عندما نصت على أنه يجب عليه أن يهيئ لأولاده محلا لسكناهم أو أن يؤدي المبلغ الذي تقدره المحكمة لكرائه، فإن ذلك رهين بمراعاة مصلحة المحضونة الفضلى وعدم الإضرار بها.
والمحكمة المطعون في قرارها لما قضت بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من تخصيص المنزل الكائن بدوار حاسي سيدي بيي محلا لإقامة المحضونة وبعد التصدي الحكم المستأنف عليه بأدائه للمستأنفة مقابل سكن المحضونة في مبلغ 200 درهم شهريا، بعلة أن عنوان الطرفين معا يتواجد بمدينة أكادير وأن تخصيص المحل الكائن بدوار سيدي بيي بعيدا عن مدينة أكادير فيه حرج بين وأن مصلحة المحضونة تكمن في مصلحة الحاضنة التي تقيم بمدينة أكادير وليس بسيدي بيي، فإنها تكون قد راعت مصلحة المحضونة الفضلى وفق مقتضيات المادة 186 المذكورة والتي تكمن في سكناها بالقرب من والديها بمدينة أكادير باعتبار أن الطرفين كانا يسكنان قبل الطلاق وبعده بمدينة أكادير والمحضونة مزدادة بتاريخ 26/1/2011 بنفس المدينة المذكورة وتتابع دراستها فيها حسب الشهادة المدرسية المحررة بتاريخ 1/4/2014 وعللت قرارها بما فيه الكفاية ولم تخرق أي مقتضى قانوني” 11.
وتطبيقا لمبدأ مراعاة مصلحة المحضون ذهبت محكمة النقض إلى أنه لا يمكن للأب إفراغ بنتيه من سكن المحضون حتى لو رشدتا إلى حين زواجهما أو توفر كسب لهما إلا بعد ضمان سكن ملائم لهما، وذلك في قرارها عدد 330 الصادر بتاريخ 23 يونيو 2015 في الملف الشرعي عدد 506/2/1/2014 إلى أن:
“إن المحكمة لما قضت برفض طلب إفراغ بيت الزوجية بعلة أن الطاعن لم يدل بما يفيد توفر البنتين على سكن لهما أو أنه يؤدي لهما واجبه، لكونه يبقى حتى بعد بلوغهما سن الرشد حقا لهما عليه إلى حين زواجهما أو توفرها على الكسب ولا يفرغان منه إلا بعد ضمان سكن لهما طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 168 من مدونة الأسرة، قد تكون عللت قرارها بما فيه الكفاية” 12.
2 – في حالة ملكية الأب لمسكن آخر غير بيت الزوجية، يجب النص على إبقاء الأم الحاضنة في بيت الزوجية بدلا من الحكم لها بواجب سكن المحضون، الحكم الذي يقضي بذلك يسجل في المحافظة العقارية أو سجلات كتابة الضبط بالنسبة للعقار غير المحفظ، ويعد هذا الحكم مانعا من التفويت، ولا يرفع المنع إلا بأمر صادر عن قاضي المستعجلات في حالة وجود ما يبرر ذلك.
3 – النص قانونا على انتقال الحق في الكراء إلى الأم الحاضنة بمجرد صدور الحكم بالطلاق أو التطليق، وتخويل القضاء سلطة تقديرية في تحديد واجب سكن المحضون أخذا بعين الاعتبار دخل الأب ومستوى الأسعار، والوسط الذي كانت تعيش فيه الأسرة، كما ينبغي النص على أن المطلب المبرر للمطالبة بالإفراغ لا يثبت إلا بعد التوقف عن أداء الكراء لمدة ستة أشهر، مع انعقاد الاختصاص للقضاء الاستعجالي للحكم بذلك.
4 – النص قانونا على أنه لا يمكن إفراغ الحاضنة التي تملك بيت الزوجية على الشياع مع طليقها مهما كان نصيبها في الملك.
5 – حذف المادة 175 من مدونة الأسرة التي تنص على إسقاط حضانة الأم في حالة زواجها بمفهوم المخالفة للحالات المذكورة في هذه المادة، وتخويل القضاء سلطة تقديرية في إسناد الحضانة لأي من الطرفين حالة الزواج مع اعتبار المصلحة الفضلى للمحضون كمحدد أساسي.
6 – النص على حق الحاضنة في الانتقال بالمحضون داخل أو خارج المغرب إذا فرضت ذلك ظروف موضوعية واقتضته مصلحة المحضون (كالدراسة مثلا) دون اعتبار ذلك سببا مسقطا للحضانة، وذلك دون الإخلال بحق الطرف الآخر في صلة الرحم مع المحضون ورقابته وتوجيهه.
وتطبيقا لهذا المبدأ، جاء في قاعدة قرار المجلس الأعلى عدد 602 الصادر بتاريخ 23 يناير 2008 في الملف عدد 124/06 ما يلي:
“لما ثبت للمحكمة أن سفر المطلوبة بالمحضون إلى بلجيكا كان هو ضرورة علاج المحضون من مرضه وتحسين حالته الصحية، كما ثبت لها أن المطلوبة لم تستوطن بصفة دائمة ببلجيكا، ولم تمانع في زيارة الطالب لابنه ومراقبة أحواله باعتباره يقيم بفرنسا، وهي أقرب من بلجيكا إلى المغرب الذي تستوطن فيه المطلوبة مع المحضون، وبذلك فإن المحكمة لما رفضت طلب إسقاط الحضانة استنادا على ما ذكر، تكون قد طبقت مقتضيات المادة 163 من مدونة الأسرة تطبيقا سليما” 13.
وفي نفس المنحى أكد قرار المجلس الأعلى عدد 342 الصادر بتاريخ 18 يونيو 2008 في الملف عدد 280/04، الذي جاء في قاعدة ما يلي:
“طبقا للمادة 169 من مدونة الأسرة، فإنه في حالة الخلاف بين النائب الشرعي والحاضن، يرفع الأمر إلى المحكمة للبت وفق مصلحة المحضون، ولما كانت الطالبة أكدت بأنها سافرت إلى الخارج من أجل علاج عمودها الفقري، وأدلت بالشهادتين الطبيتين اللتين تشيران إلى إصابتها بمرض حاد وخضوعها إلى الفحص الطبي خلال فترات محدودة في سنتي 04 و05، وأنها مازالت تسكن مع المحضونة بعنوانها في تيفلت، فإنه كان على المحكمة أن تتحقق ممن ذلك، وأن تبحث في مصلحة المحضونة التي لم يتجاوز عمرها 5 سنوات، وإذ هي لم تفعل، ولم ترد على ما دفعت به الطالبة بمقبول، فإن قرارها جاء خارقا المادة المذكورة” 14.
7 – النص على تخويل الحضانة للأم ثم للأب ثم لأم الأم ثم لأم الأب، مع اعتبار أن هذا الترتيب غير ملزم للقضاء إذا اقتضت المصلحة الفضلى للمحضون مخالفته بناء على خبرة اجتماعية، وفي حالة عدم وجود من ذكر تسند الحضانة لأحد الأقارب الأكثر أهلية.
وقد سبق للقضاء المغربي أن اعتبر أن الضابط في إسناد الحضانة هو المصلحة الفضلى للمحضون وأن تعداد مستحقي الحضانة الوارد في المادة 171 من مدونة الأسرة ليس واردا على سبيل الترتيب.
وتطبيقا لهذا المبدأ أكدت محكمة الاستئناف بآسفي في قرارها، بتاريخ 22/02/2006 في الملف عدد 427/05 والذي جاء في إحدى حيثياته ما يلي:
“وحيث يتضح جليا من خلال قراءة المادتين 163 و171 أن مشرع مدونة الأسرة أولى عناية خاصة وفائقة لحياة المحضون وسلامته الجسدية والنفسية، وأعطى المحكمة صلاحية تقدير واستحقاق الحضانة من هذا المنطلق. وحيث إن المحكمة وقوفا منها على حقيقة النزاع المعروض على أنظارها أجرت بحثا بمحضر الطرفين ونائبيهما وكذا المحضونين، حيث اتضح لها جليا من خلاله أن الطفلين… يعيشان منذ ولادتهما مع جدتهما وجدهما من جهة الأم، وأنهما يحظيان من قبليها بعناية فائقة ويتابعان دراستهما على الوجه الصحيح ويتمتعان بصحة جيدة، كما اتضح للمحكمة أن الحاضنين مؤهلين لحضانتهما، وأن والدهما المستأنف عليه لم يسبق له أن زارهما في أية مناسبة لدرجة أنهما أبديا بكل عفوية وتلقائية جهلهما به، وهو نفس الأمر المؤكد ومن خلال المحضر الاستجوابي المؤرخ في 16/06/2005 المستمع من خلاله لمعلمي المحضونين ولجيران سكناهما، فضلا عن ذلك فإن المحضونين جد متمسكين بجدتهما و جدهما، بل أكثر من ذلك أكدت الطفلة خلال جلسة البحث أنها مستعدة لوضع حد لحياتها صحبة أخيها إذا ما أقدمت المحكمة على تسليمها للمستأنف عليه. وحيث إنه فضلا عما سبق فالمستأنف عليه يعمل بالمكتب الشريف للفوسفاط الذي يتميز العمل به بتوقيت مستمر وخاص، إضافة إلى كونه متزوجا وله ابنين من زوجته الثانية التي تعمل في المحاماة، وبالتأكيد لن يكون بإمكانه توفير العناية والمراقبة اللازمين للمحضونين وفق ما هي متوفرة لهما في الوقت الراهن، وحيث إن الحكم الابتدائي جاء مجانبا للصواب فيما انتهى إليه وغير معلل التعليل الواقعي والقانوني ويتعين القول بإلغائه، وبعد التصدي الحكم برفض الطلب” 15.
8 – النص في الفصل 189 من مدونة الأسرة على الأخذ بعين الاعتبار هجران الزوج ضمن معايير تقدير النفقة، إذ لا يمكن أن نسوي بين الزوج الذي يترك بيت الزوجية إلى وجهة مجهولة تاركا الزوجة والأبناء عرضة للضياع والافتقار إلى أبسط ضروريات العيش، وبين من تعذر عليه الإنفاق نتيجة فقدانه مورد العيش، أو نتيجة عجزه عن الكسب.
9 – النص على ضمان رعاية حقوق المحضون بتحمل الدولة مسؤوليتها في هذا الباب، وتوفير مؤسسات الدعم الاجتماعي مع ما يلزم لرعاية المحضون والحاضنة خصوصا إذا لم تكن لها موارد مالية، أو كانت تلك الموارد غير كافية، خاصة بعد إلغاء صندوق التكافل العائلي الذي كان معمولا به بموجب القانون رقم 41.10 منشور في الجريدة الرسمية عدد 5904 بتاريخ 30 دجنبر 2010، وذلك بمقتضى القانون رقم 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 7253 بتاريخ 04 دجنبر 2023، فرغم محدودية المبالغ التي كان يقدمها هذا الأخير إلا أنه كان يغطي العديد من الحالات التي كانت تحتاج إلى دعم مادي في فترة تواجده.
وفي هذا الصدد ورد في موطأ الإمام مالك عن سنين أبي جميلة رجل من بني سليم، أنه وجد منبوذا في زمان عمر بن الخطاب، قال: فجئت به إلى عمر بن الخطاب، فقال: «ما حملك على أخذ هذه النسمة»؟ فقال: وجدتها ضائعة فأخذتها، فقال له عريفه: يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح، فقال له عمر: أكذلك؟ قال: نعم، فقال عمر بن الخطاب: «اذهب فهو حر ولك ولاؤه، وعلينا نفقته».
10 – النص على إحداث مؤسسات الرعاية الاجتماعية التي تواكب الحالة النفسية والاجتماعية للمحضون، وقد ترفع تقارير دورية إلى القضاء في حالة إذا ما ظهر لها إهمال أو تقصير من الحاضن، على غرار ما هو معمول به في العديد من الدول.
وخلاصة القول، فقد حاولنا بسط بعض الإشكالات، مع تقديم بعض المقترحات المتعلقة بالحضانة التي تعتبر من بين القضايا المهمة التي يتعين الوقوف عندها بالمناقشة والتحليل من أجل تجاوز الاختلالات التي تطرح على مستوى تنزيل النصوص القانونية المنظمة لها، خاصة وأن المحضون يحتاج إلى توفير بيئة مؤهلة لاحتضانه ورعايته بما يؤهله ليكون عضوا فاعلا في المستقبل.
[2] قرار منشور بكتاب العمل القضائي في قضايا الأسرة للأستاذ إبراهيم بحماني، المجلد الثالث، الصفحة 161.
[3] قرار منشور بالتقرير السنوي للمجلس الأعلى لسنة 2007، الصفحة 150.
[4] قرار منشور بكتاب العمل لقضائي الأسري للأستاذ إدريس الفاخوري، الجزء الأول، الصفحة 393.
[5] قرار منشور بكتاب قضاء محكمة النقض في مدونة الأسرة للأستاذ عمر أزوكار، الصفحة 342.
[6] قرار منشور بالتقرير السنوي للمجلس الأعلى لسنة 2007، الصفحة 150.
[7] مجلة النشرة المتخصصة لمحكمة النقض، قرارات غرفة الأحوال الشخصية والميراث، 2022، الصفحة 92.
[8] قرار أورده سعيد الوردي، الحضانة وإشكالاتها العملية على ضوء أحكام مدونة الأسرة والعمل القضائي المغربي، دار الأفاق المغربية للتوزيع والنشر، الطبعة الأولى 2019، الصفحة 18.
[9] مجلة قضاء محكمة الاستئناف بالرباط، العدد 6، الصفحة 29.
[10] قرار منشور بكتاب قضاء محكمة النقض في مدونة الأسرة للأستاذ عمر أزوكار، الصفحة 323.
[11] مجلة قضاء محكمة النقض، العدد 82، الصفحة 64.
[12] قرار منشور بالتقرير السنوي لمحكمة النقض لسنة 2015، الصفحة 95.
[13] قرار منشور بأهم قرارات المجلس الأعلى في تطبيق مدونة الأسرة، الصفحة 104.
[14] قرار منشور بأهم قرارات المجلس الأعلى في تطبيق مدونة الأسرة، الصفحة 128.
[15] المنتقى من عمل القضاء في تطبيق مدونة الأسرة، الجزء الأول، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة المعلومة للجميع، العدد 17، فبراير 2009، الصفحة 304.