عقدت الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان مؤتمرها القطري السابع عشر في وضعية داخلية تزامنت مع استكمال الجماعة مرحلة الانتقال بعد مرور عام على وفاة المرشد رحمه الله. كما دارت أطوار هذا المؤتمر في ظرفية محلية ودولية حبلى بمؤشرات دالة على إعادة إنتاج التحكم من جديد واندفاع الثورة المضادة في بلدان الربيع العربي.
وإذا كانت الجماعة قد حققت الانتقال السلس، فإن دائرتها السياسية أبانت عبر مؤتمرها السابع عشر على قدرة مؤسساتها على مواكبة هذا الانتقال واستيعاب التحولات المهمة التي عرفها المحيط على مستوى الخطاب والممارسة.
حيث تعد الدائرة السياسية هي المؤسسة المعنية بالتعبير عن الشق العدلي في المشروع الذي تحمله الجماعة، أي كل ما يتعلق بالتصدي للشأن العام وفق التصور التغييري للعدل والإحسان. وبإلقاء نظرة سريعة على المؤتمر يمكن أن نتلمس الرسائل والإشارات التي بعثها من خلال العناصر الآتية:
شعار الدورة: هو الوفاء للمعتقل السياسي عمر محب، حيث يجسد أحد ملفات الاعتقال السياسي التي ظلت الجماعة ضحيتها على امتداد تاريخها. فالتركيز على ملف اعتقال عمر محب وإثارته في هذا المحفل بهذه الرمزية هو في حقيقته تشبث من الجماعة بحقها في التدافع السلمي ورفض كل أشكال الانتهاكات الحقوقية خصوصا وأن مداخلة رئيس الدائرة السياسية لم تستثن أيا من المقهورين والمظلومين. هذا الالتزام الأخلاقي والنضالي الأصيل والمتجدد نصرةً للمظلومين كفيل بأن يقنع المتتبع بثبات الجماعة على مواقفها والوفاء لمبادئها التي تأسست عليها.
رمزية الحضور: شكل حضور العدد المهم من أعضاء مجلس الإرشاد -ممن رصدتهم عدسات الكاميرات، بالإضافة إلى قيادات أخرى من جميع المستويات التنظيمية- وعلى رأسهم الأمين العام، تعبيرا عن محورية العمل السياسي داخل الجماعة. فإذا كان البعض يمني النفس بتخلي الجماعة عن نهجها التدافعي بعد انتقال المؤسس رحمه الله لدار البقاء، يكون في تقييمه هذا مجانبا للصواب؛ فقد عبّر هذا الاهتمام عن مركزية العمل السياسي في مشروع الجماعة. ومن ناحية أخرى أظهر حضور مختلف القطاعات واللجان أشغال المؤتمر عن انسجام بين مكونات هذه المؤسسة الشيء الذي يعكس وحدة في التصور وإحساسا بالاندماج.
مواقف ثابتة: أكدت الأوراق الصادرة عن هذا المؤتمر على حقيقة مهمة؛ وهي انتقال الدائرة السياسية إلى مرحلة الإنتاج والإبداع، فبعد مراحل التأسيس والتدريب واستكمال الهيكلة، ظهرت ملامح النضج جليا من خلال عمل القطاعات ومراكز الدراسات والمكاتب المتنوعة والهيئات التابعة. وليس غريبا أن تصدر تلك المؤسسات تقارير دقيقة وتشخيصا سليما للواقع المغربي.
ويمكن القول إن الأوراق الصادرة عن هذا المؤتمر والمواقف المعبر عنها من خلال التصريحات، تصب في التأكيد على التشبث بالنهج السياسي للجماعة مع فتح آفاق جديدة للعمل مما يدحض دعوى الجمود. ويمكن توضيح ذلك عبر المواقف الآتية:
– تحميل المسؤولية للاستبداد في انسداد أفق العملية السياسية بالمغرب؛ لأنه وبعد خفوت بريق التجربة الحالية وفشلها في تحقيق الانتقال الديمقراطي، يبقى مستقبل المغرب مرهونا بعملية تغيير سياسي حقيقي وشامل. وهذا في حقيقته كشف صريح دون مساحيق تجميلية عن أصل الداء. والتعامي عنه لن يعيد إلا إنتاج استبداد قديم بعناوين جديدة.
– أمام الأوضاع الإقليمية التي تشكل نماذج واضحة على خطورة فقدان العمل التشاركي وتنسيق الجهود، تعد الدعوة المتجددة إلى ميثاق جماعي تعبيرا عن رسوخ قيم التواصل والانفتاح داخل أوساط الجماعة في جميع المستويات التنظيمية.
لقد قدمت الدائرة السياسية للجماعة إجابات واضحة على الرهانات الآنية والمستقبلية للوضع السياسي بالمغرب: فبدل تجميل وجه الاستبداد وتحميل المسؤولية عن الواقع المتردي لفروع المشكل وضعت الأصبع على مكمن الداء وأصله. كما أن وضعية التشرذم التي يعرفها المجتمع والتنابز بين الفرقاء ليجعل من أولى الأولويات العمل على توسيع دائرة المشترك وحسن تدبير الاختلاف والقطع مع منهجية الإقصاء وخطابه.