في لياليك يا شهر المكرمات، تتعاظم كل المعاني الراقيات، وتزهر كل القلوب فرحا بالله وبفيوضاته الربانية، وبأنواره القدسية.. شهر ليس كسائر الشهور، وفيه ليال ليست كباقي الليالي، عشر فضليات، كل القربات في ثوابها الضعف، أكرمها رب العزة بنزول الوحي وبليلة كلها أنوار، من أدركها أدرك الخير كله، واعتلى بساط المغفرة والرضوان، من أحياها بتذلل وانكسار، نال شرف الكينونة مع الأبرار.
في ليلاليك يا شهر النور، تزهر القلوب مع آي القرآن العظيم، تلاوة وحفظا وتدبرا، وينبري أهل القرآن لينهلوا من حوض العطايا القرآنية، ويهيموا في جنانه اللؤلؤية. قوم خصهم الكريم بخطاب خاص.. يرفعهم من درجة العوام إلى مقام الاصطفاء.
“اقرأ وارق”؛ خطاب قدسي للروح التواقة للمعالي.
“اقرأ وارق”؛ نداء عميق لمن ألقى السمع وهو شهيد.
“اقرأ وارق”؛ نداء خاص لقلب خاص…
فؤاد عقل أصل الوجود، اختار المحبوب، ثم أتم صفقة البيع بنجاح، باع الله، فاشترى منه الله، فربح البيع وعلا سقف الطلب حتى لامس سدرة المنتهى، هناك تربعت أمانيه، وهناك رفرفت روحه طليقة مستأنسة بأسرار آيات رسخت في الفؤاد، وقومت المعاني كل سلوك معوج، وذاك مقام الإحسان، إلى هناك حلقت الروح حتى بلغت عنان السماء.
“اقرأ وارق”؛ أنعم به من رقي واصطفاء، حدث به المصطفى – بأبي هو وأمي – مخبرا عن رقي وارتقاء، عن صعود وانتقاء، لمن أحسن اختيار الطريق، وهام قلبه بين صفحات الكتاب، يكابد الأمارة، حتى يتربع على عرش الحفظة، الحملة للآي العظام، وتغدو البشرى مكرمة من المكرمات عندما تنتعش العلاقة بين هؤلاء المحبين وبين مصاحفهم في شهر القرآن.
فهنيئا لكم يا أهل القرآن بهذا الاصصفاء، وهنيئا لمن لزم الأعتاب في أعظم أيام الله، وألح في طرق الأبواب، حتى يفتح له.
وتحل علينا العشر الفضليات، فلا ندري؛ أظفرنا ببعض القرب، أم خاب السعي، أم اقتنصت منا النفس روح الجهد، وأضاعت منا الغفلات العزم؟
فيا منزل الرحمات، أعنا على تجديد العهد، والفوز بك في أعظم أيامك، ومناجاتك في هدوء أسحارك، وسماع نداءاتك من آياتك، فمنا القصد ومنك الفضل يا عظيم الفضل.