رمضان شهر الصيام والقيام والقرآن، وهو شهر الجود والكرم والإحسان، والجود من الخصال النبوية الشريفة. فقد شهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، حينما قالت له مواسية ومطمئنة: “والله لن يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الدهر”.
كان جوده صلى الله عليه وسلم يزداد في رمضان، حين يلقاه سيدنا جبريل فيدارسه القرآن، شكرا لله تعالى الحنان المنان على نعمة نزول سيدنا جبريل عليه السلام، وتلقينه القرآن الكريم. وعمت أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم والحمد لله هذه البركة، فكانت بفضل الله ومنته أمة السند.
في الصحيحين عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضَانَ، فيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَة”. فالجود ومدارسة القرآن خطوتان في السلوك إلى الله، على أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في وصية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لمن أراد أن يفوز ببحبوحة الجنة، أن يكثر من الإنفاق، وباقي أعمال البر، كما جاء في حديث رواه الإمام الترمذي عن سيدنا علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ في الجنَّةِ غُرفًا تُرَى ظُهورُها من بطونِها، وبطونُها من ظُهورِها”، فقامَ أعرابيٌّ فقالَ: لمن هيَ يا رسولَ اللَّهِ؟ فقالَ: “لمن أطابَ الكلامَ وأطعمَ الطَّعامَ وأدامَ الصِّيامَ وصلَّى باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ”.
كما أن الجود والكرم خصلتان تدفعان البلاء عن المسلم، أخرج الحاكم في المستدرك، من حديث سيدنا أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صنائعُ المعروفِ تقي مصارعَ السوءِ والآفاتِ والهلكاتِ، وأهلُ المعروفِ في الدنيا همْ أهلُ المعروفِ في الآخرةِ”.
إن بذل المعروف يشمل أبوابا رحبة من الخير، تبدأ بالوجه الباش الطلق، والكلمة الطيبة الحانية، واليد السخية الكريمة. نجد بعضها ماثلة، فيما رواه الإمام البخاري، عن سيدنا أبي ذر الغفاري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تَبَسُّمُكَ في وجهِ أخيكَ لك صدقةٌ، وأمرُكَ بالمعروفِ ونَهْيُكَ عن المنكرِ صدقةٌ، وإرشادُك الرجلَ في أرضِ الضلالِ لك صدقةٌ، وبَصَرُكَ للرجلِ الرِّدِيءِ البصرِ لك صدقةٌ، وإماطتُكَ الحَجَرَ والشَّوْكَ والعَظْمَ عن الطريقِ لك صدقةٌ، وإفراغُكَ من دَلْوِكَ في دَلْوِ أخيك لك صدقةٌ”.
وفي مجتمع اختل فيه ميزان العدل، فأصبحت القسمة ضيزى في الأرزاق، وضاعت معه الكرامة الآدمية، أضحت المرحمة الإنسانية هي نسمة البشارة، وسحابة الخير، وفسحة الأمل للتخفيف من فاقة المعوزين، وجبر خواطرهم.