يقيم كل من الرجل والمرأة بعضهما عند العزم على الارتباط برباط الزوجية من خلال البصر؛ تنظر هي إلى وسامته وأناقته، ويشده هو حسنها وجمالها ولباسها.. فيلغي كلاهما نظر البصيرة عبر تحكيم سلطان العقل، وهذا يؤكد أن الحب أو الرغبة المتبادلة والإعجاب بالمظهر والشكل أثناء الاختيار أهم عند الكثيرين من الحكمة والاتزان.
ويأتي الاختبار
حدث ما، موقف ما، تصرف أو سلوك ربما، يجعل الزوجة تحس بالاضطراب والغضب، تفقد الثقة بنفسها، تبدأ بالصراخ وتلوم، يرد عليها الزوج بالمثل، يتبادلان الاتهامات، تعلو أصواتهما بالسباب يتلفظان بكلمات فيها تجريح وتقبيح، يفضي ذلك في بعض الأحيان إلى الضرب، تغادر الزوجة البيت تبحث عن سند خارجه، ويبقى الزوج يقلب المشكل لعله يجد تفسيرا لما وقع، لكن دون جدوى.
أين الحب والمودة؟
هذا مثال لعلاقة زوجية مضطربة تفتقد إلى الود والمحبة الصادقة، فالذي يحب لا يؤذي ولا يجرح ولا يسب ولا يقبح، الذي يحب يحترم ويقدر ويلتمس الأعذار ويرحم ويتغاضى عن الهفوات والزلات، الذي يحب يعطي ويمنح ويسعد صاحبه، يلتمس أسباب راحته وسعادته. والمشاكل لا يخلو منها بيت، ويسميها بعضهم بملح الحياة الزوجية، الذي نأمل ألا يزيد عن حده.
ماذا تقول التجربة؟
– اللبيب واللبيبة من الزوجين من يمنح لنفسه عند الخصام فرصة للتأمل والتفكير ومحاسبة النفس، ولا يتسرع في إصدار الأحكام، لأن ذلك مدعاة للندم وقد لا ينفع الندم في بعض الأحيان.
– ليترك كل منهما للآخر مساحة للتنازل لأن التسامح والصبر على الهفوات والأخطاء من شيم الكرام، ولأن “كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ” (1) كما قال الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام.
– إذا لمس أحدهما تقصيرا من نفسه في حق الآخر فليبادر بالاعتراف والاعتذار ولا يترك الأمر يستفحل.
– التجريح بالكلمات والعبارات النابية الجارحة من مكدرات المعاشرة الزوجية؛ يصيبها بسهام مسمومة قاتلة لا يندمل جرحها وإن مرت سنوات. لأنه – وبكل بساطة – يشبه الأثر في الآنية المتكسرة؛ لن تستطيع ترميمه ولا إخفاء عيبه وتكون فضلا عن ذلك تصبح مهددة بإعادة التكسر، لكن هذه المرة لن يملك أحد لها إصلاحا لا قدر الله تعالى. يقول الشاعر:
جراحات السنان لها التئام ** ولا يلتام (يلتئم) ما جرح اللسان
– إن الاستعانة بذوي المشورة والخبرة في الحياة من الصالحين لا يسوغ لكليهما إفشاء تفاصيل عن الحياة الزوجية، إذ يكفي التلميح بما يقتضيه المشكل، مع تحري الكتمان وألا يشاع لدى أطراف أخرى (الأقارب – الأصدقاء…) سواء عند معالجته أو بعدها، حتى لا يصير حديث القاصي والداني.
– أيضا نتذكر قوله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، فهذا مما يعين ويجعل كل مسلم يأمل ويرجو أن يحبه الله، يعفو ويصفح، فما بالك بالمؤمنين وبطالبي الإحسان المريدين وجه الله سبحانه وتعالى.
إن الابتلاءات والمشاكل في الحياة عموما والحياة الزوجية خصوصا لا مهرب منها ولا مفر، فعلينا أن نكون حكماء في التعامل معها، ولنجعل شعارها: نحتكم إلى الله ورسوله فإن لم يسعفنا العلم نحتكم لمن نلمس فيه رجاحة عقل وحكمة في التعامل والنصح ممن نختاره جميعا. جعل الله سبحانه وتعالى ابتلاءاته مما يقوي أسرنا ويزيدها تماسكا وترابطا، آمين. والحمد لله رب العالمين.
(1) أخرجه الترمذي (2499)، وأحمد (13049) واللفظ لهما، وابن ماجه (4251) باختلاف يسير.