قد لا يجد المتتبع لملف عمر محب صعوبة في تلمس الخلفية السياسية لهذه المحاكمة، وتوفر الشروط والأركان اللازمة لاعتبار هذا الاعتقال سياسيا.
ورغم أن الأدبيات القانونية والحقوقية لم تتطرق لتعريف ماهية الاعتقال السياسي، فإنها ركزت أثناء تعريفها لهذا النوع من الاعتقال على الأركان والسمات المطلوبة لوصف أي اعتقال بالسياسي. ومن أمثلة هذه التعريفات المشهورة: المعتقل السياسي هو كـل شخص يسجن أو يحبس بسبب معارضته للنظام القائم فـي الرأي والمعتقد والانتماء السياسـي أو تعاطفه مع معارضيه أو مساعدته لهم). إذن من خلال هذا التعريف يتبين أن وصف الاعتقال السياسي ينطبق بالأساس على كل من كان ضحية اعتقال مبني في أساسه على انتماء ذلك الشخص إلى التيار المعارض للسلطة بالإضافة إلى نشاطه وحركيته في التعبير عن رأيه مما يجعله مُعَرَّضا لهذا النوع من الاعتقال. بعد هذه المناقشة النظرية لدلالة الاعتقال السياسي نحاول تتبع أركان هذا المفهوم ومدى توفرها في الملف الذي توبع فيه عمر محب واعتقل وحوكم على خلفيته ب10 سنوات سجنا.
ملابسات فتح ملف مقتل آيت الجيد
تعود ملابسات هذه القضية إلى 1992 سنة مقتل الطالب اليساري آيت الجيد، لن ننتعرض هنا إلى أجواء الساحة الجامعية في تلك الفترة التي كانت تتسم بالتوتر وصعود فصيل طلابي إسلامي معارض حاول المخزن استئصاله أو على الأقل تحجيم دوره. في هذه الأجواء يتعرض في ظروف غامضة طالب يساري للقتل (نطالب جميعا بكشف حقيقة مقتله ومحاسبة المتورطين في هذا الفعل الشنيع)، بعد هذا الحادث ستمتنع الدولة عن مساءلة أو اعتقال عمر محب أثناء التحقيق في الحادث، هذا الجمود استمر 14 سنة حيث لم يعتقل عمر محب إلا في سنة 2006، ليتم اتهامه بالقتل كونه أحد النشطاء البارزين في الساحة الجامعية المنتمين لجماعة العدل والإحسان. لم يكن هذا المتهم سوى عمر محب الذي مارس حياته بشكل عادي يرتاد على المصالح الإدارية والأمنية ووجها معروفا في مدينة فاس. وهنا يطرح السؤال لماذا عمر محب بالضبط؟ والجواب البيسط هو: انتماؤه لجماعة العدل والإحسان حيث تزامن فتح هذا الملف مع استعار الحملة الأمنية التي شنتها الدولة على الجماعة إبان 2006، وبالنظر إلى رمزية عمر محب في الفترة الطلابية اعتبر “صيدا ثمينا” لتضييق الخناق على الجماعة ومتابعة رموزها.
محاكمة سياسية
إذا كان الزج بعمر محب في هذا الملف مرتبطا في حقيقته بنشاطه السياسي داخل أحد التنظيمات المعارضة ثم بإرادة مرَضية من السلطة الحاكمة لإلصاق تهمة العنف بالجماعة، فإن مسار محاكمته يأتي لتدلل على الخلفية السياسية لهذا الملف. حيث إن المتفحص لصك الاتهام الذي توبع به عمر محب ومحاضر التحقيق وأطوار المحاكمة بدءا بالتحقيق والجلسات وقرارات محكمة النقض، يوقن بالطابع السياسي للمحاكمة؛ حيث شابتها خروقات كثيرة تتعلق بالشكل والمضمون، ومن ذلك: (انعدام حالة التلبس، سبقية البث في التكييف القانوني للجريمة، سقوط الدعوى العمومية بالتقادم، التلاعب بمواعيد جلسات المحاكمة، عدم توفر أركان تهمة القتل العمد التي توبع بها عمر محب، تناقضات الشاهد الوحيد في القضية، الشهود المبرؤون لعمر محب، وجوده يوم الحادث في الدار البيضاء ضمن نشاط طلابي موثق..).
إن هذه الخروقات القانونية والتي أضحت معروفة لدى الجميع ليست إلا تعبيرا عن إمعان المخزن في تلفيق هذه التهمة للأستاذ عمر محب دون وجه حق ومن ورائه بالطبع جماعة العدل والإحسان. والذي ينكي هذا الجرح هو توريط القضاء في حرب المخزن هذه التي لا تعترف بالقيم والأخلاق.
خلاصات يجب الوقوف عندها
بعد أن صار من غير الممكن متابعة المعارضين بتهم الرأي، لا لشيء وإنما للتكلفة الباهضة لمثل هذه المتابعات، فسح المجال أمام التهم الأخرى الجنحية والجنائية للتضييق على أصحاب الرأي المخالف.
إن مظلومية عمر محب ظاهرة للعيان، خصوصا وأن أركان المتابعة السياسية متوفرة في هذا الاعتقال، هذه الوضعية تستدعي ذوي الضمائر الحية من مختلف المشارب للوقوف إلى جانب الحق، وتجاوز الاختلافات لحساسية هذا الملف، وتبقى مثل هذه المواقف هي التي تتطلب المسارعة لنصرة المظلوم والسعي الجماعي من أجل كشف الحقيقة ومعاقبة الجاني.