في حوار شامل.. د. إحرشان يناقش قضايا المدونة والصحافة والنظام السياسي

Cover Image for في حوار شامل.. د. إحرشان يناقش قضايا المدونة والصحافة والنظام السياسي
نشر بتاريخ

نفى الأستاذ الجامعي والناشط السياسي المغربي عمر إحرشان إمكانية وجود صحافة في المغرب بما تعنيه من سلطة رابعة ومن إزعاج للسلطة وللمجتمع المدني باعتبار ذلك أهم مؤشر على وجودها، مُرْجِعا أسباب ذلك إلى ما هو أعمق من المظاهر التدبيرية والقانونية ألا وهو “وجود نظام متردد كلما خطا خطوة إلى الأمام إلا ورجع خطوتين أو أكثر إلى الوراء”.

أول تشريع في المغرب للصحافة كان متقدما

عمر إحرشان، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، في تقييمه لوضعية الصحافة في المغرب في ضوء معطيات منظمة “مراسلون بلا حدود”، سجل اعتقاده بأن ما تصدره هذه المنظمة عن المغرب في حرية الصحافة “ربما هو أقل من الحقيقة”، وذلك في حديثه ضمن بودكاست “بصيغة أخرى” مع الصحفي حمزة الفاضل في منصة مثلث.  

وأشار إحرشان إلى أن النظام المغربي يريد أن يقال عنه نظام ديموقراطي فيه تعددية وحرية لكنه لا يستطيع ذلك، مشيرا إلى أن أول تشريع في المغرب للصحافة سنة 1958 ضمن منظومة الحريات العامة المستقى من التشريع الفرنسي، مبني على نظام التصريح لدى القضاء ويرفض الرقابة القبلية، “ولكن سرعان ما شعرت الدولة بتورطها في هذا القانون، وحاولت تدارك نفسها في تعديل سنة 1973 وفي تعديل 2003”.

ولفت إلى أن أحسن تصنيف حازه المغرب من طرف مراسلون بلا حدود في مؤشر حرية الصحافة كان هو سنة 2002 و2003، لأنه صادف تعدل قانون الصحافة لسنة 73 وأصبح 77.00 وتأسست “الهاكا” الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، ورفع احتكار وتحرير السمعي البصري، أي اعتمادا على مؤشرات.

قانون الصحافة والنشر تحايل على العقوبات السالبة للحرية

وأشار المتحدث إلى التناقض الحاصل بين دستور 2011 الذي جاء بضمانات مهمة جدا وبين قانون مدونة الصحافة والنشر، مبينا التحايل الذي جاء به هذا القانون حينما قيل بأنه سيصدر قانون خال من العقوبات السالبة للحرية، لكن العقوبات السالبة للحرية كما جاءت في قانون 77.00 نقلت كما هي إلى القانون الجنائي وصدرت في الجريدة الرسمية في عدد واحد مع قانون الصحافة والنشر.

وتابع موضحا أن الدولة لم تتخل عن العقوبات السالبة للحرية ولكنها تحايلت على قانون الصحافة والنشر. وفي مسألة ثانية قال إحرشان إن الدولة تحدثت عن الانتقال إلى التنظيم الذاتي لقطاع الصحافة والنشر، وهو ما تم بعد صدور قانون المجلس الوطني للصحافة وانتخب المجلس بصبغة تمثيلية، لكن بعد انتهاء الولاية تفاجأ الجميع بمشكل أكبر وهو غياب آلية محددة للانتخاب، ما أدى إلى وضع مرسوم بمثابة قانون لمدة عام ووضعت معه اللجنة المؤقتة، لكننا الآن على أبواب انتهاء مهمتها وما يزال المشكل قائما، في حين أنه لم يكن هناك أي مانع من إجراء تعديل للقانون نفسه وتجاوز المشكل.

ومعنى كل ذلك وغيره، يقول إحرشان، إن هناك إرادة للتحكم في الصحافة ليصبح الصحفيون موظفين لدى الدولة برقم تأجير ليصبحوا مثل خطباء الجمعة مع خطة “تسديد التبليغ” ينتظرون دوما ما يذيعونه، وإن لم يتوصلوا بشيء فلا عمل. موضحا أن هذا مضر بالدولة أولا وبالمغاربة، لأن حقهم في الإعلام ثابت وفق المرجعية الكونية لمتابعة كل الآراء في المجتمع، ومن واجب الدولة أن تدعم كل المنابر بغض النظر عمن معها أو ضدها لأن المال مال الشعب.

منهجية عمل لجنة تعديل مدونة الأسرة وطبيعة الإشراف

وعن موقف جماعة العدل والإحسان من طريقة تدبير الملف ابتداء من إعلان الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة إلى حدود إعلان توصياتها، أكد إحرشان أن أول ما يلاحظ على هذه اللجنة هو توقيت تشكيلها وسياقه تزامنا مع حدثين مهمين؛ الأول هو معاناة المغرب جراء زلزال الحوز، لافتا إلى أن طرح هذا الموضوع في تلك اللحظات من المعاناة والألم المخيم على الشعب يوحي بحضور صبغة الاستعجال والأهمية.

وأشار إحرشان في الحدث الثاني إلى الاجتماعات الدورية في مراكش لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي، وهو ما يؤكد حضور هاجس الضغوط التي يستجيب لها المغرب خاصة مع طرح موضوعات أخرى من غير المدونة من قبيل الإعدام والإجهاض وما يسمى بالعلاقات الرضائية إلى غير ذلك.

ومن حيث المنهجية وطبيعة الإشراف على العمل، أشار إلى الخطاب الملكي الذي أقر بأن المشكل ليس فقط مشكل النص ولكن هو الاختلالات المرتبطة بالتطبيق، وفي جزء كبير منها مرتبطة بالإدارة والقضاء، ولفت إحرشان إلى أن المؤسستين اللتين ارتبطت بهما الإشكالات التي ذكرها الملك هما المسيطرتان على اللجنة إذ فيهما الخصم وفيهما الحكم، وهي مقاربة غير منطقية.

غياب التناغم بين مكونات اللجنة المكلفة بتعديل المدونة

وفي ملاحظته الثالثة على منهجية اشتغال اللجنة، بين إحرشان الفرق بين التشاور والإشراك، موضحا أن الوضع الطبيعي في التشاور هو أن يجد الجميع موقعه في المخرجات وإلا فهي مجرد جلسة استماع، أي قل ما تريد ونحن ماضون في خطتنا كما نريد، ولهذا فاللجنة ملزمة أخلاقيا تجاه من استمعت إليه أن تعرض تقريرا عن أعمالها، في حين إلى الآن لم تصدر اللجنة أي تقرير، بل اكتفت بتسريب ما أرادت كيفما أرادت وبالوسيلة التي أرادت.

أما الملاحظة الرابعة، فقد بين فيها عدم التناغم بين مكونات اللجنة المكلفة، وهو ما كان يُخشى منه منذ اليوم الأول، وقد اتضح ذلك بشكل كبير بين طريقة عرض وزير العدل وطريقة عرض وزير الأوقاف، ومثالا على ذلك أن المجلس العلمي الأعلى قال إنه لا ينبغي أن تشترط الزوجة على الزوج وجوبا عدم التعدد، وكان ضد هذا المقترح وأكد أن موافقة الزوجة الأولى لا يجوز تعيينها شرطا لأن المدونة الحالية تقول: “ولها أن تشترط…” ولا إشكال فيها لأنها صيغة مخالفة للتنصيص المباشر على شرط بعينه. وهو ما يخالف قول وزير العدل بـ”إجبارية استطلاع رأي الزوجة أثناء توثيق عقد الزواج”، وهذا ما أكد أن المجلس العلمي هو الحلقة الأضعف.

وشدد إحرشان على أن اختزال إصلاح أوضاع الأسرة في نص قانوني وخاصة إذا كان الأمر نص المدونة هو “مقاربة قاصرة”، لافتا إلى أن إصلاح النص القانوني ليكون أحسن نص قانوني في العالم غير كاف لأن تحسين أوضاع الأسرة مرتبط بأمور أخرى غير النص القانوني للمدونة. مؤكدا أن تحسن أحوال الأسرة لا نتصوره دون تعديل استعجالي تخرج به اللجنة كتوصية مرتبطة بمدونة الشغل ضد التمييز الذي يطول المرأة العاملة.

لا يحق للدولة أن تشترط على الناس وهي لم تؤد واجبها

وفي موضوع السن الذي حددته الدولة في 18 سنة وفي الحالات الاستثنائية 17 سنة بشروط، قال إحرشان إن رأي الجماعة هو تحديد الحد الأدنى في 16 سنة. موضحا أن الموضوع لا يتعلق فقط بالشرع ومنطق الحلال والحرام، وإنما أيضا بمنطق المصلحة، مشيرا إلى أن زواج ما يسمى بـ”القاصر” يتداخل فيه الأمران، وقال إن الأوضاع الاجتماعية في البادية عند فئات كثيرة لا تسمح للبنت باستكمال دراستها. وتساءل المتحدث عن مدى تحمل الدولة لمسؤوليتها في التمكين للفتيات من إكمال دراستهن إلى 18 سنة، وعن المساعدات التي تمنحها للأسر كي تضمن بها هذا التعلم، موضحا أن الدولة لا يحق لها أن تشترط على الناس وهي لم تؤد وظيفتها كما يجب.

وأشار المتحدث إلى حالات في هذا الموضوع؛ من يقطن في المدن، ثم جزء آخر من المغرب حيث غياب الإمكانيات تكون فيه البنت معرضة للهدر المدرسي وتشتغل خادمة ربما في البيوت وقد تقع في محظورات متعددة، ونجد أنفسنا أمام أمر واقع. لذلك قالت الجماعة بـ16 سنة، يقول إحرشان، منبها إلى نوع من الإرهاب الذي يمارس باسم ما يسمى “المرجعية الكونية” التي هي في حقيقتها “قيم غربية” تتبناها بعض الجهات في الغرب وتحاول أن تضفي عليها قسرا وجبرا صبغة القيم الكونية.

الاتفاقيات الدولية توافق رأي الجماعة في 16 حدا أدنى للزواج

وأكد المتحدث أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 باعتباره منبع وأساس عدد من الاتفاقيات، تقول المادة 16 منه “الرجل والمرأة، متى أدركا سن البلوغ لهما الحق في الزواج وتأسيس أسرة”، وهذا ينفي فكرة 18 سنة، وكذلك اتفاقية الرضا بالزواج لسنة 1964 قبل اتفاقية سيداو سنة 1979، وتقول في المادة الثانية إن الدول الأطراف لها حق تحديد الحد الأدنى للزواج.

ولفت إحرشان إلى أن اليونسكو تقول أيضا بـ16 سنة، لأن الطفل يبدأ تمدرسه في ست سنوات، والتعليم الأساسي فيه 9 سنوات، وهي في مجموعها 15، وبعد ذلك لم يعد طفلا، لذلك تقول اليونسكو إن الحد الأدنى الذي يشترط أن يكون للزواج هو 16 سنة.

وذكر أن فكرة القاصر مرتبطة بسن الرشد، الذي يحدده القانون، وقد كان في وقت من الأوقات في سن 21 قبل تغييره، فهل كنا نربط حينها الزواج بهذا السن؟ وإذا تغير هذا السن وتحول إلى 16 أو 17 سنة فهل نغير أيضا سن الزواج؟ أم نربطه بالمرجعية الدولية التي نتعامل معها بانتقائية؟ أم نربطه بمصلحة المتزوجة التي تختلف من حالة إلى أخرى ومن بيئة الى بيئة؟

يتساءل إحرشان ثم يوضح أن اختيار الجماعة يستحضر كل ذلك في تحديد 16 سنة مع ضرورة العودة إلى القاضي باعتباره صاحب السلطة التقديرية، مشيرا إلى أن من أتيحت له الفرصة وسمحت له الظروف بأن يصبر أكثر من 16 سنة فهو أفضل.

حرية المعتقد: من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر

وفي سؤال مرتبط بحرية المعتقد لدى جماعة العدل والإحسان، أكد إحرشان أنها الأصل في الدين “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” وهي تندرج ضمن الحريات الفردية التي يكون مجالها خاصا ومحفوظا لأي إنسان، موضحا أن الإشكال هو حينما تمارس هذه الحرية الخاصة في الفضاء العام ومدى تأثيرها على النظام العام.

وأشار إلى أن الالتباس الذي وقع في التاريخ الإسلامي هو أن الردة ارتبطت بالمحاربة، لذلك هي ليست ردة عقدية وإنما أصبحت ردة سياسية وعلى هذا الأساس ورد فيها ما ورد من تعامل، وإلا فالأصل هو قول الله تعالى فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ.

وفي موضوع المساواة بين الذكور والإناث أكد إحرشان أنه ليس مطلبا شعبيا فضلا عن وجود نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة، كما أن فتوى المجلس العلمي مهمة لأنها فتحت مجال الوصية والهبة وذلك يتماشى مع ماهية المال في الإسلام، باعتباره مال الله والبشر مستخلف فيه.

نقاش التعصيب يخدم الأسرة النووية على حساب الأسرة الممتدة

ولفت إحرشان إلى أن فتح نقاش التعصيب قد تبدو دوافعه واقعية لكنها تريد خدمة الأسرة النووية المكونة من 3 أو 4 أفراد على حساب الأسرة الممتدة، وهذا ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار. موضحا خطورة الموضوع تكمن في تحويل مدونة الأسرة إلى مدونة المرأة حتى وإن لم تنصف المرأة.

وتابع: ولو كانت فيها أي نية لإنصاف المرأة، فكن متأكدا من أنها ستنصف الأسرة لأنها هي عمود الأسرة فعلا، وأورد حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل من أحق الناس بالصحبة قال: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك.

وعن سؤال مرتبط بقضية استلحاق مقطوع النسب بأبيه غير الشرعي، رجع الدكتور إحرشان إلى الدستور في الفصل 32 الذي حسم هذ المسألة، وأكد أن الأسرة المكونة وفق الشرع هي التي تعتبر الخلية والعماد، وهذا من أهم أسباب رفض اعتماد خبرات الحمض النووي (AND)، مشددا على أن الاستلحاق سيؤدي إلى اختلاط الأنساب.

النيابة الشرعية من حق المرأة في الخالات الخاصة

وعن النيابة الشرعية، قال إحرشان إن الأصل فيها هو أنها للأب ولكن في حالات كثيرة هي إدارية ومن حق المرأة أن تتمتع بها وتباشر الإجراءات الإدارية، خاصة في حالات الطلاق وغيره، وهذا قالت به الجماعة في وثيقتها لأنها فعلا من مصلحة الأطفال.

أما ما يرتبط باحتفاظ الزوجة ببيت الزوجية، فقد أكد إحرشان أن صيغة الإطلاق غير مستساغة وستؤدي إلى الالتباس، لأن بيت الزوجية قد يكون فعلا لا يسع شخصين لكنه في المقابل قد تكون قيمـته أكبر بكثير؛ تستفيد الزوجة من نصيبها من الإرث ويتبقى منه الكثير، مشددا على أن المغاربة لا يقبلون أن يحتفظ أحد الوالدين ببيت الزوجية ويبقى الآخر في الشارع.

وفي حديثه عن تثمين العمل المنزلي أوضح أهمية هذه الفكرة، التي تحدثت عنها أيضا الوثيقة السياسية للجماعة قبل سنة، مشيرا إلى أن العمل في الغرب ارتبط بالعائد المادي بينما عمل المرأة في المغرب يمكن تثمينه بالأجر المادي، لكن الأهم منه هو الاستقرار الأسري والبعد المعنوي الحاضر في المسألة، وإذا كان هذا التثمين بالمفهوم الذي جاءت به المدونة لا يتحقق إلا بعد الطلاق، فإن إحرشان يسائل الدولة عن مسؤوليتها في تحقيق التثمين وتعويض المرأة منذ زواجها حتى تحقق النموذج وليس في حالة الطلاق.

لمشاهدة الحلقة كاملة: