منهجه صلى الله عليه وسلم في التعليم

Cover Image for منهجه صلى الله عليه وسلم في التعليم
نشر بتاريخ

جريا على المعهود عند العرب في البدء ببيان فضيلة المطلوب قبل الحديث عن حقيقته إذا كانت معلومة، أبدأ متوكلا على الله بـ:

1ـ فضل العلم

قال الله عز وجل في محكم كتابه العزيز: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة 11].

ففي الآية الكريمة تخصيص الذين أوتوا العلم والإيمان برفع القدر والدرجات دلالة على الفضل. ورفع الدرجات تشمل المعنوية في الدنيا بحسن الصيت والحسية في الآخرة بعلو المنزلة في الجنة.

 ومما يدل دلالة واضحة على فضل العلم أن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستزادة من شيء إلا من العلم، وذلك في قوله سبحانه: وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه، 114].

ويكفي أولي العلم فخرا وعزا أن أشركهم الله سبحانه وتعالى وملائكتَه معه في مقام الشهادة على وحدانيته سبحانه في قوله تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران، 18].

2. التعليم إحدى وظائف النبي صلى الله عليه وسلم

قال عز من قائل على لسان خليله سيدنا إبراهيم وابنه سيدنا إسماعيل عليهما أفضل الصلاة وأزكى التسليم: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [البقرة، 129].

رسولا منهم يعني محمدا صلى الله عليه وسلم، ويعضده قوله عليه الصلاة والسلام في معرض إجابته عن سؤال نفر من الصحابة لما طالبوه بأن يخبرهم عن نفسه: (نعم، أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى صلى الله عليه وسلم) 1.

فمن المهام المسندة للنبي صلى الله عليه وسلم بحسب الآية السالفة الذكر: التبليغ ثم التعليم ثم التزكية، ونقصر حديثنا في هذا المقال على مهمة التعليم.

يعلمهم الكتاب أي القرآن، والحكمة أي السنة النبوية وقيل المعرفة بالدين والفقه فيه والاتباع له.

3 ـ منهجه صلى الله عليه وسلم في التعليم

1.3- الرفق والرحمة في التعليم

بدأت به لأهميته القصوى في تيسير التعلُّم والأخذ عن المعلم. وإليكم هذا الحديث الجميل في بيان هذا: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه وأريقوا على بوله سَجْلا من ماء أو ذَنوبا من ماء، فإنما بُعِثْـتُم مُيسرين ولم تُبْعَثوا مُعسّرين 2. ليَقَعوا به أي ليِؤذوه بالضرب، سَجْل وذَنوب أي الدَّلْوُ الممتلِئة ماء.

بعد أن قضى الأعرابي حاجته دعاه النبي صلى الله عليه وسلم وسأله: “ما حمَلك على أن بِلتَ في المسجد؟ فأجابه بكل صدق: والذي بعثك بالحق، ما ظننت إلا أنه صعيد من الصعدات فبِلتُ فيه” 3 فقال له صلى الله عليه وسلم معلما ومربيا رحيما متلطفا: “إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن” 4.

لما رأى الأعرابي الفرق الشاسع بين تعامل الناس معه وقد أرادوا به سوءا بعد فعله الشنيع، وبين تعامل الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم، رفع يديه إلى السماء ودعا قائلا: “اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا”، فقال له عليه الصلاة والسلام: “لقد حجَّرْتَ واسعا” أي ضيَّقتَ رحمة الله التي وسعت كل شيء.

2.3- ضرب المثل 

أسلوب نبوي في التعليم ماهيته استدعاء صورة حسية من الواقع المعيش لتقريب معنى مجرد إلى ذهن المتلقي. وتكمن أهميته في تيسير الفهم ورسوخ المعنى في الذهن لارتباطه فيه بالصورة المحسوسة من المحيط.

ومثال ذلك الصلوات الخمس وكيف يُطَهِّرْنَ المومنَ من الذنوب والسيئات: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مَثَلُ الصلوات الخَمْسِ يمحو الله بهنَّ الخطايا” 5.

3.3- تجنب الإملال

أسلوب تعليمي رائع من النبي صلى الله عليه وسلم ينشد الاقتصاد فيقلل المقدار في المحتوى التعليمي وكذا في الحصة الزمنية المخصصة له حتى لا يتسلل الملل للنفوس من جهة ويَسْهُلَ عليهم الفهم والحفظ من جهة أخرى. فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخوَّلنا (يتعهَّدنا) بالموعظة مخافةَ السآمةِ علينا” 6.

4.3- التكرار والتَّأنِّي

من شدة حرصه صلى الله عليه وسلم على أن يُفهَمَ عنه وأن يُبَلَّغَ عنه بدون زيادة أو نقصان، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “نضَّرَ الله امرأ سمع منّا شيئا فبلَّغَه كما سمع” 7. كان صلى الله عليه وسلم يتأنى في كلامه ولا يستعجل، وكان يفصل بين كلمة وأخرى حتى أنه يسهُلُ على السامع أن يَعُدَّ كلماتِه، كل ذلك حرصا منه عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم على تجنب التحريف عند النقل عنه وتسهيلا للحفظ والفهم. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم “كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تُفْهَمَ عنه” 8، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلا يفهمه كل من يسمعه” 9.

5.3- تجنب الإحراج

ذاك منهجه صلى الله عليه وسلم في توجيه المخطئ وتعليمه الصحيحَ دون ذكر اسمه أو فضحه أمام الملأ. ومثال ذلك ما ورد عن أنس رضي الله عنه “أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي عن عمله في السر، فكأنما تقالّوه فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش. فلما بلغه مقالهم حمد الله وأثنى عليه وقال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني” 10.

6.3- القدوة أو التشخيص

أي أنه صلى الله عليه وسلم يقوم بتشخيص ما يريد تعليمه لصحابته بنفسه، ومثال ذلك دعوته للصحابة أن يُصَلّوا كما رأوه يصلي. فعن مالك بن الحويرث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “صَلّوا كما رأيتموني أصَلِّي” 11.

7.3- عدم تفويت فرص التعليم

أي أنه عليه الصلاة والسلام متى بدت له فرصة لتعليم الناس الخير بادر في الحين، لأن في ذلك فائدة الاستفادة القصوى للمتعلم إذا ما تم ربط التعليم بالحال الراهنة التي يوجد عليها، ومثال ذلك من سيرته العطرة: عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سَمِّ الله وكل بيمينِك وكل مما يليكَ” 12. وكذا قوله عليه الصلاة والسلام للمسيء صلاته: “ارجع فصَلِّ فإنك لم تُصَلِّ” 13 الحديث.

تلكم بعض من أساليب التعليم النبوية والتي يجدر بكل من يمتهن التربية والتعليم والتوجيه الاقتداء به فيها لعظم نتائجها في بلوغ مقاصد التربية والتعليم والتوجيه والإرشاد.


[1] رواه خالد بن معدان الكُلاعي.
[2] رواه البخاري.
[3] رواه أبو يعلى.
[4] متفق عليه.
[5] متفق عليه.
[6] متفق عليه.
[7] أخرجه الترمذي واللفظ له وابن ماجه وأحمد.
[8] رواه البخاري.
[9] رواه أبو داود.
[10] رواه مسلم.
[11] رواه البخاري.
[12] متفق عليه.
[13] رواه أبو هريرة.