توارثت النساء منذ زمن، مجموعة من التقاليد والعادات التي ترسخت في موروثهن الثقافي والشعبي، وتشبعت أفكارهن كذلك بما ألِفْنه أُمًّا عن جَدَّة.
ولعل أهم هذه العادات والتقاليد، هي الاستعداد لمواسم الخير، أو ما يُسَمَّى في أعرافنا “بالعواشر”، وهذا الاستعداد كان فيما مضى يبدأ مع شهر رجب ويمتد إلى أواخر شعبان، حيث تنطلق حملات النظافة العميقة لكل أرجاء البيت، فتشمل جُلَّ مكوناته من أثاث ومواعين وفُرُش.. لتنتهي بالتوابل، وتنقيتها، وكل ما يتعلق بالمؤونة من غذاء وحلويات… وتحضيرات تتعلق باستقبال الشهر الفضيل، مع إحاطة ربات البيوت بكل التفاصيل الدقيقة، حتى يستقبل أفراد عائلتها رمضان وهم في أفضل أحوالهم الحسية والمعنوية.
وما بين الأمس واليوم تغيرت الكثير من المفاهيم التي كانت عالقة في الأذهان، وازداد هذا التغيير مع خروج أغلب النساء إلى العمل وتصاعد غلاء المعيشة، فاقتصرت الأسر على ماهو ضروري، وتأجلت عملية التنظيف الشامل حسب مقدرة المرأة وفراغها.
وهذه العادات على جماليتها، إلا أنها تستنزف طاقة المرأة ماديا ومعنويا، وتستهلك منها الجهد والوقت الذي من الممكن استثماره في أشياء عديدة، فمن الممكن أن تُقَسَّم هذه المهمات على مدار فترات زمنية غير مرتبطة بهذه المواسم الشريفة التي يجب أن تغنم المرأة فيها بما يصلح علاقتها بربها، ويعلو بها في مراتب الدين.
علَّمنا ديننا الحنيف، أن استحضار النيات العديدة في عمل واحد، يكسبنا الكثير من الحسنات، ولاشك أن كل ما تقوم به المرأة من أعمال البيت، وما تقدمه لأفراد أسرتها من رعاية وعناية وحرص وتفقد واهتمام، لَهُو من أولويات مسؤولياتها، ومن تمام مهامها، وتُؤْجَرُ عنه الكثير شرعا، وتستجيب به لفطرة أمومتها وعاطفتها.
وهي مع كل هذا بحاجة إلى طاقة تملأ روحها إيمانا وتبصرة، بحاجة هي إلى تجديد الإيمان والتعرض لنفحات الرحمن، فلا تُبَدّد جُلَّ طاقتها في أعمال شاقة متتالية، تأخذ من جهدها الكثير، فتقبل على رمضان بجسد منهك وروح مستنزفة، خاصة وأن شهر شعبان هو مقدمة لرمضان، ويكون فيه ما يكون في رمضان من قيام وذكر وتلاوة قرآن، وسائر الأعمال الصالحة.
وقد قيل: “الخلوة مع الله عزيزة في هذا الزمن، فلا تنس نصيبك منها ولو لعدة دقائق، وسترى أثر هذه الدقائق على نفسك وصفاء ذهنك، وراحة بالك، وطمأنينة قلبك، وقوة تثبيت الله لك.. سترى كيف يمُدُّك الله بالقوة والإعانة والتسديد ويُلهمك الصبر والفتوح.. الخلوة مع الله زاد روحي لن تجد له بديلا ولا مثيلا”.
وأنت عزيزتي المرأة، سواء كنت أما أو أختا أو بنتا أو طالبة أو موظفة وعاملة أو ربة بيت، بحاجة أن تقتطعي من وقتك سويعة، تختلي فيها بنفسك، وتقبلي فيها على مولاك، وذاك أضعف الإيمان.
بحاجة أنت إلى مدد روحي يعلو بنفسك عن سفاسف الأمور ويرتقي بك إلى معاليها، إلى معرفة الله عز وجل؛ فتتحرر نفسك من الكدورات التي تعتري همتك وإرادتك وتَذَمُّرك مِمَّا يشكو منه عامة الناس..
مُرِّي عزيزتي على نصيبك من الآخرة، وابدئي به يومك، واستفتحي به نهارك ليكون لك مددا لمواجهة الحياة بقساوتها وابتلاءاتها ومنحها ونعمها، وذخرا لك لآخرتك ويوم الحساب.
بحاجة أن تتزودي معرفيا وعلميا بالعلم الشرعي وعلوم الدنيا، فالعلوم الشرعية هي ضرورة لابد منها حتى تعبدي الله على علم، فترتقي إلى المقامات العالية وتبذلي الجهد كي تُحَصِّلي هذا العلم الذي يبني دنياك وآخرتك، دون أن تحيدي عن علوم الدنيا، فتتزودي منها بما ينفعك وينفع أسرتك وأمتك.
ولكي تشتعل جذوة الإيمان والتقوى في قلبك لابد لك من صحبة صالحة، تأخذ بيدك إلى جنان الدنيا، فترتعي فيها، فتتنقلين بين زهراتها، وتأخذين من رحيقها، وتتنسمين عبيرها، في مجالس إيمانية تعليمية، لك فيها الأجر الكثير، فهي مجالس أنس بالله، وتحاب في الله، وتناصح في الله ولله. هم القوم لا يشقى جليسهم، وهذه المجالسة هي جزء لا يتجزأ من وقتك، خاصة إذا بذلت الوُسْع واستعددت لذلك من قبل، وهيأت قلبك قبل بيتك ووقتك للاحتضان.
يتطلب منك الخروج من زمن العادة إلى زمن العبادة:
تحرير إرادتك من الخلود للكسل والدعة والراحة، وسَوْقِ نفسك سوقا إلى كل ما يُغذيها ويزرع فيها بذور الخير.
تحرير إرادتك من التسويف والتأجيل، فلا نضمن أعمارنا ولا كم سنعيش، وقد وضع الحبيب صلى الله عليه وسلم نصب أعيننا الحديث الشريف الذي يحضنا على اغتنام خمس قبل خمس، أهمها: فراغك قبل شغلك، وصحتك قبل هرمك…
تحرير إرادتك من العادات البالية التي توارثتها الأجيال، دون تبصرة أو وعي، فأنهكت العلاقات، وبَدَّدَت الأوقات والجهد والمال، وما العقل سوى مصفاة أنعم بها المولى علينا، لنميز الخبيث من الطيب.
تحرير إرادتك من الأنا المستعلية التي لا تقبل النصح، ولا تتقبل الرأي، ولا تتواضع فتتعلم، ولا تنكسر بين يدي الحق، فتشكو إليه الضعف والحاجة.
تحرير إرادتك من الخجل المرضي الذي يحول بينك وبين اتخاذ القرارات الصحيحة، أو التعبير عن رأيك في قضايا أمتك، ويكون عائقا في اقتحام العقبات.
تحرير إرادتك يتجلى في حسن استثمارك لوقتك، والتعامل معه كميزانية تنفقين منها، فلا تبددينه فيما لا ينفعك، وتحسنين توزيعه حسب أولوياتك.
وحتى تتربعي ملكة في برجك الاستراتيجي، حَرِيٌّ بك أن تُحْسِنِي الصعود، فلا تتأثرين بالعثرات التي تعتري درجاتك، وقد تسقطين، فتكررين الوقوف ومحاولة الصعود من جديد، حتى الوصول إلى مبتغاك، فلا تفقدي عزمك مع تكرار المحاولة، ولا يتأتى ذلك إلا بتربية متوازنة، تجمع بين نصيب الدنيا والآخرة.
وما نالت الصحابيات الكريمات، والصالحات من نساء الأمة، الفضل والخير العميم، إلا عندما حررن إرادتهن بالخروج من مجتمع الضلال والعادات الوثنية إلى رحاب الإيمان والهدى.